لنستمع إلى هامش من ثقافتنا الأمازيغية
د. بلقاسم الجطاري
كلية الاداب وجدة
لنستمع إلى هامش من ثقافتنا الأمازيغية
تعتبر الثقافة الأمازيغية من أهم عناصر الإنسية المغربية، وإن لها علينا حقوقا، وأول تلك الحقوق أن نعمل جهدنا من أجل المحافظة عليها، دونما تشنج في الفكر أو الشعور، ودونما تهور في السعي والعمل.وخير وسيلة للمحافظة عليها هو التعريف بها لأكبر عدد ممكن من المغاربة .
فلنجعلها هي « لاتينيتهم » التي بها يشعرون أن صلة معنوية متينة لا تزال تصلهم بأسلاف لهم مارسوا الدهر في عنفوان شبابه، وإذ بلغ أشده. ألم تكن الأمازيغية هي لغة التخاطب بين « المغاربيين » إذ أجمعوا على قول « لا » لروما طوال أربعة قرون؟ بها أصدرت الأوامر للمقاومين « أن اصمدوا أمام لفائف قيصر وجيوشه »، وما أدرى الناس ما قيصر وما لفائفه. ألم تكن الأمازيغية هي وسيلة التخاطب بين جنود طارق فيما بينهم، وهم لا يزالون حديثي العهد بالعربية ، ألم يكن يتنادى بها الأبطال المغاربة صبيحة يوم 13 نوفمبر 1914، إذ أخذتهم الجيوش الفرنسية على غرة فما انفكوا يواجهونها إلى أن منيت بهزيمة شنعاء. ذلك يوم « الهري » الذي لا يزال الناس يتحدثون عنه بالأمازيغية. وقد تلت يوم « الهري » أيام وأيام تتابعت من سنة 1912 إلى سنة 1934، تخللها بالخصوص يوم أنوال إذ روع الإسبان لسماعهم كلمة « أقايتن ! أقايتن ! » تتردد، ويوم من أيام « بوكافر » إذ نودي في الأبطال « قنات تيكفرين ! » أي « اربطوا السلاسل ! ».
ليس من المعقول أن نفتخر بتلك الأمجاد ونبقى في الوقت نفسه حيرى أمام الثقافة الأمازيغية لا ندري ما قد يليق أن نصنع بها، ويذهب الأمر ببعضنا إلى التضايق بوجودها. ومما لاشك فيه أن التاريخ سيعاتبنا يوما ما إن تعمدنا نسيان كلام به خمس الناس، العصر تلو العصر، للدفاع عن هذه الأرض التي نكاد نقدسها. وستلومنا الأجيال القادمة، أو التي بعدها، عن إهمالنا لكنز معنوي وأدبي سيتعذر عليهم استرجاعه بعد إذ كان الحفاظ عليه لا يتطلب منا نحن إلا قليلا من التعهد بالصقل ونفض الغبار، حبذا لو كان كل مغربي له نصيب من الثقافة والمعرفة يعلم المدلول اللغوي لكل من أكادير، وتيزنيت وأسفي وأزمور وتطوان وإشاون ووجدة، وتافيلالت وسايس وأزرو وإفران وإموزار وبويبلان و…. و…..، عد فلن تحصى، ولو كان يعلم كيف تكونت لغتنا العربية المغربية « العامية »، التي بها نحيا حياتنا اليومية الطبيعية، ولو يعلم كيف صيغت شيئا فشيئا، عبر الزمان، من مواد تؤخذ حينا من العربية وحينا آخر من الأمازيغية ولو كان يعلم أشياء أخرى كثيرة من هذا القبيل، لفهم ما « المغربية » وما مقوماتها.
أما الادعاء بأن الاعتناء –أي اعتناء- باللغة الأمازيغية من شأنه أن يخلق للأمة المغربية متاعب سياسية، فلا يمكن أن يصدر إلا عن مصدرين اثنين: أولهما الحساسية الوطنية المرهفة التي نشأت في نفوس جيل الثلاثينات والأربعينات، ولوجودها مبرر مشروع يستمد مشروعيته من مقتضيات النزال المستميت للاستعمار الاستيطاني الصليبي. وكلنا إجلال لتلك الحساسية ولحامليها في قلوبهم، وقد شاركناهم في حملها، ونحن أيفاع، إذ كسرنا أبواب الثانويات وانطلقنا في المظاهرات، غير أننا، اليوم، نرغب في إشعارهم، بالتي هي أحسن، أن اللغة الأمازيغية لم يكن لها في تصرفات
المستعمر ناقة ولا جمل، كما نرغب في إشعارهم بالتي هي أحسن، أن مغرب الثمانينات يواجه تحديات ليست من نوع التحديات التي واجهها في الثلاثينات والأربيعنات، بل هي من نوع آخر لا نكاد نتبينه. فلا ينبغي أن نخوض حربا نريد الانتصار فيها بأسلحة تسلحنا بها منذ خمسين سنة فظللنا نستأنس بها ونعتد.
والمصدر الثاني للتخوف من بقاء اللغة الأمازيغية حية ومن انتعاشها المحتمل، فيما يلاحظ، هو الجهل لطبائع الأمور في هذا الوطن المرفوع العلم منذ بروزه للكيان السياسي المتميز. لقد تلقى الفرنسيون أكثر من درس في تأريخهم الاستعماري، لأنهم « فهموا » طبائع الأمور في هذا البلد على عكس ما هي عليه، أو لم يدركوا في فهمها إلا مظاهر سطحية، فاصطدمت « عبقريتهم السياسية » وسوسيولوجياتهم العلمانية بواقع ما كان ليرتفع.
فمهما يكن من شيء، فإن المواطن الأمازيغي يتألم، واعلم أن مغاربة كثيرين لا يحصى عددهم، يتألمون، ويحز في نفوسهم ، أن يكون للغة أجنبية حظ من برامج الإذاعة أوفر من حظ اللغة الأمازيغية.
ويحز في نفوسنا أن يحرم مواطنينا ممن يصنفون عربا من معرفة كلام يتخاطب به يوميا من الشروق إلى الغروب وتحت جناح الليل، في الأطالس والريف وسهول سايس وزمور وتادلا ومفاوز الصحراء وتكنات الثغور. ويحز في نفوسنا أن تكون فئة من المثقفين يكتفون في تحليلاتهم واستنتاجاتهم بأفكار جاهزة لا تمت إلى الواقع بصلة، بدل أن يتسلحوا بالصبر والأناة ويتواضعوا للنظر عن كثب فيما هو كائن وقائم، ويتفحصوا عن معطياته كلها. فلا يظنن أن الخطأ في الرؤية موقوف
على منظري الاستعمار. فإذا نحمد الله على أنهم أخطؤوا قصدهم، نرجوه أن يجنبنا نحن الخطأ. والصواب في نظرنا هو أن نخطط لثقافة وطنية في أسسها وبنيتها العامة، مغربية في مواد بنائها، حارصين على إدماج المواد بعضها في بعض. والصواب في نظرنا هو أن يراعى البعد الأمازيغي لشخصيتنا لأنه هو البعد الوحيد أو الأهم الدي يمنح لنا خصوصية واضحة والبعد الأمازبغي متمثل في اللغة وفيما تعبر عنه وهي الانتاج الوحيد الدي لا يمكن أن يقال فيه انه مستورد
Aucun commentaire