أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي: الجزء الثالث : الطفل/التلميذ(ة)؛؛
أسس ومرتكزات الإصلاح التعليمي
الجزء الثالث: الطفل/التلميذ(ة)
بتاريخ 10 أكتوبر 2012؛
بقلم: نهاري امبارك*
لقد عرف قطاع التعليم بالمغرب، ومنذ فجر الاستقلال إلى اليوم، أي على امتداد أكثر من نصف قرن، عدة إصلاحات، تعاقبت بتعاقب الحقب الزمانية والأجيال المتوالية، حيث شكلت عدة مجموعات لجان، انكبت على النظر في قضايا التعليم، فاتخذت قرارات واختيارات وفق تصوراتها الذاتية والغايات المرسومة لمنظومة التربية والتكوين، ما كان يؤدي بالطبع إلى فشل هذه الإصلاحات دون تحقيق المنتظر منها على الساحة التربوية والتكوينية، الأمر الذي انعكس سلبا على جميع الأصعدة، منها الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها.
حيث إن أي متتبع أو متفحص لهذه الإصلاحات، يلمس بكل بساطة مجموعة من الاختلالات، تطال المكونات والعناصر الرئيسية للعملية التربوية والتكوينية التي تنهض عليها ومن أجلها المنظومة برمتها، والتي تعتبر الأسس والمرتكزات الحقيقية للإصلاح التعليمي ومنها الطفل / التلميذ(ة):
فما هي الأخطار المحدقة بالطفل/ التلميذ(ة) التي يعانيها يوميا ويعيشها وقد تؤثر على ارتياده المدرسة وتعيق تمدرسه؟
حيث، في اعتقادنا، أن أي إصلاح تعليمي يتناول، فقط، بالمعالجة والدرس والتحليل البرامج والمناهج والمقررات الدراسية والكتب المدرسية، ويرفع شعارات، ويقدم إنشاءات شمولية وفضفاضة، لن يجدي نفعا، ولن يتجاوب مع الغايات المرسومة، ولن يحقق الأهداف المسطرة، ما دام لم تصاحبه، أو على الأصح، لم يسبقه اهتمام وعناية بالأوضاع التربوية والاجتماعية والدراسية للطفل/ التلميذ(ة) سواء داخل أسرته أو في طريقه من وإلى المؤسسة التعليمية أو داخل هذه المؤسسة نفسها بمرافقها وحجراتها ومكاتبها، أو بالأماكن العمومية.
وحتى نجيب قدر الإمكان على أسئلة الإشكالية المطروحة، نعرض، واقع الطفل/ التلميذ(ة) ووضعيته حيث يعتبر المحور الأساسي للعملية التربوية والتكوينية، كما يعتبر الاعتناء به أسريا واجتماعيا إحدى الدعامات والأسس والمرتكزات الحقيقية التي ينهض عليها الإصلاح التعليمي، ونجاعة الخدمات المنتظرة من المنظومة التربوية والتكوينية حتى تضطلع بمهامها، وتؤدي رسالتها السامية تجاه تربية الأجيال المتعاقبة وتكوينهم وإعدادهم للحياة المهنية، إلى جانب خدمات مضامين المقررات الدراسية والبرامج والمناهج، وبموازاة لها، أو في تكامل معها، ومتبادل، أخذا وعطاء.
من هذه المنطلقات، فالطفل/ التلميذ(ة) يشكل، دون منازع، النواة الصلبة، وحجر الزاوية الحقيقي لكل إصلاح تعليمي: فما هي الأخطار المادية والمعنوية التي تتربص بالطفل/ التلميذ(ة) والتي يجب التصدي إليها ليؤتي أي إصلاح تعليمي أكله حتى يشعر الطفل/ التلميذ(ة) بالأمن والأمان، وينخرط في الإصلاح التعليمي المرتقب، ويسهم إيجابا في العملية التربوية، ويتابع دراسته دون تعثر أو انقطاع أو مغادرته الأسلاك الدراسية؟
سنحاول، ضمن الفقرات الموالية، مناولة هذه الأسئلة وغيرها، مع التركيز على الصعوبات والمشاكل التي تعترض الطفل/ التلميذ(ة) والتي يجب التصدي إليها لضمان نتائج إيجابية لأي إصلاح تعليمي.
في خضم وضعيات متعددة، وتنوع الأوساط والأماكن التي يضطر الطفل/التلميذ(ة) المرور منها بين أسرته ومدرسته أو حين تواجده بالأماكن العمومية، يجد نفسه مكرها لمقاومة أخطار مادية ومعنوية لحظية محدقة به أين ما حل وارتحل، يعاني انعكاساتها وتحز في نفسه، يمكن أن تؤثر على تمدرسه ومساره الدراسي، إن لم يتم التصدي إليها، نعرضها في ما يلي:
1. أخطار مادية محدقة بالطفل/التلميذ(ة):
أشخاص كثر يركضون وفوضى عارمة، حمالون، يدفعون عرباتهم أو يجرونها، يمكن في أي لحظة أن تدوس الطفل/ التلميذ(ة) وتلحق به جروحا وندوبا، تترتب عنها عاهات مستدامة تؤثر في دراسته حاليا، وحياته مستقبليا.
والطفل/ التلميذ(ة) مار بالساحات والفضاءات والأسواق، يعاين في هذه الأمكنة شجارا ونزاعا، وتبادل العنف والضرب والجرح أحيانا، يمكن أن يتعرض، في كل حين، إلى ضربة طائشة، قد تؤدي به جسديا ونفسيا إلى ما لا يحمد عقباه.
سيارات، شاحنات، حافلات، دراجات تهرع في كل الاتجاهات، سائقون متهورون يسوقون بجنونية، قلقون، متوترون، يعانون أمراضا نفسية تحت ضغط حركة السير التي لا تخضع، أحيانا، لأي نظام. أضواء معطلة، ممرات الراجلين غير موجودة، وإن وجدت فغير محترمة، يمكن أن يكون ضحيتها الطفل/ التلميذ(ة)، الذي يصاب بالدواخ تحت وطأة حركة دائبة، وهو يركض في الطريق يسابق الزمن حتى لا يتأخر عن موعد الدخول إلى البيت ليتجنب توبيخ أبويه له، أو حتى لا يتأخر عن موعد الدراسة، فيتفادى الإجراءات الإدارية، حيث القائمون عليها لا يعلمون واقعه.
أما الملاعب الرياضية، فتعج بمن لا صلة لهم بالرياضة وبالروح الرياضية، يشجعون بحماقة، يصرخون، يسبون، يتبادلون العنف، الذي يمكن أن يكون الطفل/ التلميذ(ة) أحد ضحاياه، فيندم حيث لا ينفع الندم.
أما بالبوادي، فالطفل/ التلميذ(ة) يتحمل يوميا مشاق المسافات الطويلة والمسالك الوعرة، التي يمكن أن يسقط في أحد منعرجاتها، وهو يقاوم الحر أو البرد، وينتبه في كل حين إلى تساقط الأحجار من أعالي الجبال، وأحيانا الأشجار تهوى؛ كما يمكن أن يكون عرضة للمياه الجارفة المباغتة القادمة من وديان على إثر عواصف مطرية أو ثلجية دون سابق إنذار، في غياب قناطر وطرق معبدة. وفي أغلب الأحيان، تفاجئ الأطفال/ التلاميذ قطط أو كلاب ضالة، يمكن أن تلحق بهم الأذى عضا وجرحا، تترتب عنهما تشوهات أو عاهات مستدامة وأحيانا أمراض قاتلة.
وأخطار مادية كثيرة ومتنوعة…..تعود بما لا يحمد عقباه على الطفل/التلميذ(ة) وهو في طريقه ذهابا وإيابا بين أسرته ومدرسته، وعوده لم يشتد، ونضجه لم يكتمل، التي يمكن أن تشكل الأسباب الرئيسية لعدم التحاق الأطفال بالمدرسة أو قد تشكل معيقات حقيقية للانقطاع التلاميذ عن الدراسة.
2. أخطار معنوية تتربص بالطفل/التلميذ(ة):
والطفل / التلميذ لم تتشكل شخصيته بعد ولم تنضج، وهو في ريعان طفولته، وهشاشة بنيته الجسمية والنفسية، حيث لا يزال سريع التأثر، فكيف يزاوج بين تربية المدرسة والأسرة والممارسات اليومية المشينة بالشارع والدرب والزقاق والبيئة خارج المدرسة والأسرة؟
فالكلام الفاحش الذي تتصدى له الأسرة والمدرسة، لا يجد الطفل/التلميذ (ة) بديلا له في البيئة المحيطة بالأسرة والمدرسة، وسط وابل من السب والشتم وأحيانا الضرب والجرح. هذه الممارسات المشينة التي تؤثر، لا محالة، سلبا في نفوس التلاميذ سوف تؤدي بهم إلى تناقضات وتعارضات على مستوى التربية الأسرية والمدرسية، وتدفعهم إلى التشكك في الأدوار التربوية والاجتماعية والثقافية لكل من الأسرة والمدرسة.
فما شعور الطفل/التلميذ(ة) وهو يعاين فعل سرقة ونشل من طرف لص وهو يعتدى على شخص باللكم والضرب وسلبه ممتلكاته، وأحيانا، أمام أعين المارة ومرتادي الطريق؟
وهل يتحمل الطفل / التلميذ(ة) ممارسات لاأخلاقية ناتجة عن فرد متسكع عديم الأخلاق وهو يطارد فتاة أو امرأة ، يجذب أحيانا أطراف ثيابها، وأحيانا أخرى نتفا من شعرها، يحاول إغواءها تارة باللين وأخرى بالشدة والعنف، ينهال عليها قذفا وسبا وشتما وكلاما فاحشا، وأحيانا ضربا، أمام أعين العموم؟
ألا تتقزز نفوس الأطفال/التلاميذ وهم يلمسون أفعال كذب في الأسواق والمتاجر ومحلات البيع والشراء، كما يلمسون ممارسات غش وخداع ومراوغات تكتنف معاملات وتعامل أفراد، كل يحاول تزوير الواقع بطريقة مكره الخاصة؟
وكيف تؤثر ممارسات شاذة على الأطفال / التلاميذ، ناجمة عن أفراد، همهم ارتياد دور الملاهي والمقاهي، فئات اجتماعية غير مؤهلة مهنيا، يقتلون وقتهم الوافر الذي لن ينقضي ولن يموت، يتبادلون كلاما في كلام، أغلب مقاطعه تنم عن فراغ قاتل، وثقافة مهزوزة، يحملقون في المارة بأعين شاردة، يلقون مفردات جارحة دون خجل ولا حياء، تصم الآذان وتشمئز لها النفوس، وهم يرتشفون رحيق سجائر مجهولة الحشوة، ويشربون أدخنة متناثرة حولهم، وأشياء أخرى يشربونها ويتناولونها في عدة أمكنة ومحال؟
وفي أغلب الأوقات، يجد الأطفال/التلاميذ أنفسهم أمام مشاهد مستفزة، فتيات ونساء مشبوهات، واقفات على قارعة الطريق، ينتظرن الذي يأتي أو لن يأتي، يحملقن في وجوه المارة استجداء أو إغواء، يجبن الشوارع والأزقة ذهابا وإيابا في حركات مثيرة، تشد اهتمام المارة، وتثير فضول الأطفال/التلاميذ وتثير فيهم روح التساؤل والمساءلة إلى درجة الشفقة والإشفاق والتأثر غالبا.
أما الأطفال/التلاميذ بالقرى والبوادي فمعاناتهم قاسية، أين ما حلوا وارتحلوا، يستحوذ عليهم الخوف من كل شيء، وينال منهم الاكتئاب مناله، يقطعون مسافات طوالا فرادى وجماعات، يتحسسون نباح الكلاب ومواء القطط وخرير المياه وتساقطات الحجر؛ ففي أي حالة نفسية يصلون الفصل الدراسي، أو يعودون إلى البيت الأسري؟
وحالات نفسية كثيرة ومتنوعة…..يعيشها التلاميذ وتؤثر فيهم وهم ذاهبون إلى المدرسة أو عائدون إلى أسرهم.
فما أثر الشارع والدرب والطريق من وإلى المدرسة على الطفل/ التلميذ(ة)؟ وما أثر، بشكل عام، البيئة المحيطة بالأسرة والمدرسة على شخصية التلميذ؟ وكيف يمكن تربيته على مواجهة وقائع وأحداث يلاقيها يوميا، قد تعصف بما تبنيه الأسرة والمدرسة من قيم ومبادئ تربوية وأخلاقية وثقافية قويمة؟ وما هي مسئوليات السلطة والمجتمع المدني والمؤسسات الاجتماعية لحماية التلميذ والحفاظ على توازنه التربوي والنفسي والثقافي الأسري والمدرسي؟
لا يختلف اثنان في مناولة الآباء هذه الأسئلة وغيرها، في جميع الأماكن التي يرتادونها، في البيت، في المدرسة، خارج البيت والمدرسة…….من شدة اهتمامهم بتربية أبنائهم ومن وطأة البيئة وأجوائها التي أضحت تؤرقهم ليل نهار، خوفا من سقوط فلذات أكبادهم في شرك الانحرافات وكمائن السوء التي تتربص بهم، يوميا، في غدوهم ورواحهم بين الأسرة والمدرسة.
سنحاول تسليط الأضواء، قدر المستطاع، على هذه الوضعيات، انطلاقا من موقعنا كأب ومرب ومسئول تربوي، وانطلاقا من الواقع المعيش، ومواكبتنا للمسارات المدرسية والتربوية للتلاميذ، ومعاشرتنا الآباء والأمهات وأولياء التلاميذ في ترددهم على المدرسة، وهم يصرحون ويطرحون مشاكل عويصة تعترض أبناءهم جراء أحداث ووقائع يعانونها، وهم في طريقهم بين أسرهم ومؤسساتهم التعليمية، أو في عدة أماكن عمومية، من ملاعب رياضية وحدائق ومقاهي….وغيرها، نعرض تفاصيلها وآثارها على الطفل/ التلميذ(ة)، لاحقا، وذلك من حيث الجوانب التربوية والنفسية.
(يتبع)
* مفتش التوجيه التربوي، مكناس.
1 Comment
أستاذي النهاري امبارك في البداية أشكركم جزيل الشكر على هذه السلسلة المتميزة التي تنشرونها بانتظام على صفحات وجدة سيتي تتناولون من خلالها الطفل / التلميذ والصعوبات التي يتلقها هذا التلميد من المنزل الى المدرسة والعكس صحيح . لقد وضحتم الصعوبات وحاولتم المقارنة مابين الطفل / التلميذ بالمدينة والقرية والصعوبات المتعددة التي يتلقاها هذا التلميذ المغلوب على أمره. فالبنسبة للتلميذ القروي كان سابقا يقطع عدة كيلومترات يوميا ذهابا وايابا مشيا على الاقدام أو فوق الدابة ، من أجل الإلتحاق بالمدرسة… وقد خفف هذا العناء في السنوات الأخيرة بسبب وضع نقل جماعي رهن الاشارة، بقضل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي وضع قواعدها صاحب الجلالة نصره الله . وبقضل بعض المحسنين والجماعات القروية. أما في المدينة فالمستفيذ الوحيد هو الطفل الذي يدرس بالؤسسات الخاصة والتي توفر له النقل بانتظام ذهابا وأيابا. أما باقي التلاميذ فيمشون على الأقدام إذا كانت المدرسة قريبة أو عبر الحافلة إذا كانت المدرسة بعيدة عن المنزل . ومن الصعوبات التي لم تتطرقوا إليها أستاذي في هذه المقالة ركن السيارات الخاصة داخل المدن فوق الرصيف مما يجعل الطفل/ التلميذ يجد صعوبة في الدهاب والعودة بحيث يضطر الى النزول تحت الرصيف مما يعرض حياته وجسمه للخطر. وهدا نشاهده يوميا ولاناهي و لامنتهي … أستاذي الفاضل، أنا جد معجب بهذه المواضيع التي أتمنى لها الاستمرارية وننتظر القادم منكم بكل شوق أتمنى النجاح الكامل لجميع الأطفال/ التلاميذ بالقرى والمدن . شكرا لكم
-*- عكاشة أبو حفصة -*-