أي مداورة هذه ؟؟
أي مداورة هذه ؟؟
إن تطبيق مقتضيات أي قانون من القوانين مشروط طبعا بالوقوف المباشر أو غير المباشر لسلطة العقاب على المخالفة أو الجريمة- و الشريعة نفسها لا تنزل الحد أو التعزير أو القصاص على الجاني إلا إذا تمت و اكتملت شروط الشهادة و الأركان الواجب توفرها في ذلك- و هذا هو مقتضى مبدأ الشرعية-
و في المقابل عند غياب الوقوف أو معاينة السلطة لأفعال الأفراد فلا تجريم حينئذ و لا عقوبة تقام- لكن هناك ثمة اختلاف جذري بين ما هو وضعي و ما هو ديني منزل- فهذا الأخير يخلق الوازع و القناعة في النفوس بينما ينحصر وقع القانون المادي على ما يراه ويعاينه- و لذلك يوجد من الجرائم ما هو غير معروف و بالتالي غير مضبوط-
فثنائية المسؤولية في الشريعة أي المتابعة -إن شئنا- في الدنيا و الآخرة توصلنا بالتالي إلى ثنائية الحساب و العقاب- كل ذلك يجعل من النظامين بالغا الاختلاف و التباين-
لكن الإشكال الذي يفرض نفسه بإلحاح هو لماذا الضرورة لقانون وضعي و مادي ربما نعرف مسبقا انه محدود و ضعيف الوقع في النفوس- ألا تكون دعوتنا للمزاوجة بين النظامين هي في حد ذاتها انتقاص من شريعة أنزلت جامعة مانعة- أم هناك اعتبارات آنية تقتضي ذلك-
من وجهة نظر المتخصصين في مقارنة النظامين لا ينبغي النظر لما هو اعتبار ديني إسلامي بعيون غربية أو مادية- ذلك انه من الصعب بمكان إثبات أو محاولة فهم ما هو منزل باليات و وسائل فلسفية أو موضوعة-
و مهما يكن من حال فان القانون المادي و إن كان يوصف فيما يوصف به بالجمود و محدودية الوقع على الأنفس فانه مع ذلك لابد منه لان الله "يزع بالسلطان ما لا يزع بالقران"- غير أن هذا القانون لا يطال إلا ما هو مرئي للعيان و لذلك نجد حيزا و مجالا من الجرائم غير المعروفة-
إذن وقع الدين على الأنفس هو في حد ذاته قد يفيذ في هذه الحالات لكن ماذا مع غياب هذا الوازع-
ما دامت الأنفس مختلفة الطباع و المشارب و حيث أن الفرد رهينة محيطه الاجتماعي كما يقال في علم الاجتماع- يكون بذاك وقع القانون المادي الحال واجبا و ضروريا-
لقد انحصر تطبيق الشريعة الإسلامية في بلاد المسلمين في مسالة الأحوال الشخصية ليس إلا- و حتى لا يتبادر للأذهان أن التطبيق مرادف للطالبان أو دولا أخرى يضربها لنا الغربيون مثالا عند كل مناقشة- ننبه إلى أن روح التطبيق يعني استقامة الأفراد و العدالة الاجتماعية- و بالتالي يسبق ذلك طبعا مجموعة إصلاحات اجتماعية و اقتصادية كما يقول الدكتور القرضاوي-
و التطبيق لا يعني فيما يعنيه قطع الأعضاء- بل قطع السبل التي تؤدي إلى القطع- أي توفير القوت أولا و ثانيا رشد الناس و تعليمهم- لأنه كما قال عمر بن عبد العزيز لابنه الذي عاب عليه عدم تطبيق الحدود- قال لو أني أطبق الحد على السكر أخشى من الناس أن يرفضوه- والله تعالى قد انزل التحريم في قرانه الكريم بتسلسل حكيم-
و من ثمة سالت نفسي عما يعتقده أصحاب نظرية لمهادنة و المداورة بهذا الخصوص- خاصة وقد طلعتنا القناة الثانية الفرنسية بعد انتخابات هذا الخريف ببرنامج عن تناقضات بلدنا الحبيب- فانتقلوا إلى مدينة مكناس حيث صوروا مدى انسجام مسئول سامي في المدينة وهو من التيار الإسلامي مع آخر هو مسئول الخمور هناك- ولما سئل المسئول في التيار الإسلامي عن إشكال الخمر في بلد إسلامي – اجاب بلغة فصل في القانون الجنائي أن ذلك الخمر لا يباع للمغاربة المسلمين-
أي مداورة هذه؟؟؟
ربما يسال آخر عن الذين يجنون ذلك العنب ثم يعصرونه- كما نسال نحن عن البائع- و لكن بلا مداورة هذه المرة- أقول إن الغرس و الجني و العصر و البيع و الشرب –عشرة كاملة- كلها تتم فوق ارض الإسلام-
و إذا كان لأحد أن يتحدث عن المسالة الاقتصادية و دور السياح- فلنعلم كما قال قيدوم الجالية المسلمة ببادكالي بشمال غرب فرنسا أن السياح الغربيون لا يذهبون إلي المغرب لشرب خمر قد شبعوه طول السنة- بل من المفروض استقبالهم بأنواع أخرى يفتقدونها من مأكل و مشرب-
سؤال طرحناه كثيرا عن المفارقة بين الواقع و القانون- فلم نجد قط جوابا يتوافق مع مقاصد الشرع الحكيم- والأدهى انه لازال هناك من يخوض في مداورة بلاغة القانون- و إذا كان في القانون و السياسة أصلا روح المداورة- لما نزيد لهده الروح هيكلا للمداورة-
أي مداورة هده التي تغيب الأحكام الواضحة في الشرع ابتغاء خشاش الأرض- ربما مقعد تحت القبة أو إرضاء أطراف تفكر لاقتصاد بلادنا أكثر من الجميع- ولذلك كان اقتصادنا معافى و كان خمرنا معروفا و مستساغا-
سمير عزو
من فرنسا
Samir.azzou@caramail.com
Aucun commentaire