أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي الجزء السابع: المؤسسة التعليمية والتكوينية
أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي
الجزء السابع: المؤسسة التعليمية والتكوينية
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس؛
مقدمة:
لقد عرف قطاع التعليم بالمغرب، ومنذ فجر الاستقلال إلى اليوم، أي على امتداد أكثر من نصف قرن، عدة إصلاحات، تعاقبت بتعاقب الحقب الزمانية والأجيال المتوالية، حيث شكلت عدة مجموعات لجان، وانكبت على النظر في قضايا التعليم، فاتخذت قرارات واختيارات وفق تصوراتها الذاتية والغايات المرسومة لمنظومة التربية والتكوين، ما كان يؤدي بالطبع إلى فشل هذه الإصلاحات دون تحقيق المنتظر منها على الساحة التربوية والتكوينية، الأمر الذي انعكس سلبا على جميع الأصعدة، منها الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها.
حيث إن أي متتبع أو متفحص لهذه الإصلاحات، يلمس بكل بساطة مجموعة من الاختلالات، تطال المؤسسات التي تنهض عليها سياسة تدبير شؤون الدولة، والتي تعتبر الأسس والمرتكزات الحقيقة للإصلاح التعليمي ومنها، إضافة إلى المؤسسة الأسرية، المؤسسة التعليمية والتكوينية؛
Ø فما هي الظروف والشروط المادية والمعنوية التي تتوفر بالمؤسسة التعليمية والتكوينية لضمان مدرسة وتكوين التلاميذ والطلبة؟ وكيف تسهم المؤسسة التعليمية والتكوينية في الإصلاح التعليمي؟ ومتى تسهم المؤسسة التعليمية والتكوينية في الإصلاح التعليمي بالشكل المطلوب من أجل تأهيل الأطفال والشباب للاندماج في الحياة العملية والنسيج الاجتماعي؟
حيث، في اعتقادنا، أن أي إصلاح تعليمي يتناول، فقط، بالمعالجة والدرس والتحليل البرامج والمناهج والمقررات الدراسية والكتب المدرسية، ويرفع شعارات، ويقدم إنشاءات شمولية وفضفاضة، لن يجدي نفعا، ولن يتجاوب مع الغايات المرسومة، ولن يحقق الأهداف المسطرة، ما دام لم تصاحبه، أو على الأصح، لم تسبقه إصلاحات جذرية وعميقة لجميع المؤسسات، بكل أنواعها ومجالاتها، التي ينهض عليها المجتمع وتعمل على تصريف السياسة المنتهجة في تدبير شؤون الحياة المجتمعية برمتها، ومنها المؤسسة التعليمية والتكوينية بجميع أسلاكها الدراسية والتكوينية.
وحتى نجيب قدر الإمكان على هذا السؤال المحوري للإشكالية المطروحة، سوف نعرض، واقع المؤسسة التعليمية والتكوينية المحتضنة للدعامات والأسس والمرتكزات الحقيقية لإصلاح التعليم والتكوين، والخدمات المنتظرة منها والأدوار الحقيقية الموكولة إليها، مع مراعاة أهميتها البالغة في المجتمع، وتحديد العناية الفائقة التي يجب إيلاؤها إياها، حتى تضطلع بمهامها، وتؤدي رسالتها السامية تجاه تربية الأجيال المتعاقبة وتكوينهم وإعدادهم للحياة المهنية، إلى جانب خدمات مضامين المقررات الدراسية والبرامج والمناهج، وبموازاة لها، أو في تكامل معها، وتعاون متبادل، أخذا وعطاء.
إن المؤسسة التعليمية والتكوينية، موقعا جغرافيا، وبنية تحتية، وتجهيزات ومرافق وشروطا وظروفا وموارد بشرية ومعاملات، تشكل، النواة الصلبة، وحجر الزاوية الحقيقي لكل إصلاح تعليمي وتكويني: فما هي المؤسسة التعليمية والتكوينية؟ وكيف تشكل مرتكزات أساسية للإصلاح التعليمي والتكويني؟ وما هي الأدوار المنوطة بها للنهوض بأي إصلاح تعليمي؟
تعتبر المؤسسة التعليمية والتكوينية، بالتعليم الابتدائي والثانوي، فضاء تربويا واجتماعيا يعنى بتربية وتعليم التلاميذ وتنشئتهم وإعدادهم للحياة، كما تعتبر، بسلك التعليم الجامعي والتكويني، فضاء تعليميا وتكونيا، يعنى بتعليم الطلبة وتكوينهم وإعدادهم للاندماج في الحياة العملية والمهنية والاجتماعية.
وتصنف المؤسسة التعليمية والتكوينية من حيث موقعها الجغرافي إلى حضرية وقروية، ومن حيث نوعها إلى عمومية وخصوصية وبعثة ثقافية، ومن حيث وظيفتها إلى ابتدائية وثانوية وجامعية وتكوينية.
فما هي خصائص ومميزات المؤسسة التعليمية والتكوينية من حيث نوعها وموقعها ووظيفتها؟ وهل تنال نصيبها من الإصلاح التعليمي بناية وبنية تحتية وتجهيزات وساكنة؟ وما جوانب تأثيرها في الدراسة والتكوين؟ وكيف تساهم في الفشل الدراسي والتكويني وصنع البطالة؟ وما هي الاختلالات المادية والبيداغوجية والمنهجية التي تطال العملية التربوية والتعليمية والتكوينية؟
يتم مناولة هذه الأسئلة المحددة ضمنيا للأهداف المسطرة لهذا الموضوع وذلك كما يلي:
I. المؤسسة التعليمية:
1.المؤسسة التعليمية بالوسط القروي:
غالبا ما يتم بناء مدرسة ابتدائية أو ثانوية بالوسط القروي بنقطة لا توجد على نفس المسافة من الدواوير والمداشر والقرى المحيطة بها لعدة اعتبارات، ليواجه التلاميذ عامة، خصوصا بالمناطق النائية، وصغار السن، خاصة، صعوبات ومشاق في قطع مسافات طويلة، في القر والحر، عبر مسالك وعرة وخطيرة وطرق غير معبدة، تخترقها وديان بلا قناطر، وتباغثها فيضانات دون سابق إنذار، مع انعدام وسائل النقل العمومي المؤمن ووسائل النقل المدرسي، ليقضي التلاميذ يوما كاملا بالمدرسة، ويقضون الحصة الشاغرة تحت السماء، ودون الاحتماء بسقيفة تقيهم البرد والحرارة، وبعيدا عن مراقبة أولياء أمورهم، في ظل الظروف الأسرية المزرية وعدم استفادة أغلب التلاميذ من منح دراسية توفر عليهم عناء التنقل اليومي، ومن خدمات الدعم الاجتماعي تساعد أولياء أمورهم على توفير الحاجيات واللوازم اليومية لمواجهة أعباء الحياة ومتطلبات التمدرس والتكوين.
ويلاحظ كذلك أن المدرسين، لا تقل معاناتهم عن معاناة التلاميذ في شيء، حيث أغلبهم إن لم نقل جلهم، لا يقطنون قرب مدرسة، ولا بالتجمعات السكنية القروية لعدة أسباب، منها ظروف السكن غير اللائق، والإنارة والماء الشروب والطهو والأكل، ومتابعة أبنائهم دراستهم الجامعية، فيفضلون السكن بالمدن الكبرى، وبالتالي يقطعون يوميا مسافات طوالا، عبر وسائل نقل متنوعة وعلى الأرجل، ليصلوا غالبا متأخرين عن موعد الحصص الدراسية، ما يرهقهم عن إنجاز الدروس الرسمية، ويصرفهم عن إنجاز العمليات المدرسية الموازية، من إعداد وتصحيح ومراقبة وانخراط في أشغال النوادي وتنظيم مسابقات رياضية وثقافية، ما يضعف مردودية المدرس والتلميذ، لينخفض التحصيل الدراسي، ويتم تسجيل نتائج هزيلة، لا تشجع التلاميذ على الاستمرار والانتقال إلى أعلى المستويات الدراسية والتكوينية، فتستفحل ظاهرة الهدر المدرسي.
إن التلاميذ والمدرسين بالوسط القروي، خصوصا بالمناطق النائية، يعانون، سيان، ظروفا قاسية، تحد من فعاليتهم، وتؤدي إلى انخفاض المردودية المدرسية، كما تؤدي بنسبة لا يستهان بها من التلاميذ إلى الانقطاع عن الدراسة ومغادرة الأسلاك الدراسية.
2.المؤسسة التعليمية بالوسط الحضري:
إن المدرسة الحضرية، تعاني، خصوصا، بالأحياء الشعبية، ظاهرة الاكتظاظ، حيث يجد المدرسون أنفسهم أمام أعداد هائلة من التلاميذ داخل أغلب الأقسام، وبمختلف المستويات الدراسية، الأمر الذي يطرح أكثر من مشكلة على صعيد العملية التربوية برمتها، لا من حيث النظام والهدوء، ولا من حيث التواصل، ولا من حيث التنشيط وتدبير حصة الدرس، ولا من حيث مراقبة أعمال التلاميذ وتقييمها وتصحيح ثغرات التعثر الدراسي لديهم، ولا من حيث الأشغال الموجهة والتطبيقية، الأمر الذي يعتبر السبب الرئيسي لتعثر الخطاب التربوي وعلاقات مدرس- تلميذ، حيث تؤثر سلبا في تدبير الفصل التربوي، من تأطير ومناقشة وتحليل مختلف الوضعيات التعليمية، كما تؤثر في التركيز والاهتمام بالمصطلحات والمفاهيم الأساسية، ليلتجئ المدرس إلى أساليب الإلقاء والحشو وإملاء ملخصات ركيكة على التلاميذ دون تمكينهم من منهجيات التفكير المنطقي الرامية إلى تفتق ملكاتهم وتنمية شخصياتهم وإذكاء الحس النقدي لديهم.
ومعلوم أن الأحياء الشعبية تعج بالأسر الفقيرة والمعوزة، تعاني الأمية والأمراض والتهميش وقلة ذات اليد، ومع ذلك فإن استفادتها من الخدمات الطبية والاستشفائية والاجتماعية تبقى ضئيلة أو منعدمة ، الأمر الذي ينعكس على التلاميذ فيقل تحصيلهم الدراسي، ويسيرون خلال سنوات تمدرسهم نحو الفشل، فالانقطاع عن الدراسة.
ومن ناحية أخرى، وعلى العموم، وبعد تعدد المؤسسات الخصوصية إلى جانب المؤسسات العمومية، وفي إطار الاتصالات التي تتم بين تلاميذ نوعي المؤسستين التعليميتين، يشعر تلاميذ المؤسسة العمومية بالإحباط والاحتقار حين يبلغ إلى علمهم مضامين ما يدرسه تلاميذ التعليم الخصوصي والنتائج المرتفعة التي يحصلون عليها.
إن ارتفاع أعداد التلاميذ بالقسم يقف حجر عثرة أمام تطوير العملية التربوية، كما يحول دون التركيز على التلميذ كمحور تدور حوله جميع الأنشطة التعليمية، يتفاعل معها مشاركا في بلورة الدروس، ومساهما في تنمية قدراته الذاتية، مكتسبا مهارات متنوعة، مبتكرا ومبدعا.
وحسب تصريحات التلاميذ وأولياء أمورهم، خصوصا المعوزين والفقراء منهم، تفيد معاناة العملية والتربوية من عدة عوامل وآفات تفسدها وتنزل بمردوديتها إلى الحضيض، وذلك من قبيل الساعات الإضافية المؤداة والمفروضة كرها على التلاميذ، واللاتكافؤ الدراسي بين المدرسة العمومية والمدرسة الخصوصية والبعثات الثقافية، والممارسات اللاديموقراطية بالمدرسة العمومية المتجلية في عمليات تقييم إنتاجات التلاميذ ومعاملاتهم وأساليب تدبير العملية التربية برمتها إنجازا وتأطيرا.
II.المؤسسة التعليمية الجامعية:
يلتحق بالمؤسسات الجامعية التلاميذ الحاصلون على شهادة البكالوريا عن طريق التسجيل المباشر، أو مرورا بمساطر الانتقاءات والامتحانات، حسب طريقة ولوج هذه المؤسسات المحدد في الاستقطاب المفتوح أو المنتظم.
1- المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح:
تتشكل المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المفتوح من جميع الكليات باستثناء كلية الطب وطب الأسنان، التي يلجها التلاميذ حاملو شهادة البكالوريا، دون قيد ولا شرط.
إلا أن المتتبعين للشأن الجامعي يشهدون أن هذه المؤسسات تعيش مشاكل بالجملة تحول دون تأهيل الشباب بالشكل الصحيح والمطلوب، حيث اكتظاظ جميع المدرجات وقاعات الأشغال المختصة، والظروف المزرية للطلبة من حيث الدراسة المتعثرة والمنح الهزيلة، وعدم استيعاب الأحياء الجامعية لجميع الطلبة، الأمر الذي يجعلهم يتخبطون في مشاكل عويصة من قبيل الإيواء والتنقل والأكل.
وما يزيد الطين بلة، الإحباط العارم الذي يؤرق الطلبة، من شدة انسداد الآفاق الدراسية وبطالة حاملي الشواهد العليا، ما يقف حاجزا أمام تأهيلهم وانخراطهم في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والتنمية البشرية.
2- المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المنتظم:
تتشكل المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود أو المنتظم من المدارس والمعاهد العليا وكلية الطب وطب الأسنان، التي يلجها التلاميذ الحاصلون على شهادة البكالوريا، بعد اجتيازهم بنجاح جميع مراحل الانتقاءات والاختبارات المتنوعة، من انتقاءات أولية واختبارات كتابية ومقابلات فردية وتمارين رياضية وأشغال تطبيقية وغيرها.
ويتحكم في ولوج هذه المؤسسات بنيتها التحتية وطاقتها الاستيعابية المحدودة في مقاعد محددة، ما ينجم عنه إقصاء طلبة حققوا ميزات مرتفعة، وما يطرح عدة إشكالات على الصعيد الوطني، جراء حرمان طلبة متميزين ذوي طاقات فكرية متميزة، من تحقيق مشاريعهم الشخصية، وبالتالي الوقوف حاجزا أمام تأهيلهم وانخراطهم الفاعل في النسيج الاجتماعي والاقتصادي والتنمية البشرية.
III. المؤسسة التكوينية المهنية:
يلج مؤسسات التكوين المهني جميع تلاميذ التعليم الثانوي والجامعي الراغبين في ذلك، بعد اجتيازهم بنجاح مباراة منظمة لهذا الغرض. إلا أن هذه المؤسسات تعاني، عموما، أزمة المقاعد المحدودة وضعف الخدمات الاجتماعية، حيث لا تتوفر على أجنحة داخليات ولا دور للطلبة ولا توفر وجبات غذائية، ما يحد من إقبال التلاميذ والطلبة على الالتحاق بالتكوين المهني، خصوصا منهم الوافدين من الوسط القروي، وعلى الأخص أولئك المتحدرين من أسر معوزة تعاني الفقر والتهميش وقلة ذات اليد.
بقلم نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
Aucun commentaire