Home»Régional»في الفكر التربوي للحركة الإسلامية – الحلقة الأولى – : مفهوم التربية ومصادرها

في الفكر التربوي للحركة الإسلامية – الحلقة الأولى – : مفهوم التربية ومصادرها

1
Shares
PinterestGoogle+

تصدير:
إن رقي الإنسان المسلم يحدد في مدى تفلته من أسر المعيقات التي تشل إرادته وتغتال حياته فيتعطل عن أن يكون محركا للتاريخ، فلا يشكل قوة فعالة وطاقة معطاءة قادرة على تطوير الحياة نحو الأفضل لتسود قيم السلم والحب والصدق والتكافل والجمال.
لقد مثل الإسلام في، بداية بزوغه، دور التشكيل المنهجي للعقل العربي وبناء التفكير وطرق المعرفة بهدي من الوحي الكريم. وبعد قرون ابتعثت الحركة الإسلامية لتعيد صياغة الفرد باعتباره القاعدة الأساس للمشروع الحضاري. إلا أن هذه العملية لم تكن متوازنة في تحقيق أبعاد الشخصية الرسالية. فارتج السلم – بضم السين- القيمي عند الكثير من الإسلاميين فلم تملك الحركة الإسلامية في بدايتها الأدوات التحليلية والوضوح في الأسس الفكرية بحيث تكون في منأى عن الاضطراب الفكري والتربوي. فحصل تطور لنوع الفرد فتحول من الداعية ذي البعد العقائدي والروحي إلى رجل منشغل بالعمل السياسي ومنغمس في هوس المناصب وفي مشاغل الواقع والقضايا السياسية والاجتماعية مما يشغل عن مواصلة الأنشطة الروحية. وإذا كانت غاية التربية عند الحركة الإسلامية هي تخريج القادة فإن من أهم خصائص القيادة التوازن والتكامل روحا وعقلا. وإذا طغى جانب على آخر تعوقت القيادة فصارت مشوهة حيث يتضخم جانب فيها على جوانب أخرى.
فأين الخلل؟ هل لم تحسن الحركة الإسلامية التخطيط ووضح تصورات تربوية قادرة على ضبط التوازن؟ أم أنها لم تجد الأقوياء الأمناء القادرين على تنزيل برامجها التربوية بطرق علمية واقعية مع مواكبة من التتبع التربوي الذي يتقاطع مع الغفلة.
أم أن إشكالات الحركات الإسلامية راجعة إلى المفاهيم التربوية(1) أي لم تستوعب لا الدور ولا المنهج التربوي الذي يصلح لها ولأبنائها. ولهذا فمن المهم جدا أن نتعرف الآليات والمفاهيم والمناهج التربوية التي اعتمدتها الحركة الإسلامية فسارت في ضوئها، حتى يتبين لنا إن كانت أصلا قد أخطأت التخطيط أم أن الخلل في فقه التنزيل فحسب. وسنتناول في هذه الحلقة التعريف بالرؤية التربوية و بعض المفاهيم التي أعطتها الحركة الإسلامية للتربية. وكذا المصادر والأصول التي اعتمدتها في نسج تصوراتها التربوية.

تعريف الرؤية التربوية:
ينقسم مصطلح الرؤية التربوية إلى مكونين هما: "الرؤية" و "التربية".
أما الرؤية فهي مجوعة من المبادئ والمفاهيم والسياسات، التي تحدد في شكل مترابط متناسق لتكون بمثابة المرشد والموجه للفعل التربوي أو الثقافي أو السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
وأما التربية فتشتمل على أصول لغوية ثلاثة:

الأصل الأول: ربا يربو بمعنى زاد ونما، وفيه قوله تعالى: (وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ) الروم الآية 39

الأصل الثاني:
ربي يربى على وزن خفي يخفى، ومعناها نشأ وترعرع. وفيه قول الشاعر:
فمن يك سائلا عني فإني بمكة منزلي وبها ربيت

الأصل الثالث: رب يرب على وزن مد يمد بمعنى أصلحه وتولى أمره، وقام عليه ورعاه. ومن هذا المعنى قول حسان بن ثابت رضي الله عنه كما ذكره ابن منظور في لسانه:
ولأنت أحسن إذ برزت لنا يوم الخروج بساحة القصر
من درة بيضــــاء صــافية مـــم تربب حــــــائر البحر

يعني الدرة التي يربيها في الصدف، ومعنى تربب حائر البحر: أي مما ترببه أي رباه مجتمع البحر.
قال رببت الأمر أربه ربا وربابا: أصلحته ومتنته.
وقد اشتق بعض الباحثين من هذه الأصول اللغوية تعريفا للتربية.
قال الإمام البيضاوي (685ه) في تفسيره أنوار التنزيل وأسرار التأويل : "الرب في الأصل بمعنى التربية وهي تبليغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا ثم وصف به تعلى للمبالغة".
وقال الراغب الأصبهاني في مفرداته أي كتاب مفردات الراغب… (502هـ)ك " الرب في الأصل التربية وهو إنشاء الشيء حالا فحالا إلى حد التمام"
وقد استنبط عبد الرحمن الباني في كتابه مدخل التربية من هذه الأصول اللغوية أن التربية تتكون من عناصر:

– أولها : المحافظة على فطرة الفرد ورعايتها .
– – ثانيها: تنمية مواهبه واستعداداته كلها.
– – ثالثها: توجيه هذه الفطرة وهذه المواهب كلها نحو صلاحها وكمالها للائق بها.
– – رابعها : التدرج في هذه العملية، وهو ما يشير إليه البيضاوي بقوله شيئا فشيئا والراغب بقوله حالا فحالا(2)

تعريفات حركية معاصرة:
ومن المعاصرين من يعرفها بأنها: هي الإشراف على تشكيل بنية الشخصية في الفكر والعبادة والحركة وبناء الوضع السلوكي بهدي من نصوص الوحي .
ويعرفها الأستاذ الصحبي عتيق في كتابه مقدمات في فلسفة التربية الإسلامية بقوله : " هي تلك العملية وذاك الجهد الذي يصبح سلوك الإنسان بمقتضاه موافقا لمراد الله، دون كثير عناء، مما يؤهله للقيام بدور فعال داخل بيئته ومجتمعه، وما يحقق له مزيدا من النماء والارتقاء والتطور"([1])
وعرفها الدكتور فريد الأنصاري في كتابه:" التوحيد والوساطة في التربية الدعوية" بقوله: " هي تعهد المسلم بالتكوين المنظم بما يرقيه في مراتب التدين تصورا وممارسة([2]).
ويعرفها الإخوان المسلمون بأنها: " هي الأسلوب الأمثل في التعامل مع الفطرة البشرية توجيها مباشرا بالكلمة، وغير مباشر بالقدوة وفق منهج خاص ووسائل خاصة لإحداث تغيير في الإنسان نحو الأحسن"([3])
ويعرفها عبد الرحمن النحلاوي بقوله: " التربية هي تنمية فكر الإنسان، وتنظيم سلوكه وعواطفه على أساس الدين الإسلامي، وبقصد تحقيق أهداف الإسلام في حياة الفرد والجماعة"([4])
وهناك من يعرفها بأنها محاولة لإعداد الفرد ليتحرك في واقع محلي في فترة معينة من التاريخ.

ملحوظة:
إذ حللنا هذه التعاريف وقسمناها حسب ما اشترك فيها من ألفاظ ومعاني نجدها على هذا المنوال: التربية هي:
توجيه – تنمية – إشراف – بناء – تشكيل – تأهيل – نماء – ارتقاء – تطور – تعهد – محافظة – تبليغ – ترشيد – ترعرع – تنشئة – إصلاح – رعاية – تمتين – أسلوب – تنظيم.
أي هي:
– توجيه: توجيه الفطرة نحو صلاحها.
– تنمية: تنمية المواهب والطاقات.
– إشراف: إشراف على تشكيل بنية الشخصية في الفكر والعبادة والحركة.
– تشكيل: تشكيل بنية الشخصية.
– بناء: بناء الوضع السلوكي
– تأهيل: تأهيل للقيام بدور في المجتمع والبيئة.
– ترقية: ترقية في مراتب التدين.
– رعاية ومحافظة: رعاية ومحافظة على ما وجد في الفرد من خير.
– إصلاح: إصلاح ما وجد من مفاسد في النفس.
– تطور وارتقاء: تطور وارتقاء نحو الصلاح.
– أسلوب: أسلوب في التعامل مع الفطرة.
– تنظيم: تنظيم سلوك الإنسان وعواطفه على أساس الدين.
خلاصات من التعاريف:
نستنتج مما سبق نتائج أساسية في فهم التربية:

النتيجة الأولى: أن التربية عملية هادفة لها أغراضها وأهدافها وغايتها. ولهذا لابد من وعي الأهداف التربوية ومعرفتها، والعمل على السير في اتجاهها بترقب، استشرافا لها وشغفا إليها قصد تحقيقها. ومن مسؤولية الفرد أن يطمئن – بعد ذلك – إلى صدق هذه الأهداف حتى لا تكون ( الأهداف) كما يقول رضا النحوي: "شعارا يملأ الحناجر والساحات، ولا يملأ النهج والدرب والجهد والوعي، وحتى لا تكون الأهداف في ناحية والدرب في ناحية أخرى، تزداد المسافة بينهما كلما اشتد السير، فلا يفيق الناس إلا وهم بعيدون عن الأهداف غارقون في المصائب والنكبات، يتلاومون، ويلتمسون الأعذار"([5])

النتيجة الثانية: إن المربي الحق على الإطلاق هو الله الخالق، خالق الفطرة وصانع المواهب ومقننها بسنن، لتنمو وتندرج وتتفاعل، وهو الذي شرع لها شرعا لتحقيق كمالها وصلاحها وسعادتها.

النتيجة الثالثة: إن التربية تقتضي خططا متدرجة تسير فيها الأعمال التربوية وفق ترتيب منظم صاعد، ينتقل مع الفرد من طور إلى طور ومن مرحلة إلى مرحلة.
النتيجة الرابعة: إن التربية عمل شمولي يحتوي على مكونات الفرد،([6]) وكل المجالات التي يتحرك من خلالها. يقول محمد قطب في كتابه القيم" منهج التربية الإسلامية": " طرق الإسلام في التربية هي معالجة الكائن البشري كله، معالجة شاملة لا تترك منه شيئا ولا تغفل عن شيئ، جسمه وعقله وروحه…حياته المادية والمعنوية، وكل نشاطه على الأرض."

إذن فالرؤية التربوية بعدما حددنا مفهوم التربية هي: " مجموعة المبادئ والمفاهيم والسياسات التي تحدد في شكل مترابط متناسق لتكون بمثابة المرشد والموجه للجهد التربوي والعملية التربوية بجميع أشكالها وجوانبها".

مصادر الرؤية التربوية:
ماذا نعني بمصادر الرؤية التربوية؟
نعني بمصادر الرؤية التربوية الأصول التي يعتمد عليها في التربية والتكوين لكونها أهم الروافد والمنابع التي منها تستمد الحركة الإسلامية قيمها ومفاهيمها. ولكونها تمنح رؤيتها التربوية الصفة الإسلامية، وتؤتيها قوة مستمدة من قوتها وحجيتها وعصمتها. فضلا عن كونها أعلى منبر يوجهها ويرشدها نحو الصواب ويمنعها من الزلل والخلل ولانحراف.

من أهم المصادر المعتمدة في الرؤى التربوية نجد:
1- القرآن الكريم
2- السنة النبوية لشريفة
3- الاجتهاد

1- القرآن الكريم: ( إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) الإسراء: الآية 9
إن الوحي هو المصدر الأساس الأول الذي يرجع إليه ويلجأ في التشريع والأخلاق والعبادة والاجتماع…فهو يمثل ثروة عظيمة من مفاخر المصادر التربوية في تهذيب الأخلاق وتنظيم السلوك الإنساني وتربية الأمة جنودها وقادتها إلى مدارج الخير والصلاح والكمال، بل من الوحي قرآنا وسنة نستمد معالم شخصيتنا ومقومات تطورنا في المعرفة والسلوك. وحسبنا هنا أن نبين أن القرآن قد بدأ نزوله بآيات تربوية، فيها إشارة إلى أن أهم أهدافه تربية الإنسان بأسلوب حضاري راقي، عن طريق الاطلاع والقراءة والتعلم والملاحظة العلمية لخلق الإنسان منذ كان علقة في رحم أمه.( اقرأ باسم ربك …)([7])
وأن الله تعلى أقسم أحد عشرة قسما من قوله تعالى ( والشمس وضحاها) إلى قوله ( قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها) ليقرر أن النفس البشرية قابلة للتربية والتزكية والتسامي.([8]) وإذا كان الله تعالى قد خلق الإنسان من روحه ومن طين (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ }الحجر29 فمعنى ذلك أنه تعالى جعله يحمل في ذاته عوامل الارتقاء والسمو نحو روح الله كما يحمل عوامل التدني إلى الحظيظ (التراب) كأي بهيمة حظها من حياتها جنس وأكل وشرب.

2- السنة النبوية المطهرة:
( ولقد كان لكم في رسول الله إسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)الأحزاب: الآية 21
إن المصدر الثاني الذي تنهل منه التربية – رؤية ومنهاجا..تفكيرا وسلوكا – هو السنة المطهرة الشريفة، ويظهر ذلك جليا حتى من خلال تعريفيها اللغوي والعلمي.
ففي اللغوي تعني الطريقة والأسلوب والنهج. وفي العلمي تعني مجموعة ما نقل بالسند الصحيح من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأعماله وتركه ووصفه وإقراره ونهيه، وما أحب وما كره، وغزواته وأحواله، وحياته.
وللسنة في المجال التربوي فائدتان عظيمتان:
أ‌- إيضاح المنهج التربوي الإسلامي المتكامل الوارد في القرآن الكريم، وبيان التفاصيل التي لم ترد فيه.
ب- استنباط أسلوب تربوي من حياة لرسول صلى الله عليه وسلم مع أصحابه وزوجاته والشيوخ والأطفال وغرس الإيمان في نفوسهم ([9])
ومن خلال استيعاب هاتين الفائدتين نتبين لماذا رفع الله تعالى رسوله أعلى الدرجات، وأقصى مراتب الكمال الإنساني، فجعله المثل الأعلى للكمال، والقدوة المثلى للبشرية قاطبة. فأدبه فأحسن تأديبه وعصمه من الخطايا والمعاصي، وحلاه بالخلال الحميدة التي جعلته عليه السلام يمثل التقويم الفعلي العملي لكل فرد نهج نهجه واتبع سنته. إذ تمثلت كل جوانب الحياة في شخصيته فكان أبا وزوجا وتاجرا وراعيا وقائد جيش ورئيس دولة وعابدا وزاهدا وصابرا ورحيما فجعله الله نموذجا لدينه. ماتت زوجته، ومات عمه، ومات أبناؤه، وأذي، واستهزئ به، واتهم في عرض أحب الناس إليه ( الإفك) ومرض وجرح ( أحد والطائف) وهو عليه السلام دائما في كل المواقف كان المثل الأعلى للبشر، والقدوة العليا لهم،إذ له يرجع الكمال في كل شيء، بل لا كمال لفرد من الأمة إلا باتباعه وطاعته والاقتداء به، وإن الله لم يعط لإنسان من الكمال ما أعطاه لمحمد، ولم يجتمع لإنسان من الكمال ما اجتمع في شخصه العظيم. فهو النموذج البشري للمسلمين أفرادا وجماعات([10])

4- الاجتهاد:
عرف الأئمة والأصوليون والفقهاء الاجتهاد تعريفات كثيرة. وما نحتاجه هنا هو ذاك التعريف البسيط والمتفق عليه الذي هو: " بذل غاية الجهد في الوصول إلى أمر من الأمور أو فعل من الأفعال"
وهو كمصدر من مصادر الرؤية التربوية يتخذ شكلين:

الشكل الأول: لاقتباس والانتقاء:
أي الاقتباس والانتقاء مما تيسر الوصول إليه من اجتهاد من سبقنا أي من:
التجارب التاريخية أو التراث التربوي للمسلمين.
التجارب المعاصرة كتجارب الحركات الإسلامية في باقي الأقطار.
المدارس التربوية الغربية([11])
لأن التربية السليمة هي التي تتعامل مع التجربة الإسلامية التاريخية والمعاصرة، وتجربة العلوم الإنسانية الصحيحة لمختلف التوجهات والمدارس دون تقيد بمذهب أو تيار فكري أو تربوي معين، وتحرص على الاستفادة منها جميعا بروح التحليل والغربلة والنقد مع مراعاة ضوابط ومعايير محددة منها:
– عدم التعارض مع النص قرآنا وسنة.
حسب حاجة الواقع المحلي وخصوصياته.
– التجربة الذاتية.

الشكل الثاني: الإنشاء والإحداث:

الإنشاء: هو الاجتهاد في مجال الفراغ التربوي وهو الذي لا نص فيه ولا تراث. وهو يتجلى خصوصا في مجال بعض الوسائل. فكثير من الوسائل لا تحتاج إلى تقنين أو ترشيد بقدر ما تتاح عن طريق التجربة والاجتهاد والإبداع والابتكار والمحاولة تلو لأخرى لتنظاف إلى ذهن الفرد وسائل وطرق جديدة يملأ بها الفراغ والفقر الذي كان يعانيه في المجال التربوي.

الإحداث: هو حصيلة عوامل متعددة منها معطيان:
المعطى الأول: تعامل الفرد مع القرآن والسنة وتجوله في ظلالهما التي تحفل بالأساليب والطرق التربوية في علاج كثير من الآفات والأمراض والنواقص…وإيقاض الهمم، وشحن الطاقات، والحفاظ عليها متوقظة لا تخبو..وفي الوعظ والتوجيه والخطاب المناسب، وحسب التعامل مع النازلة والخطإ.. وكل ما يحتاجه الفرد في عمله ومهمته حتى وإن كان جديدا. فإن معرفته بالكتاب والسنة وتعامله معهما يمنحه تفكيرا وتمرسا على الإبداع والإحداث فيجعل عمله يسير دون أن يتوقف. كما أن التعامل المباشر مع القرآن والسنة واقتناص المفاهيم للقيم والخلال والسلوكيات يمنح الفرد قيمتين أساسيتين يعصمانه من الزيغ ومن أن يكون ذيلا تابعا للأهواء وأصحابها حتى ولو كانت حركات إسلامية تدعي التربية على الكتاب والسنة.. فالقيمة الأولى هي العقلية العلمية. لأن الذي يتعامل مع النصوص ويقتنص المعاني والمفاهيم منها يتدرب على الحق وعلى استنباطه كما يتعود على الدليل الصحيح من القرآن والسنة . ومن تمة لا يمكن أن يسرب إليه كل من هب وذب أي مفاهيم مغلوطة تلبس زي المشيخة وباسم الطاعة لأشياء للشرع فيها نظر. القيمة الثانية هي العقلية النقدية. إن الذي يتعود على التعامل مع النصوص الصحيحة يكون قد ألف الحجة والقوة في البرهان لأنها نصوص لا حجة خارج إطارها. وبالتالي فإنه يفوت الفرصة على الضالين المضلين من أن يسربوا إليه أي فكر متطرف همجي يقتل الأبرياء باسم الجهاد أو يكرهه في الناس باسم المجتمع الجاهلي الكافر.
المعطى الثاني: حاجة الواقع والخبرة الخاصة والاستيعاب لأهم ما في التراث التربوي. إن من رحمة لله تعالى أن وسع لنا باب الاجتهاد، ويسر لنا طرقا ووسائل متعددة تعيننا على فهم كتابه وسنة نبيه، ولنتخذها حكما وضابطا في إحداثاتنا واجتهاداتنا وفي اختيار ما يناسب واقعنا من خبرتنا وتجاربنا أو تراث أسلافتنا التربوي.
وعندما يتكرر هذا التعاطي مع التجربة الذاتية والتراث، يصقل العقل بشيء من الخبرة ودراسة تجارب متنوعة، وهذا بالتالي أكبر دافع وعون على الإحداث والابتكار لسد حاجتنا في الميدان التربوي.

في الحلقة الثانية إن شاء لله:
" مفهوم التربية وأهدافها"


[1] عتيق ألصحبي، مقدمات في فلسفة التربية

[2] – فريد لأنصاري، الوساطة والتوحيد في التربية الدعوية، كتاب لأمة العدد 47

[3] – عبد الحليم محمود، لتربية عند الإخوان المسلمين.

[4] – أصول التربية الإسلامية، ص: 28

[5] نهج الدعوة وخطة التربية والبناء، الطبعة 2-93، ص: 65.

[6] إن الإنسان يعد أغرب الكائنات وأعجب المخلوقات. والذي جعله كذلك هو كونه يمتاز بعقل. وما العقل إلا جانب من جوانب ستة تكون الإنسان، يحددها الدكتور يحيى هشام حسن فرغل في كتابه معالم الشخصية المسلمة الجزء2 وهي: الجانب العقلي، الجانب الجسدي، الجانب الوجداني، الجانب النزوعي الإيرادي، الجانب الحركي بما هو علاقة بالمحيط الطبيعي، الجانب الحركي بما هو علاقة بالمحيط الاجتماعي،وهذه الجوانب المكونة للإنسان هي محطة الطموح والنزوات والغرائز والتأثير والتأثر والهواجس والشعور، ومن خلال هذه الجوانب وحسب تفتوتها وتركيبتها نجد التمايز الموجود بين إنسان وآخر من تجليات في الفكر والسلوك. فيكون الإنسان صعبا أو لينا، مندفعا أو محجما، خجولا أو جريئا،…

[7] – عبد الرحمن النحلاوي: التربية الإسلامية وأساليبها.

[8] – المرجع السابق.

[9] – التربية الإسلامية وأساليبها.مرجع سابق

[10] – فلسفة التربية الإسلامية، مرجع سابق

[11]يقول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – عن المدرسة الدعوية الإسلامية التي يعتبر أحد روادها: " المدرسة التي أعتبر نفسي رائدا فيها أو ممهدا لها تقوم على الاستفادة التامة من جميع الاتجاهات الفكرية والمذاهب الفقهية في التاريخ الإسلامي، كما ترى الاستفادة من كشوف الفلسفة الإنسانية في علوم النفس والاجتماع والسياسة والاقتصاد والتاريخ ومزج هذا كله بالفقه الصحيح للكتاب والسنة."

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *