الرشوة والعقوبة بالمنظور البلجيكي
ذ. محمد بدران/بروكسيل
الرشوة تصرفات يعاقب عليها القانون الجنائي بحيث أن شخصا ما (المرتشي) يقبل أو يوافق على عطاء ،هبة أو وعد،هدايا أو أي امتيازات لتنفيذ،تعطيل أو حذف للقيام بفعل بصفة مباشرة أو غير مباشرة في إطار مهامه فيقدم على عملية الانتهاك.
وهذا الانتهاك له ازدواجية تعريفية بحيث يكشف عن وجود طرفين فاعلين الراشي والمرتشي كما أشار قانون العقوبات البلجيكي في المواد (435-1/435-3/445-1/445-2) للتمييز بين الرشوة الإيجابية فيما يخص الراشي،والرشوة السلبية التي تعود على المرتشي. في حين يمكن أن تكون وظائف المرتشي حرة أو وظائف عمومية، بينما هذه الأخيرة تترتب عليها عقوبة ثقيلة جدا لما ينتج عنها من فساد يضر بكل المجتمع.
تعريف المرتشي:
في مادة الرشوة في الوظائف العمومية والفساد العام، قانون العقوبات يستهدف 3 أنواع من الأشخاص:
1- المنتمون إلى السلطات العمومية:رجال الأمن،الجيش،والولاة إلخ..
2- المكلفون بوظيفة عمومية: كتاب العدل والمحلفون وحجّاب المحاكم،والإداريون أو المبعوثون القضائيون وغيرهم..
3- المتمتعون بولاية انتخابية حكومية: البرلمانيون،والمنتخبون المحليون وآخرون..
والملفت للنظر أنه إذا كانت الرشوة تتعلق بقضاة مثلا،فهناك عقوبات خاصة في قانون العقوبات الجنائي بسبب خطورة هذا الانتهاك ولا تعتبر مخالفة بسيطة كغيرها بل تصبح في هذه الحالة جريمة.
أما بالنسبة للرشوة في المصالح المدنية، فتتعلق بكل من لم يدخل في هذه الأنواع الثلاثة المذكورة سلفا، والذي يقوم بأي نشاط مهني أو اجتماعي: بوظيفة مسير أو يعمل لحساب أفراد أو شركات،أو أي منظمة،كما يدخل في هذه الخانة مسؤولوا الجمعيات،والمنظمات الحكومية وغير الحكومية،إلى جانب الأطباء و الحكام.
عناصر الانتهاك:
الرشوة تترجم كاتفاق ( « ميثاق الفساد « ) بين المرتشي والراشي،كما يعتبر هذا الاتفاق مكون للإنتهاك وليس بالضرورة أن يتعلق بالنتائج المتوخاة منه.على الأقل أن توجد علاقة الصدفة بين الفعل أو المتوقع والطرف الثاني المستفيد من المرتشي،لأنه سيحصل على شيء من هذا الأخير، إما بفعل شيء أو الامتناع عن فعله.كما يمكن أن يأخذ عدة أشكال عمليا ويمكن أن ينتهز جيدا من المرتشي ومن المقربين منه مثل:السكن المجاني،أو قرضا بدون فوائد،تخفيض في ثمن الشراء،الاستفادة من أرباح عمل بدون مقابل مادي من الطرف الثاني إلخ..
قمع الانتهاكات:
تطبق العقوبات حسب إطار هذا الانتهاك وهل الأمر يتعلق برشوة في الحقل الحكومي أو المدني؟.
فإن كانت مدنية فالعقوبة تكون أقل أهمية وتصدر في حق الراشي والمرتشي على كل منهما 5 سنوات سجنا و75.000 أورو غرامة.زيادة على هذه العقوبات،فالراشي والمرتشي يعرضان معا إلى عقوبات إضافية وخاصة إلى عدم ممارسة وظيفة حكومية أو نشاط مهني أو اجتماعي لاحقا يتعلق بالانتهاك.
بينما لما تكون حكومية،فالمرتشي والراشي يصدر عليهما معا حكما أقصى ب10 سنوات سجنا و150.000 أورو غرامة.
يجب الانتباه:
إذا كان الانتهاك يخص قاضيا فلا يعد جريمة عادية ولكن جريمة تعادل جريمة قتل ويتعرض مرتكبها إلى عقوبة تحدد ب 15 سنة سجنا و225.000 غرامة.
أما في بلدنا المغرب الحبيب ما شاء الله عليه،فهل قوانيننا في المستوى المطلوب لمحاربة هذه الآفة المجتمعية الخطيرة التي لا يخلو منها بلد واحد في هذا العالم بمقدمته وأخراه؟وهل الحملة الإعلامية الوطنية الأخيرة للحكومة الجديدة للتوعية ضد مخاطر الرشوة والفساد ،وتعزز الثقافة وحماية أطياف المجتمع و مؤسساته من مخاطر الظلم والتهميش والاستبداد ؟ وهل سيعرف المجتمع المغربي ديمقراطية بلا محالة وقفزة حادة في هذا الملف ويرفع عبئا ثقيلا موضوعا على كاهل المغاربة بطرق فعالة وجادة؟ وبأي فكر أو أدوات سيقلل من هذه الجرثومة السرطانية ويحارب أشباح الفساد ويقضي على أرواح الظلم والاستبداد من هذا الانفلات؟فمحاربتها في اعتقادي تحتاج إلى وعي تام وقانون عام ،تتجنّد لهذه الكارثة الصادمة كل السلطات الحكومية و الفعاليات المدنية بتوجيهات صارمة.مع تفعيل إستراتيجية وطنية حكيمة من قريب وبعيد تعمل على كل اتجاه وصعيد ،للوقاية من خطورته العظيمة وفحولته القديمة في جسم مجتمعنا ومحاولة القضاء عليه ومحاربته واستئصاله من جذوره بإجراءات قانونية من حديد .فهل من آذان صاغية وعقول واعية تسمع ذلك السياط وهذا الأنين ،منذ قطع أشواط سنين وربما تحتاج سنين تلو السنين ،إن لم تتخذ قرارات في الحين ولا تنتظر إلى ذلك الحين؟.
Aucun commentaire