شكاية شاعر ..
في الحقيقة ، وجدت مشكلة في تدبير هذه الشكاية ، فوجدتني أسائل نفسي لمن سأقدمها وما الصفة التي يجب أن ألبسها حتى تكون مقبولة شكلا على الأقل ، وما الدلائل التي يقع علي أن أسوقها فيها . وقبل ذلك ، من يجب أن استشير من ذوي الخبرة. فهي نازلة غير مسبوقة.
قلت في البداية : يحسن بي أن أقدم الشكاية ضد الأمم المتحدة لأنها ، وهي الهيئة ذات الوزن والكلمة المسموعة ، هي التي عملت خلال الأسابيع القليلة الماضية على حلحلة العجائب المعروفة وابتكرت سنة البحث عن أعاجيب جديدة وترسيمها دفعا للملل والغرور والامتيازات الدائمة ، وتماشيا مع التطور الذي تعرفه الإنسانية التي تستطيع اليوم أن تصنع ما يفوق الأهرامات وصور الصين وتاج محل .. عظمة وجمالا. الأمم المتحدة هذه التي بحثت عن الانجازات في العالم دون أن تعير أي اهتمام لانجاز عملاق بمدينة جرادة والذي يمكن أن يدرج على الأقل في لائحة التأمل والانتظار لعله يصنف الأعجوبة x . ويأرشف كتراث إنساني عالمي تستفيد منه هذه المدينة التي يدبر شأنها عدد من المتعالين على المواطنين والذين يعتقدون أنهم صنعوا من معدن آخر غير التراب لا يصيبه البلى والتلف والزوال…
ولكنني أقدر أنني رجل عاقل وأخشى أن يسخر المثقفون مني والسياسيون والقضاة والمحامون وعامة الناس البسطاء . وذلك ببساطة حينما يستفسر ونني عن الجهة ذات الاختصاص التي سأرفع لها شكاية ضد العالم . ولذلك عدلت عن هذا المسار وحولته إلى مسار مقلوب فقلت : ارفع الشكاية إلى الأمم المتحدة لا ضدها ويكون ذلك أسلم منطقا وأقوم سبيلا ، فأجد بذلك على الأقل الأساتذة المتخصصين في القانون الدولي واجد لديهم قابلية تقديم الشكاية وبالمواصفات المطلوبة مع الحد الأدنى من الأمل في قبولها شكلا .. لكنني انتبهت إلى أن هذه الشكاية وما يرتبط بها من إجراءات مستخرجة من قواميس القضاء لا تفي بالغرض لأنني سأتيه بين المساطر ويتيه مع المحامون . ثم لماذا كل تلك المتاعب ؟ لماذا لا تستبدل هذه الشكاية بملتمس أدعو من خلاله الأمم المتحدة إلى إيفاد مهندس من مهندسيها إلى مدينة جرادة لينظر في إمكانية تصنيف بناء عملاق يمكن أن تسميه بكل التسميات إلا واحدة مطلقا وهي // دارة البريد // Rond point بالراء العملاقة . والتي أقيمت تتوسط المدينة على قطر عملاق وارتفاع عملاق على أنقاض حديقتين وادعتين رحم الله من بناهما .
والآن أعرض على أنظاركم ما يأتي بعد استئذانكم:
منذ شهور طويلة جدا ووسط المدينة محجوب عن الأنظار بمدار حائط من الزنك وقد علق في الجهة المقابلة للأمن الإقليمي لوح عليه اسم المشروع الذي هو بناء // دارة البريد // تتربع هذه الدارة على قطر لا بارك الله في قبحه ويوجد بينها وبين المساحة العامة نشاز لا بارك الله في قبحه وترتفع ارتفاع كأنما هي عمارة من العمارات ذات الطوابق لا بارك الله في النشاز ولا في العلو .. وتتدحرج هذه الدارة في انحدار لا يستقيم به لها جمال ، ومن أين يأتيها الجمال وكل الفضاء الذي شغلته عديم التناسق . وفوق ذلك تحجب الجهات الألف عن بعضها وتنحسر لها الأبصار وتقنط منها النفوس وتضيق لها الصدور وتغلي لها الفنون والهندسة والرياضيات والجغرافيا والطبيعيات جميعا.. أما الأموال التي صرفت فيها فان القابض البلدي قد لا يعلم بها ولا الآخرون .
لقد شطبت حديقتان شطبا كانتا تباركان المدينة والمتقاعدين وتزينان البريد وتؤوي إحداهما الأطفال المشاغبين والرجال ممن ليس لهم شغل يشتغلونه قسرا لا حبا في الوقت الضائع .. كان المنتظر أن تشطب الطريق المعبدة بينهما لتصبحا حديقة واحدة وان يعنى بها وان تصفف فيها الأشجار والمقاعد وان تحفر بها بئر ماء ترويها وتوضع بداخلها مصابيح تحيلها على الشاعرية والبيئة الجميلة ..
اعتقد أنني قد عدلت عن أمر الشكاية والملتمس في ما يبدو. وعدلت عن المنتظم الدولي .
وعليه ، وللحيثيات المذكورة ،
وحيث أن هذه الدارة ليست من أصل محلي ولا تعبر عن المسار الحضاري والبنيوي للمدينة من جهة آخري ،
واستنادا إلى استشارة من احد أصدقائي المحبوبين وهو مهندس له ذوق وتخصص ، فإنني اطلب من رئيس البلدية القادم أن يهدم هذه المهزلة وان يعيد الأمور إلى ما كانت عليه من قبل مستغلا ما يمكن إبقاؤه من تلك الأعجوبة رقم 00 وذلك على غرار ما فعله مجلس سابق بنفس الهرم الذي بني داخل المدينة العتيقة وأنفقت فيه أموال مهمة حيث هدمه وأقام فيه فضاء كبيرا يقابل المسجد العتيق ، به بعض الأشجار يستريح الناس فيه ويتسامرون ويلعب فيه الأطفال ويمرحون .. مع العلم انه سيضحي بمبلغ مالي قدره يزيد عن 190 مليون سنتيم وهو ثمن كلفتها ، لكنه سيجعل أرباب السيارات يربحون – حسب احد الملاحظين – ما يقارب 05 ليترات من البنزين للدورة حولها . وفي انتظار اصدر الحكم وتنفيذه يتمنى زميلى مصطفى أن يطلق على هذه المعلمة اسم الرمبلي الابيض بل دارة البريد / ولمن لا يعرف الرمبلي ، فهو جبل اصطناعي عملاق راكمته الشركة جنوب المدينة في حي مهمش بواسطة ملفافين ينقلان الفحم إلى قمته شيئا فشيئا حتى استوى جبلا ..
أما أضواء المرور التي سيقف لها طابور من السيارات أمام مقرا لأمن الإقليمي عند الضوء الأحمر فإن لها حديثا آخر . فان لم يكن طابور طويل فان سيارة واحدة سيكون مضحكا..
الم يكن بإمكان المجلس أن يفتح دفترا للملاحظات ويسترشد بالمواطنين في صناعة قراراته .
وعلى كل حال ، رحم الله الريح ، فقد كان يمثل المخزن ويمثل المواطن بالتدخل والتعبير عن غضبه ما لم يعجبه شيء ورحم الله النكتي الذي كان يحب الشجرة وكان حاضرا في كل دقيقة وفي كل دقيقة . وكانا أنيقين يحبان الأناقة .. ودور لا يمكن أن يتنافى مع حزم مقيت وجمال مرام .
Aucun commentaire