الحزب الحاكم ضيفا على المخزن و »الأغورا »: في الحاجة إلى دروس أثينا.
رمضان مصباح الإدريسي
من دولة المخزن الى مخزنة المواطنين:
نعيش,في المغرب, مرحلة انتقال: من دولة المخزن ,القائمة على الرعية ؛بكل نجاحاتها في حماية الوحدة الترابية ,وحماية العقيدة والمذهب؛والتموقع ,إزاء المحيط العربي والدولي ,ككيان بهوية قائمة وثابتة ؛وبكل إخفاقاتها في تحقيق العدالة الاجتماعية المثلى ؛سواء بإعمال المرجعية الدينية أو المرجعية الديمقراطية العالمية..
الانتقال من دولة المخزن ؛والمؤسسة الملكية مجرد ركن أساسي فيها – وليست كل الدولة- والدليل عدم انهيار هذه الدولة غداة خلع المستعمر للسلطان محمد الخامس رحمه الله ,وترحيله إلى المنفى .
لم ينظر المغاربة الى ابن عرفة,أبدا, كركن في دولة المخزن بل اعتبروه وجها مغربيا للاستعمار الفرنسي.
لقد حل الشعب –ممثلا بنخبة الحركة الوطنية- محل السلطان الشرعي المغدور. وبعبارة أخرى أصبح الشعب هو المخزن؛في مواجهة مستعمر بهت مما أفضى اليه جهله بحقيقة المخزن المغربي.
تماما كما يجهل بعضنا اليوم- لأسباب موضوعية- حقيقة هذا المخزن.
كان المستعمر يعتقد المخزن سلطانا سيفرح الشعب بإسقاطه ؛فإذا هو يفاجأ به شعبا هادرا؛ يحمل حتى سكاكين المطبخ لياقتل بها.
لا تنقشع الغمامة عن العيون الا في النمفصلات التاريخية الكبرى ؛وخصوصا حينما يكون هناك تهديد خارجي.
استعيدوا لحظة المسيرة ,لتعرفوا كيف يتحول كل المغاربة الى مخزن؛لأنهم فعلا ركن فيه.
بتأثير نظرة أحادية وقاصرة, الى مفهوم المخزن ,نكاد لا نلتفت الى هذا.
لقد تربينا في أحضان فكر يساري استورد البلاشفة ,كما استورد القياصرة ؛ولفنا في هذا الثوب المسموم؛حتى اهترأ جلدنا وتآكلت عظامنا ؛ورغم الشفاء الحالي لا تزال بنا عيوب ترتد الى هذا الثوب ,وهو من جلد الدب الروسي.
الانتقال من هذه الدولة ,الراعية والجارحة في نفس الوقت, الى الدولة الديمقراطية التي تتأسس على المشاركة الشعبية ؛دولة المؤسسات الراسخة ,والمواطن الكامل الحقوق .
المواطن الذي لن يجد غضاضة- مستقبلا- في الافتخار بوطنه ,أنى ذهب ؛لأنه لا يجد نفسه محروما مما تتمتع به الشعوب الراسخة في الديمقراطية, من حريات. تذكروا قول الليبيين إبان ثورتهم:كنا نخجل من الانتساب الى الجماهيرية.
تستغرق مرحلة الانتقال هذه زمنا طويلا ؛ولو استقام سيرها وجد؛لأن القيم « أنانية » لا تفسح المجال لغيرها بأريحية وتلقائية.
انظروا الى الديمقراطية الفرنسية ؛بكل خلفيتها الممتدة الى عصر الأنوار ,وما أثمره من ثورة,ببعد عالمي.
ديمقراطية لا تزال تتهددها – رغم كل هذا الزمن- قيم اليمين المتطرف؛ هذا رغم فعالية التربية الجمهورية, وحيوية الأحزاب ؛خدمة لنفس الثوابت والقناعات؛وان تباينت السبل.
فكيف نستغرب بطء التحول عندنا ؟ وبرامجنا التعليمية لم يقر لها قرار بعد؛أو قل هي برامج تقدس سلطة المعرفة ,وتعاليها عن التنشئة السياسية ,والتنمية عموما. وسنقف ,في هذا المقال,على الفلسفة اليونانية وهي وسط الصخب الشعبي في » الأغورا ».
كيف لا يبطئ الركب وأحزابنا- يمينا ويسارا- لا تزال تغرق في ملابسات الحاضر؛دون إستراتيجية موحدة بعيدة الأمد. إنها أحزاب لتصريف الشأن الحزبي اليومي لا غير.لم ترق بعد لتأطير التحول العميق في تمثلات المواطنين للدولة.
ان مخزنة الدولة أمر يسير ؛اذ يكفي أن يعتلي العرش ملك مستبد- بكل قاموس الأوامر الصارمة- لتضعف الأركان الأخرى ,حتى تتلاشى كلية, ولا تبقى في الواجهة غير المؤسسة الملكية.
لكن من الصعب مخزنة المواطن؛بالمفهوم الايجابي الذي يجعله منخرطا في الشأن العام ؛ مقدما للمصلحة العامة عن الخاصة؛مسترخصا روحه من أجل ثوابت الأمة .مواطن مخزني لا يشعر بعصا فوق رأسه بل براية الوطن فوق كل الرؤوس .
لقد عشنا مثل هذا ,في معركة التحرير, وهذا بديهي بالنسبة لشعب ضارب في عمق التاريخ؛لكن الملفت للانتباه
وقد ضيعناه مع الأسف,هو ذلك الدور الذي كان يتقمصه المواطن, من تلقاء نفسه,غداة الاستقلال.
كنا أطفالا, وكان سيان بالنسبة لنا أن ينهرنا مواطن كبير السن عن فعل مشين ؛أو الأب أو عون سلطة.
كنا نشعر وكأننا أطفال لجميع الراشدين ؛ومن هنا مناداة الكبير والكبيرة ,في المغرب,بعمي وخالتي.
كان الدوران متماهيين تقريبا. لقد كانت المواطنة وظيفية وفاعلة ؛الى أن اعترى الدولة ما اعتراها من صراعات سياسوية غيرت من التمثل المغربي الموحد للمواطنة.
ولقد تضرر خطاب الحركة الوطنية التربوي , من هذه الصراعات, أيما تضرر ؛بل لا تزال الكثير من مشاكلنا- علاقة المواطن بالدولة- ترتد الى هذه المرحلة.
طبعا حينما تغدوا الدولة حزبا , أو على هوى حزب واحد ,يصطف المستضعفون في جبهة واحدة ؛وتتآكل لحمة الوطنية التي كانت تجعل الجيران ,مثلا ,ينهضون لتنظيف حيهم قبل أن يسألوا عن المصالح البلدية.
ليتنا نفتح نقاشا سياسيا عاما, بين الجميع حتى نبلور ميثاقا وطنيا لمغرب الغد ؛يحول كل الأحزاب , وان احتفظت بألوانها, الى حركة حقيقية لكل الديمقراطيين.
لقد وصلنا – لقصور بنيوي في اشتغالنا السياسي- الى أن نُخَرج » المواطن » الذي لا يجد غضاضة في قلب قطار فاس ,بما حمل,ولو كان فيه ابوه أو أمه, من أجل أن يكسب دريهمات من خردة الحديد.
إنها حالة مرعبة ؛وتعطينا صورة عن أفراد المجتمع حينما تستحوذ عليهم الفردية واللامبالاة بالشأن العام ؛ناظرين الى المخزن كأصل للبلاء,فقط, يجب تفكيكه ؛ولا يفكرون لحظة واحدة في الوضع الأمثل: مخزنة المواطن حتى يمارس
مواطنته الكاملة ,ويعيشها , بعزة نفس, كما كان يفعل المواطن اليوناني القديم في الأغورا.
AGORA
لا يمكن – في رأيي المتواصع- القضاء على المفهوم السلبي للمخزن ,الا بمخزنة كل المواطنين ..
لقد جربت فرنسا ماذا تعني مخزنة المواطنين.
بسرعة أصبح كل مغربي ,واع باللحظة, مخزنيا يشعر وكأنه الملك الأسير, أو المخزن الأسير؛ولعل أول رجل وصل الى سطح القمر, أوصله مغاربة ممخزنون ؛ولم يكن سوى محمد الخامس ؛ولو غضبت « ناسا ».
المفهوم الجديد للسلطة ,مفهوم جديد للمخزن:
يدفع المفهوم الجديد للسلطة في هذا الاتجاه ؛ اتجاه الربط بين لحظة محمد الخامس الذي « شعبن » المخزن الى لحظة محمد السادس ؛ الذي بايعه الشعب ملكا للفقراء بعد صك البيعة الرسمي والمخزني.
اربط مع جدك؛نصيحة المرحوم الفقيه البصري للملك محمد السادس.
مما حكاه المرحوم الحسن الثاني أنه سأل والده :ماذا لو قابلك الناس يوما- في خرجاتك- بما لا يليق ؟
كان جواب محمد الخامس: هذاك وقتك أولدي.وانتبهوا ,الوقت يستدخل عناصر عديدة.
هكذا تنبأ أب الوطنية بكل سنوات الرصاص- وقد صنعت صنعا من أطراف مغرضة عدة-وهي السنوات التي كرهنا فيها المخزن وكرهنا ؛حتى اضطر ملك شاب الى أن يفكر قبل كل شيء في مفهوم جديد للمخزن ؛وان قال السلطة.
ولقد سبق أن قلت بلغة التاريخ القديم:بويع ملكا,نودي له على المنابر,ضرب السكة باسمه؛ثم نادى بالمفهوم الجديد للسلطة.
مخزن يمخزن الجميع , ويستوعبه ,ولكل واحد دوره فيه كخلية النحل .
لكن هذا لا يحدث بقرار ملكي ؛ بل بجهاد أكبر ؛يتأسس على اختيار ثوري جديد ,في تأسيس فعل سياسي بناء, تكاملي وتشاركي , بين أركان المخزن كلها, ومنها ركن الشعب ؛وليس كصراع بينها ؛وفق منطق فاسد: تفكيك المخزن وإلقاء البلاد في وهاد المجهول.نحقق حلم المستعمر ,والقذافيات المعلومة,ونعامات الصحراء الشاردة.
ولقد أجبت شعرا من يتبنى مثل هذا المنطق ,بسينية منها:
وأَقْبِلْ على الكَرْم ِ تَطْرُدْ ثَعالِبَهُ
وَاضْرِبْ كُلَّ وسْواسٍ بِهِ وَخَنَّاسِ
وَأحْفَظ ِ العَرْشَ نَخْوَة ً فبه
عِزُّنا وَصَلاحُ المُلْكِ وَالنَّاسِ
لقد ذهب مع الريح- كما يحدث في الرواية الأميركية- كل من حاك دسائسه ليوقع بركاب القطار المغربي كلهم , من أجل ثمن بخس.
مضى زمن تملق الملوك ؛لأنه لم يوصل سوى الى الكراهية وسنوات الرصاص ؛ وحينما سكتت الأغاني المعلومة
ارتفعت المباني.
إن من يقول بمفهوم جديد للمخزن يتنازل طواعية عن ركوب الأسد الى ركوب عرش للشعب, متنقل, تنتظره جميع الجهات في وقت واحد.
هذا هو المخزن الذي يستضيف اليوم الحزب الحاكم ,وقد بسط أمامه دستورا ينظم الضيافة ؛ويدفع في اتجاه أن يخدم الضيف نفسه بنفسه , ولا ينتظر أن تحمل إليه قصاع الكسكس الملكي.
ان القول بأن هذا المخزن يثبط عمل الحكومة محض مقدمة تمتح من سم الدب القديم؛ وتمهد للقول ,في حالة فشل الضيافة:
ليس من الضيف ولكن من المضيف.حاولنا وأفشلنا المخزن.
إن آلية التحول بالغة التعقيد ؛وصورتها غير واضحة تماما للجميع ؛ وهي تحبل حتى بالمفاجآت ؛ ومن هنا ضرورة التؤدة ؛وضرورة القطع مع اعتبار هذا التؤدة كيدا من المخزن .
لماذا ننسى درس محمد الخامس ,وكأنه حدث فعلا في القمر؟
« أغورا « للحزب الحاكم:
لقد استغرب الكثيرون مقالات متتالية- لي ولغيري- في النقد السياسي للحزب الحاكم , ومن معه؛وتساءل البعض :وأين كنتم سابقا؟ وما رأيكم في الحكومات السابقة؟
نسي هؤلاء ؛ وهم غالبا محسوبون على جانب عصبة الحزب ,التي لم تهذب السياسة طباعها بعد؛ ولم تصقلها ممارسة الشأن الوطني العام ؛أو ممارسة المخزنية ؛ وهي ما يدخلها ,بالضرورة الى « الأغورا » المغربية التي بدأت تتشكل وتترسخ كنتيجة لدينامية التحول العادية والاستثنائية.وكنتيجة أيضا للثورة الرقمية التي لا حت مقدماتها فقط.
شخصيا أعذر هذه العصبة لأنها –ولضعف في الخطاب الحزبي العام وليس العدالي فقط- لم تؤطر الا للتهليل للزعماء ؛وليس مشاركتهم في تدبير الحكم ؛بالنقد البناء. وماداموا لم يؤهلوا لانتقاد زعمائهم فهم يعترضون ,تلقائيا ,على أي نقد يتردد صداه في « الأغورا » ؛وبسرعة يصبح الناقد مغرضا حاقدا ,متهما في طويته وعلانيته.
هذا يظهر حاجة حقيقة الى فكر سياسي عام يؤطر النقد السياسي المقوم لعمل حكومة عابرة ,تعقبها أخرى.
ان الحكومة الحالية في أمس الحاجة الى هذا النقد لأنها تشتغل في ظرف وطني ودولي صعب:
من حيث مطالب ملكية شابة في سباق مع الزمن للارتقاء بالوطن- ديمقراطيا ,وتنمويا- الى مصاف جيرانه من الأوروبيين.ومن هنا الدخول في مشاريع »هرقلية » كبرى.
لا أحد يجادل اليوم في لهفتي الحسن الأول , ومحمد الرابع ,على اللحاق بالأمم المتقدمة ؛ولا أحد ينكر أن فشل مشروعهما كان بسبب شعب متخلف لم يستسغ حتى طرابيش أوروبا ؛فكيف يقبل بآلاتها؟.اقرؤوا وثائق المرحوم محمد المنوني؛في » مظاهر يقظة المغرب الحديث » وستتأكدون من هذا.
تحدو محمد السادس اليوم نفس اللهفة ,وأتمنى ألا تقرأ الأجيال مستقبلا – لمنوني آخر- أن المواطنين لم يكونوا في مستوى ملكهم.
من حيث سقف انتظارات رفع الحزب الحاكم , بنفسه,أركانه ؛كما يفعل حكام الخليج مع أبراجهم ؛ولا يفهم المواطنون لِم يحاول الآن أن يخفي برجا ينتصب عاليا ؛ ويرى من كل جهات الوطن.
ومن حيث طفرة مطلبية شبابية ؛مادية ومعنوية ؛وصولا الى المطالبة بحريات تقيس على الخارج وليس الداخل.
إننا لا نستورد حب « البارصا » فقط ؛بل نستورده ببرصه. لماذا نصدم بالثانية فقط؟
ومن حيث تدبير أزمة مالية عالمية ؛تأكدنا أخيرا أنها قاب قوسين من شواطئنا ,ان لم تكن تسبح فيها فعلا؛بل فتح لنا –دوليا- حساب الأزمة.
وعليه لا بد للفكر السياسي الأكاديمي ,ولسليله النقد السياسي, أن ينزلا الى الميدان ؛ وليعلم الجميع أن العصبة ستقتنع بألا أحد يريد لها ضررا ؛شريطة أن لا تحفر بئرا لصرح يستحيل إخفاؤه. سيتعلم الأولاد أن المغرب أكبر منهم جميعا.
ان التحدي كبير ,وستتكسر دونه أسنان حكومات أخرى قبل أن نصل الى رفع صرح المواطنة الكاملة.
دروس أثينا:
حتى لا أهدي التمر الى هجر, لن أحدث عصبة العدالة والتنمية عن دروس مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم:دروس أصول التدبير النبوي لدولة إسلامية في طور التشكل ؛لكن لا بأس من الإشارة الى أنه تدبير محكم, ومسنود,و لا قبل للحزب-وهو الإسلامي- به. يبدوا هذا مفارقا لكنه الواقع ؛وأدلي هنا بما بدأ يظهر على رئيس الحكومة الحالية من وهن ,ونية في هدم الصرح الذي أقامه بنفسه.
لقد قَدِم المصطفى على يثرب مهاجرا, ماشيا على قدميه؛ صَدْيانَ ,غَرْثانَ ومستضعفا؛ وشرع ,للتو,في إتمام الدعوة وبناء الدولة ؛وهو لا يكل ولا يضعف ولا يتراجع إلى أن أكملهما معا :الدين والدولة.
لم يلتفت الى الشمس اذ وضعت في يمينه ؛ولا الى القمر في شماله ؛ولا الى ملك يملكه .وكانت آخر صورة,لصحابته, اختزنتها ذاكرته ؛وهو يلتحق بالرفيق الأعلى ,هي صلاة جماعية أسند,واقفا محموما , حتى يراها ؛وهو غير قادر على إمامتها. ابتسم وغادر لأن رسالته انتهت؛بالكيفية التي يسرها الله له. يا لروعة الصورة ؛صورة الوداع بعد حجة الوداع.
أين نحن من هذا و الرجل ينهار وهو لم يشرع بعد في الولاية التي ولاه إياها المغاربة. لا مجال للمقارنة نعم ؛لكن لو ولينا أضعف رجل من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم لما فضحنا بهذه الكيفية.
لا يكفي أن تقولوا بأنكم بمرجعية إسلامية لتكونوا كذلك ؛اتقوا الله في أنفسكم فدونكم وإياها خرط القتاد.
عفا الله عما سلف ؛فهو ريع متعتم به ذات زمن وكفى.هذه قناعتي لأن أمير المؤمنين لا يمكن أن يفضل مؤمنا على آخر. لم يفعلها الرسول اذ اعتبر أن الجميع سواسية كأسنان المشط.
إذن لنيمم – والحالة هذه- شطر أثينا عسانا نقوى على دروسها ؛ونتفيأ ظلها مشفقين على أنفسنا من حر مكة ويثرب..
:L’agora
معماريا ,هي ساحة كبرى في اثينا ؛قلب المدينة المؤثث بمؤسسات ؛يحكم الشعب نفسه بنفسه من خلالها.لا حاكم فقط ,ولا محكوم فقط. (كلشي مخزن). تحقق هذا بعد أزمات خطيرة عاشها المجتمع اليوناني القديم؛كان الرجل يستعبد اذا لم يف بدين له…ثم كثر العبيد والفقراء وثاروا حتى على الألهة.
وقيمة الأغورا ليست في المعمار, طبعا؛ بل في كونها مدار حياة الأثينيين ,ورمز حضارتهم .من هنا قول أرسطو بأن البرابرة لا حضارة لهم لأنهم لا يتوفرون على » الأغورا ». (يعرف عصيد أنها لا تعني الأمازيع).
لندخل هذه » الأغورا »: لنسأل أول جماعة تخوض في نقاش فلسفي ,وهي ماشية ؛دون أن تنزعج بجماعة أخرى تخوض في نقاش حاد موضوعه ثمن السمك في هذا اليوم.
نسأل: من أنتم؟ نحن مواطنون إغريق؛ كلنا ما فوق العشرين عمرا.
ما سبب ترككم لأعمالكم في هذا الصباح؟ أوَترانا لا نعمل الآن. نحن نمارس عمل السياسة؛أما عمل الحقول فهو للعبيد؛ وهم متاع لنا فقط وغير مواطنين. والنساء؟ هن كذلك غير معنيات بسياسة المدينة.مرحبا بك ,من حقك المشاركة.
لتكون مواطنا تدخل الأغورا – كما تحلل ذلك « هاناه أريندت »- يجب أن تكون مالكا لمال أو أراضي؛ولعبيد يخدمونك ؛ولمنزل تمارس فيه حياتك الخاصة: » الاِدْيون » باليونانية.
بعد تحقق هذه الشروط يكون من حقك قضاء سحابة يومك في الأغورا – وحتى ليلك ان أردت لوجود مداومة-
حيث تمارس الحياة العامة » لكْوانون » .تمارسها بناء على حقوق متساوية بين الجميع ؛على رأسها الحق في الكلام.
نسأل: ألا تتضايقون من ازدحامكم هنا كل يوم ؛وبعضكم يصرخ في وجه البعض؟ تجيب الجماعة ,دفعة واحدة:
لا حياة للمواطنين الخلص إلا جماعات مع بعضهم البعض. وهذه النقاشات التي لاتنتهي؟ لأن دفق الحياة لا ينتهي ,وحل مشاكل المدينة يولد مشاكل جديدة ؛والنقاش يستدعي النقاش ؛والشبكات الاجتماعية تستدعي شبكات أخرى.وصديق صديقي يصبح صديقي وهكذا…
ومن يُدون ؟ ومن يُقرر؟
ألا ترى أولائك في عل ؟ إنهم المشرعون و الكتبة ؛يدونون كل ما تم الاتفاق حوله؛ ثم يتخطفه المكلفون بالإعلام لتعليقه في كل ساحات أثينا.
هل قرأت ماعلق البارحة؟ لقد تقرر إحداث تعويض لممثلي الأحياء من التجار الذين يحضرون الى الأغورا ؛جبرا لما يلحقه الغياب من خسارة تجارية لهم.
من قرر هذا ؟ هم قرروا لأنهم أقنعوا الجميع بضررهم.
كل مؤسسات » الديموقراطوس » موجودة عندنا في الأغورا ؛واياك أن تعتقد أن الأمر فوضى .لا فوضى حينما يصرخ الشعب مناقشا قضاياه. ولا يصرخ الشعب إلا في وجه الشعب.
يلتفت إلي صديقي: لقد فضحتنا , بأسئلتك,مع ساكنة أثينا في القرن السادس قبل الميلاد.
عد بنا الى بنكيران « ديالنا » فهو الوحيد الذي يصرخ اليوم. أوتراه يصرخ فعلا كمواطن أثينا؟
الله أعلم بسريرته.
المهم أن نؤسس في المغرب هذه الأغورا الأثينية ؛لقد أعجبتني.
Ramdane3@gmail.com
Ramdane3.ahlablog.com
Aucun commentaire