أيـــــــــــــــة إدارة نريــــــــــــــــد؟
أية إدارة نريد؟
*- سياق فكري عام:
إن المتتبع للخط التوجيهي الرابط بين إصلاحات سنة 1957 مرورا بإصلاح عام 1985 وانتهاء بإصلاح سنة 1999 و2000 يلمس عن قرب تدني نسب النجاح، ويدرك تمام الإدراك أسباب الإخفاقات التي منيت بها هذه الإصلاحات إن على مستوى بلوغ الأهداف المسطرة أو على مستوى الاستقرار في تبني الاستراتيجيات: إستراتيجية التأصيل وتجسيد المبادئ الأربعة: المغربة، التوحيد، التعريب،والتعميم ، وإستراتيجية التعليم الأساسي والبحث عن التوازنات بين التكوين الأساسي والوفاء لمتطلبات سوق الشغل وتحقيق الأمن الاجتماعي: التحكم في معدلات الأمية والبطالة والتدفق والهدرالمدرسي و الرفع من نسب الإدماج والوقاية من الجنوح والتشرد في صفوف التلاميذ الأحداث…، وإستراتيجية الأهداف والبحث عن خطط ناجعة للتحكم في الكفاءة الداخلية والخارجية للمنظومة التعليمية على طريق تصنيف المعرفة المدرسية وتصنيع المنتوج التعليمي لتشكيل نموذج من المواطن بمواصفات معينة وحسب مقاس مقنن، واستراتيجية الكفايات ودال التحول من إبدال تعلم التعلم إلى إبدال تشغيل الكفايات والمهارات من خلال تفعيل وظيفة التوازي بين الفضاء المركزي/ القسم والفضاءات الموازية / قاعة الإعلام والتوثيق وقاعة الدعم والقاعة المتعددة الوسائط ومقرا لنوادي التربوية …في اتجاه تدقيق أصناف المعرفة المدرسية: المفهومية والمهارية والتواصلية…و في أفق ضبط المدخلات والتحكم في العمليات وتأمين جودة المخرجات .أو على مستوى المردودية الداخلية والخارجية للنظام التعليمي برمته إذ تعرف معدلات التكرار والفصل والانقطاع منحى تصاعديا ومؤشرات السلامة والنزاهة والموضوعية والمصداقية والجودة منحى تنازليا وتشهد نسب البطالة بأشكالها المدبلمة وغير المدبلمة، الصريحة والمقنعة ارتفاعا مهولا يؤثر على وتيرة النمو وعلى الدخل العام والخاص ويحدث تمزقات في النسيج الاقتصادي وتشنجا في العلاقات الاجتماعية تهدد السلم المجتمعي وتغذي التطرف بمختلف اتجاهاته وتمارس تأثيرات قوية على البنية النفسية تفرز اللاتكيف والجنوح وعدم الرضا والنفور من التمدرس ومن عادة القراءة ، وتلهب جذوة مغامرة ركوب البحر، وتقوي التهافت على النزوع إلى تغيير الجنسية…كما تعرف المؤسسة العمومية تراجعا في تقديم الخدمات المتقنة وانحسارا على صعيد الإنشاء، في حين تشهد المؤسسة الخصوصية الوطنية والأجنبية تمددا فتتسع الفوارق بين الطبقات وتفقد المدرسة المغربية هويتها وتتقلص أدوارها وتتقاطع اتجاهاتها: فمابين اشتراكية المدرسة ورأسماليتها و اتجاه تمهين المعرفة، ومابين استيراد التكنولوجيا واستدماجها بشكل وظيفي، ومابين استيراد نظم العمل وطرائق الإنتاج ا لتربوي وتردي البنيات التحتية والفوقية وعدم توفير شروط توظيفها وسوء توزيع وتدبير المورد البشري المحلي، وما بين الانفتاح وتبني اختيار المثاقفة ومرونة القوانين الإدارية في بلدان الجذب / أوربا وأمريكا/وتصلب التعاملات الإدارية وتأخر العدة القانونية التي لاتكرس إلا الاتباعية والنمطية، وتلغي الابتكارية والمبادرة الفردية في منظومتنا التربوية المغربية ومابين نضوب الموارد المالية وصعوبة تنميتها والبحث عن مصادر تموين جديدة ، ومابين ندرة المحتضن وتعطل مشاريع الشراكة بوجود فراغ قانوني وغياب تبادل المنفعة و ما بين عفو الزمن عن بنية التسيير المحتكرة لكل السلط ولمراكز صنع القرار، وطهي طبخة التدبير على نار التقليعة السريعة دون أثافي: التشخيص،التخطيء الإنجاز، التقويم في مأدبة خدعة الجودة…تتكسر كل مساعي الإصلاح على صخرة الإخفاق. لكن أين هي الإدارة من كل هذه التطورات؟
إن المتتبع لصيرورة الإصلاح في مساراته الكبرى يلمس عن قرب استبعاد الإدارة والإداريين للاعتبارات التالية:
*- التشكيك في كفاءة الإداريين وجدوائية تكوينهم وعدم مسايرته لمتطلبات المهمة.
*- اعتبار المناصب الإدارية تقاعدا قبل الأوان لا تسند إلا لمتقدمين في السن أنهكتهم أعباء القسم ونضبت جعبهم من الخبرة والنظرة الثاقبة للأمور.
*- النظرة التبسيطية لوظائف الإدارة وهيمنة المقاربة التجزيئية للعملية الإدارية.
*- اتخاذ الإدارة أداة لتنفيذ التعليمات الواردة في المذكرات وإلغاء هامش المبادرة وتدرج الحاجيات وتكييف الوضعيات والملاءمة مع واقع الممارسة.
*-عدم التمييز بين التدريس والتسيير وإ سناد المهام الإدارية للمدرس دون إطار ولاتكوين يؤمن الاحترافية وينضج السلوك المهني.
*- استفادة هيئة التدريس من تكوينات مستمرة ومصوغات لتحديث استراتيجيات التعلم وحرمان هيئة الإدارة التربوية من ذلك.
في ظل هذه الشروط التثبيطية المتسمة بعدم وضوح الاختيارات : الإدارة التعليمية بمفهومها التقليدي المرتكز على بنية التسيير تحت شعار اشتراكية المدرسة و على أساس مبادئ المجانية والإجبارية والتعميم و تكافؤ الفرص ومحو الفوارق… أو إدارة تربوية مؤسسة على علمي الإدارة والتربية تحت شعار رأسمالية المدرسة و على قاعدة تمهين المعرفة وجودة المنتوج والتدبير المقاولاتي للمؤسسة… و بغياب تكوين حقيقي عن بعد أو عن قرب أو مستمر يؤهل لبنية التدبير، وبتخلف العدة القانونية عن مواكبة المستجدات التي بشر بها الميثاق في عشرية الإصلاح، وبشح الموارد المالية وقلة تحفيز الموارد البشرية وغيرها من المعيقات نتساءل عن أي ارتقاء بالحقل الإداري تتحدث الوزارة الوصية على القطاع؟ ونستسفهم عن أية إدارة يريد رعاة الإصلاح وصائغو دعامات الميثاق ومجالاته ومنفذوها تحقيقها على أرض الواقع؟
قبل الإجابة عن هذه الأسئلة المركزية في مدونة الإصلاح سأحاول لاحقا تقديم تصوري الخاص حول تدبير مرحلة الانتقال.
1 Comment
إن تشخيص واقع المنظومة التربوية ببلادنا يعلمه الجميع،وهو تشخيص يتفاوت باختلاف التخصصات،ودرجات التعايش ميدانيا مع وتيرة الأداء،وامتلاك الأداء العلمية للدراسة والتحليل،وكذا الخبرات وآليات التقييم والتقويم،لكن الاختلالات اليومية في الأداء المهني بالمدرسة العمومية تستدعي المواكبة والحضور الوازن،بهدف التأطير والتقويم ومساعدة الممارس البيداغوجي على تجاوز الإكراهات وبالتالي تحسين وتجويد الممارسة داخل الفضاءات المدرسية.صحيح،أن لكل إصلاح عدته وآليات إنجاحه،لوجيستيكيا وماديا زمكانيا، تتحكم في تدبير شأنه عدة رزنامات تستند إلى مؤشرات لوحة القيادة. إلا أن الإشكالات المطروحة ميدانيا،فهي متعددة ومتشعبة،ومنها على وجه الخصوص،يمكن طرح التساؤلات التالية :- هل العنصر البشري المسند إليه مهام إنجاح الإصلاح ،له من الكفايات والتأهيل ما يلزم ؟ إلى أي حد يمكن اعتبار عنصر الرغبة والانخراط في الإصلاح محقق ميدانيا ؟ ما حجم البحوث العلمية المتوفرة في الموضوع؟ ألا ترون بأن أي إصلاح يستلزم الإقامة في مقر العمل،لكل شركاء الفعل التربوي؟
وهل من برامج للتكوين المستمر الكفيلة بالتطوير والتجديد،والتحفيز على البذل والعطاء؟
ومتى نعمل على تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المجالين: الحضري والقروي؟ وكيف يمكن التخلي عن ثقافة التهافت على العمل بالمدينة؟ وما ذنب البادية؟ وأي ذنب اقترفته ناشئتها ؟
فهذه واحدة من الحقائق التي تستدعي النقاش والتفكير في تقديم الحلول العملية لكل الاختلالات التي سببها العنصر البشري.