عليكم أن تختاروا بين النطح واللكم والركل… أو – الجلد الشرعي – الطنطاوي
من البيداغوجيات الراسخة في الذاكرة المجتمعية,"العقاب البدني" وهو من أكثر أساليب التربية شيوعاً في الكثير من المجتمعات- حتى لا أقول في كل المجتمعات- وهي ظاهرة قديمة معروفة مند ظهور الإنسان على البسيطة حتى الآن,ولقد عمل الحكام والمربون والآباء والأمهات على التأصيل للظاهرة وشرعنتها ,استنادا للدين أو الأعراف أو هما معا…لتبرير استعمال العقاب الجسدي والتعذيب وممارسته ضد الطرف الآخر.ورغم أن التعذيب جريمة من الجرائم التي تمتهن كرامة الإنسان ، مارستها الأنظمة السياسية على كافة أشكالها وعلى امتداد العصور ، ولا تزال العديد من الدول تمارس التعذيب ليس فقط ضد المعارضين السياسيين, وإنما تستطيل هذه الممارسة حتى تطول المواطنين العاديين ، فوفقا لتقارير المنظمات الدولية لحقوق الإنسان, هناك على الأقل نصف بلدان العالم تمارس التعذيب بشكل منظم ضد ِمواطنيها.لقد استعمل المخزن بواسطة أجهزته الأمنية سياسة "العصا لمن عصا", ويكفي أن نسأل قدامى"درب مولاي الشريف" أو "دار المقري" أو " الكورس" أو باقي بيوت الضيافة الأخرى , التي لا يسع المجال لذكرها, والتي كانت تستعمل كمعاهد وجامعات عليا, تربى وتأدب فيه "الرؤوس القاسحة"لتعود لبيت الطاعة, كما لازال الكثير منا يتذكر يومه الأول في "الجامع" وما كان يقوله آباؤنا وأولياؤنا للفقيه مثل (لكم اللحم ولنا العظم ) و ( العلم يرفعهم و الضرب ينفعهم), هذا ما كان يقوله المتعلمون من أوليائنا , أما الأميون منهم فيقولون ( أنت اذبح وأنا أسلخ) , وهكذا تم ترسيخ العنف والعنف المضاد وتوريثه على جميع المستويات, وكبرت معنا هذه الثقافة وأصبحت بالنسبة لنا"العصا" أو "السوء" من الأدوات الأساسية التي تصاحب المعلم مع الكتاب والطباشير, وأصبح العقاب الجسدي أمرا عاديا وواجبا" شرعيا ووطنيا" يجب ممارسته من أجل الضبط والربط… و أصبح الكثير من الناس يعتقد أن المعلم الذي لا يستخدم العصا ضعيف الشخصية !!.. وأن المدارس التي لا يسمح فيها بالضرب يميل التلاميذ فيها للتسيب و عدم الجدية في تعاملهم مع زملائهم ومعلميهم, وأن الدولة التي لا تستعمل "العصا الغليظة" , تنتشر فيها الفوضى والتسيب والإجرام وعدم احترام القانون, وان الرجل الذي لا يضرب زوجته فهو ناقص الرجولة ومغلوب على أمره ,ولا يطبق الشرع, وهكذا أصبح الكل يضرب الكل استنادا إلى "الشرع والعرف". أمام استفحال هذه الظاهرة وما نتج عنه من عواقب خطيرة أدت إلى إزهاق الكثير من الأرواح البريئة بدون وجه حق , تم تدويل هذه الظاهرة وعولمتها, وفرخت مجموعة من العناوين, كالعنف السلطوي ـ العنف السياسي ـ العنف الطلابي ـ العنف الأسري ـ العنف الجنسي ـ العنف ضد المرأة ـ العنف ضد الطفل- العنف ضد الحيوان و … ثم ا تخذ منها وسيلة للضغط على الحكومات لسن ترسانة من القوانين والتشريعات المتعلقة بإيقاف هذه الظاهرة, ولعل من أهم الاتفاقيات الدولية "اتفاقية مناهضة التعذيب" وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو أللإنسانية أو المهينة, و التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة, في 10 ديسمبر 1984,والتي دخلت حيز التنفيذ في 26 يونيو 1987,فصارت حجر الأساس في موضوع التعذيب إذ فصلت موادها الثلاث والثلاثون كل ما يتعلق بالموضوع,وعرفت التعذيب, وحددت الأسباب الدافعة, كالحصول على معلومات, أو على اعتراف, أو المعاقبة ,أو الإرغام على شيء أو التمييز العنصري,كما حددت المسؤوليات في – مرتكب الفعل – المحرض عليه – الموافق عليه – الساكت عنه من المسؤولين.ربما يتساءل المتسائل,ما الهدف من هذه المرافعة الإنشائية ؟ وما محلها من الإعراب؟
لقد ركب "مخزننا" كباقي الدول قطار العولمة ودشن مسلسل الإصلاح والدمقرطة و" دستر" حقوق الإنسان,و وقع على الكثير من المعاهدات الدولية ك"اتفاقية مناهضة التعذيب" وتم إصدار المذكرات والتعليمات الداخلية للإقلاع عن الممارسات السابقة, وتم تقديم العديد من المخالفين للقضاء..و…و…,هذا تحول نوعي نصفق له ونثمنه, ونتمنى استمراره , إلا أن هذا لا يعني إطلاقا أننا حققنا" المدينة الفاضلة", بحيث لا زالت الظاهرة موجودة, ومن حين لأخر تطالعنا الصحف بوفاة مواطن في ضيافة الأمن, و تعرض آخر للتعذيب أو المعاملة السيئة , مثل ما حدث في"مدينة صفرو", حيث أكدت بعض الصحف, أن أحد رجال الأمن"ركل" إحدى المتظاهرات, وكان سببا في اندلاع الأحداث المؤلمة التي عرفتها المدينة والتي جعلت العديد من مواطنينا يقضى العيد وراء القضبان, كنا نتمنى أن لا نرى مثل هذه الأحداث في العهد الجديد وفي الألفية الثالثة, وفي نفس السياق "نطح" مدير إحدى المؤسسات التعليمية في نيابة وجدة-أنجاد أحد الأساتذة الذي استجار بالسيد النائب وهو ينزف دما, كما قام مدير آخر بتوجيه"لكمة" لأحد الآباء وهشم أسنانه, وغير بعيد عنا شرقا, أصدر شيخ الأزهر العالم الفاضل السيد طنطاوي( الذي نحترمه ونقدر مكانته العلمية والدينية, لكن نعارض بعض مواقفه السياسية) فتوى في حق الصحفيين ,تقضي بجلدهم 80 جلدة للمسكين. لقد أعطيت أمثلة من ثلاث قطاعات مختلفة مفروض فيها ترسيخ مبادئ الحق والقانون وصيانة كرامة الإنسان, إن هذه الأمثلة تدلل عن إفلاس حضاري و ثقافي, وتأزم مجتمع فضل اللعب خارج التاريخ والسباحة عكس تيار العولمة الجارف, وتكريس المثل الشعبي "من شب على شيء شاب عليه" ,وها نحن نعيش في زمن اللامنطق,زمن ضاعت فيه كل الموازين, واستبدلنا لغة العصر ,لغة الحوار والتواصل بلغة العنف والضرب في حياتنا اليومية, ولم تستطع القوانين أو التعليمات أن تستأصل شأفتهما, والحالة هذه, لا يسعني إلا أن أقول للآباء الذين يزورون المؤسسات التربوية, والأشخاص الذين يريدون الاعتصام أو التظاهر السلمي أو الصحفيين الذين" يروجون الإشاعات"راكم معلومين", وقد أعذر من أنذر.
محمد حومين
1 Comment
إن ما قلته عن العقاب البدني لصحيح أيها الأخ الكريم إ إلا أنهالأنكى من هذا كله هو أنه سبق لنا أن طرحنا عدة أسئلة عن كيفية محاسبة رؤساء جمعيات الفيدراليات وجمعيات ا لآباء وكذا رؤساء الكونفدياليات من حيث المداخل والإشتراكات السنوية لأبنائنا ,
خصوصا وأنه بلغنا أن هؤلاء الرؤساء يتنقلون إلى الرباط ومكناس والدار البيضاء لحضور الندوات والإجتماعات على حساب مادفعه أبناؤنا من انخراطات سنوية(30 درهما ), ألا ترى أن هذه ,التصرفات اللاإنسانية تدخل في باب السرقة .فما ستتم المحاسبة لمن لاأخلاق له ؟؟؟؟؟؟؟,