خردة
لا تكاد تخلو مدينة أو قرية على طول البلاد وعرضها من سوق للأشياء المستعملة من ملابس وأثاث وقطع غيار وغيره من كل ما يخطر على البال. وكله بال(بترقيق الباء أو تفخيمها). رواد هذه الأسواق أناس من كل الطبقات فنحن في المغرب نحبّ كل ما هو أجنبي حتى وإن كان مستعملا( ديال برّا) ولهذا فنحن سواسية أمام الخردة.نمشي مزهوين في ثياب الغير ونطهو في ماعون الغير ونجلس على كراسي الغير و نتواصل بهواتف خردة ونتصل بالنت بحواسيب جلّها من خردة . ولأن أصحاب المال اكتشفوا أن الخردة احتلت وسط المدينة فقد قرّروا زَرع أسواقهم العصرية على بعد أميال .
حتى السيارات التي تجوب شوارعنا جُلّها مستعملة اقتنيناها بعد أن عافها أبناء العم سام واستغنوا عنها. ورغم قبول جُلِّنا ركوب الخردة دون استياء فقد استكثرت علينا وزارتنا العزيزة الأمر وفرضت التعشير بأضعاف ثمن الشراء.
وتفعيلا لمقتضيات الدستور المعدل فقد حرصت الجهات المعنية على تحقيق المساواة بين السيارات. فالخردة واحدة وإن تعددت السنوات . فبعد إعفاء دام لعقود أصبح من اللازم على سيارات الخردة التي تجاوزت ربع قرن أن تؤِدي ثمن الصّويرَة كغيرها من المركبات الشابات.
حافلات النقل العمومي هي الأخرى تأبى أن تشُذ عن القاعدة .فهناك شركات انخرطت في الحملة « الخردستانية » وأبت إلاّ أن تقتني من الخارج مركبات تحتضر فكانت النتيجة أن هرم أسطولها قبل الفطام وصار ركوب الحافلات محفوفا بالمخاطر.
حتى الطائرات خردة عندنا. ألم يشتر وزير مغربي أزرق في بداية السبعينات من القرن الماضي طائرات قديمة وصبغها ليقدمها على أساس أنها جديدة؟ ورغم أن الهدهد أتى بالخبر اليقين فقد بقي معالي الوزير في أمان لأنه كان من هيئة الطيور و لأن صاحب الشأن حينها لم يكن سليمان.
حتى البيداغوجيا سُوّقت خردة.فقد ظهرت بيداغوجيا الأهداف في 1935 واستقدمها القائمون على الشأن التربوي عندنا في 1991 وصرفوا أموالا طائلة لتنزيلها عبر لقاءات تربوية-« تغذوية ». انتهى بها المطاف إلى النسيان بعد أن تم استيراد بضاعة كزافيي روجرز التي سحبها الوزير المعني من السوق ربما بحجة الشك في المكونات أو انتهاء تاريخ الصلاحية. أو لأنها تسببت في الحساسية لبعض المستهلكين الذين لم يحسنوا قراءة »الكاتالوك » واختلط عليهم الحابل بالنابل فكان الهضم العسير بسبب جهل طريقة التحضير و عدم احترام المقادير.
وحتى الأدوية دخلت سوق خردستان من وهران دون اكتراث بحياة الإنسان. وتطلع علينا الأخبار كل حين باكتشاف مخازن للأدوية الفاسدة.
لم تنج حتى الأفكار من سوق الخردة. فهناك نظريات وإيديولوجيات تخلى عنها أصحابها وأغلقوا مصانعها عندهم بعدما أصابها الركود والإفلاس وأعلنوا انتهاء صلاحيتها ومع ذلك فما زال عندنا من يزوقها و ويسوقها على أن فيها الخلاص في معرض حديثه عن الحداثة والأممية وتبشيره بالمستقبل المشرق البعيد عن الظلامية . هل تولد الحداثة من رحم الرثاثة؟
1 Comment
ركزت أخي على الجانب السلبي للخردة وكل ما بسطته من سلبيات هو صحيح لاغبار عليه كما يقولون،ولكن أخي عبد الحفيظ ألا ترى معي أن للخردة منافع شتى على الطبقة الفقيرة وحتى المتوسطة وفي الكثير من الأحيان حتى الميسورين يقبلون على الخردة,وأكتفي بمثال واحد لأقول :لولا الخردة لمشى الكثير من الفقراء حفاة عراة وسط الطرقات.مع تحياتي وتقديري لكتاباتك الممتعة.