قراءة في وفاة إدريس البصري
قراءة في وفاة إدريس البصري
اختفى العقل العربي المسلم طويلا وراء موروث قلت آنفا ׃ لم يستوعبه و لم يوظفه لصالح هذا الإنسان و هذه الأمة؛ كما اختفت "گناگن" كثيرة – بلفظة البصري- تحت الثرى٬ بعدما أقيمت لهم جنازة رجل كغيرهم من الرجال-
وقال التقليديون اذكروا موتاكم في خير٬ فقلت ها نحن نذكرهم و إياكم لكن ماذا بعد!! لقد أورثنا آباءنا الأولون "گناگن" كثيرة نحمد الله أنها بدأت تساقط تساقط الفراش و تخرج من تحت القبة٬ بعدما أن عمرت تحتها ……… و نحن لازلنا نذكرهم مع الذاكرين و لا ندري إلى أي حين؟!!/
ولو كان العراقيون مثلا يذكرون الحجاج بن يوسف بما فيه، إلى جوار ما فتح من هند و سند، ما كانوا لينعتهم بأهل الشقاق و النفاق و ما كان لرؤوس حرمت حتى شرف القتال مثل صدام، أن تنع ليقطفها في الأخير بوش- و لكل ذلك قلت اذكروا و اذكروا أي أن لكل إنسان محاسن لا ينبغي أن تلهينا عما فعل من مساوئ ، فينبغي أن نذكرها و نحذر أبنائنا منها حتى لا يولد من رحم التاريخ أمثاله-
و بالمناسبة على ذكر التاريخ سأعرج على قراءة أخرى تضمنتها جريدة المساء في 06/09/2007 حيث يقول رشيد نيني في عموده المألوف تحت عنوان له وقعه على القلوب الحية "انك ميت و إنهم ميتون" يقول إذن׃ " لقد كتب إدريس البصري عن رجل السلطة كما يفهمه و نسي أن يضيف فصلا في كتابه يتحدث فيه عن موت رجل السلطة فهو كغيره من الجبابرة كان يتصور انه لن يموت أبدا" ثم يضيف ليتحدث عن أولئك الذين "— ينسون رجلا مهما يجلس في الركن بدون كل شيء اسمه التاريخ و التاريخ هو الذي يحكم على الجميع"
و قد تختلف القراءات لكن يقول المصدر السابق نفسه أن "التاريخ يتكفل بالقراءة المحايدة"
إن السدود لا تبنى بأموال رجل واحد كما أن حدود السلطة مفروض تحديدها إذا ما نحن أردنا فعلا أن نذكر في التاريخ بخير و إلا سيستوي بذلك الآمر و المنفذ و المنفذ عليه و يحق عليهم دعاء سيدنا نوح "انك إن تدرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا"
سنحاول أن نتجاوز هذا الإشكال المتمثل في المسؤولية الجنائية للآمر و المنفذ، و نمضي الى ما يستحدثه عقلنا المتأزم بالكوارث المتتالية عبر السنون و العقود- فأول ما نصادفه و نحن نتذاكر بشان السلطة و السياسة أن هذه الأخيرة لا أخلاق و لا ضمير فيها و أنها تفتن الناس و تفرقهم و أشياء كثيرة من ذلك القبيل كلها تصب في قناة واحدة مفادها أن اتركوا السلطة و السياسة لأهلها، و أي أهلها بالله عليكم؟!!
لقد نسينا أن هناك شيء اسمه السياسة الشرعية و حاولت أطراف محسوبة على العلمية و التقدمية أن تحجبنا عن الحديث عن فترات متنورة من تاريخنا ﴿لا اقصد تاريخ الناصري﴾ قالوا أنها من "الماضي فات" و مات؛ و بالتالي تركت لهم ساحات العشب الأخضر يلعبون فيها و بها كما يريدون همهم في ذلك أن يسودوا و يبقوا بأية وسيلة ميكيافلية- الأساس أنهم هناك و أن سلطتهم رحى تطحن كل شيء وقف في طريقها؛ و كذلك فعلوا ليأخذوا في الأخير من أموالنا من اليمين كي يعوضوننا بالشمال هكذا فهم أصحاب السلطة- و تركبت عندنا عقدة السلطة نخاف منها و نحذر الآخرين منها و من العمل فيها نقول إن الذي يذخل السلطة محكوم عليه بالتغير و انه إذا ما أراد أن يعمل فلن يتركوه بسلام — كل هذا نقوله و غيره كثير فنقول أيضا لمن ينتقد׃ ماذا كنت فاعلا لو كنت مكان فلان صاحب السلطة؟؟-
و لذلك رحت ابحث في سبب وجود هذه المقولات في ثقافتنا؟، و لما قبعت طرا هات كثيرة في عقولنا؟؟!، رغم أنني في ذلك لا أساند فكرة مقارنة اللامقارن أي لا يصح مقارنة الإنسان الأوربي أو الغربي معنا لا لاعتبار التفوق و لا الخصوصية كما يوهمنا البعض و لكن فرنسا مثلا تقارن مع جارتها ألمانيا أو انجلترا أو كندا كما أن المغرب الحبيب يقارن مع جارتيه اللواتي تسبقنه في ترتيب التنمية و السبب يرجع في الأخير إلى أن المجموعة الأولى بما عرفت من ثورات فكرية و تحولات الأنوار نضج عندها بالتتابع مفهوم خاص للسلطة و السياسة بينما قبع الآخرون في تنفس الأزمات و لربما يصح قول بعض متخصصي علوم السياسة بتسميتها الزوايا السياسية- لا اقل و لا اكثر!-
أعود لبيت القصيد لأسال مرة أخرى، من أشاع عندنا ثقافة اللامبالاة بالآخر؟؟ نقول׃ "ما دير خير ما يطرا باس" و نحن نعرف انه "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" ثم من روج لعدم الثقة بيننا؟؟ نقول׃ "سبق الميم ترتاح" كما نقول׃ "الله يجعل الغفلة بين البائع و الشاري"ـ كل هذا و غيره كثير ولدنا صغارا و سمعناه في الشارع المغربي لنفهمه و نحن كبار فلم نجد جوابا لذلك الا في سؤال سيد قطب هل نحن مسلمون بل أحبذ من جهتي أن اتسائل أولا هل نحن عرب سؤال أردته لا للتفاخر بالأنساب و لا للخوض في الامازيغية لان الأولي بدعة جاهلية و الثانية كوني امازيغي لا يعني انحصار عقلي في وسيلة اللغة- بل أردته لمعرفة من نحن من الأساس
فقد حدث في وقت الرسول الكريم أن جاءه مجموعة من الرجال يعلنون إسلامهم و يبايعونه فقالوا نحن أسياد قوم كذا و قبيلة كذا كنا كذلك في الجاهلية فقال رسول الحكمة و الفطنة كيف لي أن أعرفكم و أتحقق من قولكم قالوا كنا في الجاهلية نعرف بخصال قال ما هي قالوا نكرم الضيف و نغيث الملهوف و لا نشمت بالعدو—
السؤال عن أخلاقيات قوم هو الذي يبرهن فعلا الانتساب أو لنقل إنسانية الإنسان هي عملة إسلامه بحق قولا و فعلا و لقد قالوا عندنا لنغير سلوكنا مع أن فاقد الشيء لا يعطيه و قولهم هذا لا يصلح ما أفسدته القرون قرون كنا أمواتا فيها نذكر الأموات كما يقولون وفقط و حرام علينا أن نخوض فيما قالوا أو فعلوا –
و أخيرا لما مررنا بكل المحطات التي يمكن للعقل أن يمر بها و نحن نعالج مسالة وفاة رجل لا نروم الشماتة به بل هو فقط عينة سندرس لأبنائنا من خلالها علم الإجرام- قات قد ينتهي الفرد عندنا مبررا لما جرى قائلا أن الذي فعله المعني في الشعب إنما يستحقه هذا الأخير لأنه كذا و كذا- ولكن الشعب الذي ولى رجل السلطة لا ينتظر بأية حال منه أن يستغل الظرف –ظرف الأزمة و الجهل و الفقر و الامية- كي يضيف هو الآخر سنوات الرصاص-
اعترف من موقعي ببعدنا عن كل اعتبار للمدنية و لكن الذي حصل أن جلادونا رجالات السلطة استغلوا الظرف و زادوا الطين بلة أي أنهم جاؤوا ليسودوا و يبقوا لا اكثر و لا اقل- فهم لا يعرفون شيئا اسمه الصلاح و التعليم و التربية- بل يتقنون فقط النعوت مثل قولهم الشواهد الفارغة- و لذلك قال مخبر سوري لما تقاعد و سئل عن إجرامه في حق الشعب ׃
شعب إذا ضرب الحذاء برأسه قال الحذاء بأي ذنب اضرب
سمير عزو
من فرنسا
Samir.azzou@caramail.com
Aucun commentaire