جْنَانَاتْ وَادِي مستفركي بين الأمس و اليوم
لاشك أن ساكنة جماعة مستفركي تتذكر العصر الذهبي الذي عاشته جْنَانَاتْ وَادي مستفركي (مستفركي المركز), التي كانت تجذب إليها زوارا من مختلف الدواوير آنذاك, من أجل التمتع بجَمالها و رونقها, بمياه واديها المتدفقة من العيون, وخضرة أشجارها المتنوعة من لوز ورمان وبرقوق ومشمش وتين, و مختلف الخضروات كالطماطم و اللفت والبصل والجزر, وبساتين الزيتون المنتشرة بكثافة والتي كانت تشكل موردا للفلاحين, وتوفر فرص الشغل الدائمة و الموسمية, و تساهم في تامين تزويد المعاصر التقليدية لاستخراج زيت الزيتون التي تتميز بخاصية مذاقية بالغة الأهمية تتجلى في نكهتها الطيبة.
تلكم هي اللوحة الفنية لِجْنَانَاتْ وَادِي مستفركي قبل الثمانينات, وبعد هذه الحقبة وأمام التقلبات و التغيرات المناخية, و توالي سنوات ضعف التساقطات المطرية, وهبوب الرياح الشرقية الحارة و الجافة, بدأت ينابيع العيون تنضب وقلت المياه المتاحة للري, مما عجل باندثار الخضروات واجتفاف معظم أشجار الفواكه, لتبق أشجار الزيتون المباركة وحدها تصارع الزمن تسقى بالعطش والحرارة صيفا, وتكسى بالبرد و الصقيع شتاء, فلم تشفع لها مناظرها الطبيعية الخلابة ولا دورها الاقتصادي والايكولوجي,ولا الإمكانيات البسيطة والمحدودة للفلاحين في إثبات الذات, مما جعل الكثير منهم يفكر في مغادرة المنطقة إلى إحدى المدن المجاورة, في حين بقي الآخرون متشبثين بالبقاء لعل المسؤولون المحليون يلتفتون إليهم, وكانت الالتفاتة مبادرة محلية بإنشاء جمعية فلاحية سميت بالازدهار, لقيت استحسانا من الفلاحين واعتبروها بادرة خير لضيعاتهم المتضررة, لكن سرعان ما تبخرت أمالهم, كون الجمعية تكالب عليها الساسة وادخلوها غرفة الإنعاش وحكموا عليها بالموت السريري, فلم تستفق إلا حين دعي لتجديد مكتبها, فحضر من حضر والكل في مخيلته أن المكتب الجديد سيكون مصيره كسابقه, لكن شاءت الأقدار أن اختير مكتب ممن لهم غيرة على منطقتهم وافتخار بوطنهم, وهم واعون بجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم, فلا الصعوبات و المعيقات أوقفتهم ولا التيارات السياسية أجرفتهم.
في خطوة أولية قامت الجمعية بتعبئة الفلاحين وفتح اللإنخراطات, مما سهٌل عليها تنظيم حصص السقي بعدما كان في السابق عبثي, لكن قلة المياه واهتراء السواقي دفع بالجمعية في خطوة ثانية إلى تكوين ملفات ودراسات و طرق أبواب الإدارات والجمعيات والمنظمات, سواء كانت داخل المغرب أو خارجه التي تنشط في المجال الفلاحي, وكللت مجهوداتها بجلب سيل من المشاريع أدخلت البهجة و السرور على الفلاحين من بينها: تجهيز ثقب مائي بالمكان المسمى مَرٌاشْ, جر أنابيب الري على مسافة تزيد عن الكيلومتر, بناء وترميم وصيانة شبكة مهمة من السواقي, بناء وترميم الأحواض المائية, تجميع وتصريف المياه المتناثرة سافلة الوادي, تكوين فلاحين شباب في ميدان تقليم أشجار الزيتون, جلب معدات فلاحية…..ومشاريع أخرى سترى النور قريبا.
ألا تحذوا الجمعيات المتواجدة بالجماعة حذو جمعية الازدهار, لجلب ولو بعض المشاريع التنموية لجزر الهشاشة عن القرية رغم أننيلا أظن ذلك ما دامت أغلب وإن لم أقل كل الجمعيات ارتبطت بنشأة غير سليمة, إما بالقرابة وجبر الخواطر للمسؤولين المتعاقبين على تدبير الشأن المحلي, وإما بمكاتب لا يتوفرون على كفاءات في شأن التدبير الجمعوي.
ألا تستحق منا هذه الجمعية التنويه والتشجيع و المساعدة, ما دامت أنقذت تلك البساتين المتوارية وراء جدران التهميش, ألا تستحق منا التشريف ما دامت شَرٌفَتْ قريتنا بزيارة وفد من جمعية أمريكية وهي سابقة في تاريخ القرية,حقا تستحقي كل شيء, ولكي سيرجع الفضل في أن تردي لجنانات وادي مستفركي رونقها و جمالها الذي فقدته, آنذاك علينا أن نفكر جميعا في إخراج الجنانات من بنيتها البدائية التي لم تساعدها على التطور والنمو إلى وجهة سياحية تنعش المنطقة.
نثمن هذه المبادرة القيمة لجمعية الازدهار,ونلتمس التفاتةلقطاع الزيتون بالمنطقةمن الضمائر الحية لأبناء القبيلة والذين يشغل كثير منهم مناصب ومسؤوليات هامة,والفعاليات المحلية والجهوية والوطنية العاملة في الميدان الفلاحي, لما يعانيه هذا القطاع من مشاكل و معوقات, فهو في حاجة ماسة إلى: بناء وترميم وإصلاح السواقي و الأحواض المائية آنيا والتفكير مستقبلا في نظام الري بالتنقيط,التجديد التدريجي للأشجار كون معظم تلك المزروعة دخلت مرحلة الشيخوخة, تشجيع إصلاح المعاصر التقليدية للرفع من جودة الزيوت, إعانة وتشجيع الفلاحين على استعمال الأسمدة والمبيدات, تكوين وتشجيع الفلاحين على عملية تقليم الأشجار,مساعدة الفلاحين على استعمال الآلات الميكانيكية في طريقة الجني ومساعدة الفلاحين على البحث عن طريقة أنجع لتسويق المنتوج.
وختاما أيها القارئ لا تبخل بزيارة هذه المنطقة, إن لم ترقك الطريق الصاعدة إليها عبر النعيمة, فستغريك الطريق النازلة منها عبر بولنوار وسيدي موسى, إن استغربت بلغة أهلها البسطاء, فستتعجب بكرمهم وطيبوبتهم, إن لم تستهويك جبالها الشامخة فستسحرك بساتين زيتونها المباركة,وإن لم تذق زيت الزيتون, فلم تكتشف سرالمنطقة المكنون.
2 Comments
ولدت وكبرت بمدينة جرادة… تعرفت على الكثير من ابناء الزكارة سواء بحكم الجوار او الدراسة او العمل …عرفتهم من اطيب الناس خلقا واكثرهم مروءة وشجاعة…فعلا كنا نشتري الخضراوات والغواكه التي كانت تصدرها الى جرادة قبيلة الزكارة…من منا لم يذ ق زيت الزيتون الزكراوية اما الهندية فهي الاحلى في كل المنطقة …اتمنى من كل قلبي زيارة هذه القرية خاصة اني علمت ان عدة طرق فكت عزلتها…شكرا للسيد نعيمي على هذا المقال
لقد أغفلت الحديث عن جنانات تينزي الرائعة .ألم تمر عليها وانت تمر عليها قادما من « سيدي موسى »؟