معضلة التشغيل بين الحلول التقليدية والبحث عن حلول إبداعية جديدة
في مقاربتنا لمعضلة التشغيل نميل الأكثر إلى البحث عن من يتحمل المسؤولية بدل محاول البحث عن فتح مسالك للتفكير لإيجاد حلول عملية وواقعية. فمن المعروف أن أغلب الباحثين عن الشغل في المغرب يبحثون عنه في القطاع العام وذلك لا لسبب إلا لأنهم يثقون في القطاع العام. ومما لا يخفى على أحد أن القطاع العام لم يعد يستطيع استيعاب الآلاف من الشباب الذين يخرجون كل سنة للبحث عن الشغل؛ وهذا المشكل تعرفه كل دول العالم بدون استثناء. والنتيجة إذن هي أن الدولة وحدها لا يمكن لها أن تتحمل كل المسؤولية لأنه وبكل بساطة لا يمكنها تحمل ما لا طاقة لها به.
فنلاحظ إذن أن الباحثين عن الشغل في المغرب لا يثقون في القطاع الخاص وذلك راجع لأسباب موضوعية: عدم الالتزام بالحقوق الاجتماعية للشغيلة ، التملص الضريبي ، الخ.
من جهة أخرى نلاحظ أن أغلبية المغاربة في الخارج يشتغل في القطاع الخاص ، وهذا أمر يدفعنا للتساؤل : كيف أن المغاربة في بلدان أخرى يعملون في القطاع الخاص بينما في بلدهم يرفضون ذلك بل يقبلون مآسي البطالة على أن يشتغلوا في القطاع الخاص ؟ إنه لأمر محير في أول وهلة. وبما أننا نعرف القطاع الخاص في الخارج باحترامه لحقوق الشغيلة وعمله في إطار منظم وواضح وشفاف يجعلنا نتفهم كل شيء، هذا من جهة .
ومن جهة أخرى ، لا يخفى على أحد أن نسبة مهمة من اقتصادنا الوطني يمثلها القطاع غير المنظم ،حيث أن نسبة كبيرة من الاقتصاد المغربي يعمل في الظل؛ وهذا يطرح مشكلة أن القطاع المنظم يقاوم لكي لا يذهب هو الآخر إلى اقتصاد الظل. مثال الباعة الذين يبيعون أمام المحلات التجارية والذي يدفع التجار إلى العمل بالمثل، معروف لدى الجميع.
فعدد المقاولات المواطنة تبقى قليلة بالمقارنة مع عدد المقاولات الموجودة؛ ومفهوم المقاولة المواطنة مازال يبدو غريبا على الثقافة المقاولاتية المغربية. فأصبحت منافسة المقاولات « الفوضوية » تغير كل قواعد السوق مع سكوت السلطات القطاعية ، زد على ذلك ثقافة الريع التي مازالت موجودة بقوة والتي لا تساعد عمل المقاولات الصغيرة في شفافية تامة. فما العمل؟
بما أن القطاع الحر خيار لا بديل له، فها نحن نتساءل عن أي مقاول أعددنا : فهل جامعاتنا وثانوياتنا ومعاهدنا تكون و تؤهل شبابنا و أولادنا لخلق مقاولات ناجحة ؟
فكما أننا في حاجة إلى دعم المقاولين الشباب في كل جهة وفي كل إقليم وذلك بنهج سياسة القرب مع خلق مشاتل مختصة، ووضع التسهيلات الجبائية في السنوات الأولى شيء لامفر منه بل هو استثمار على المدى المتوسط و البعيد. فإننا كذلك في حاجة اليوم لحل معضلة التشغيل، إلى البحث عن حلول إبداعية جديدة بدل الاقتصار على الحلول التقليدية التي لم تعد تجدي نفعا.
فمثلا وأمام معضلة التهريب أقترح التفكير في ضرورة تنظيم التهريب وإدماجه في الاقتصاد الوطني لا محاربته ورفضه ، حيث أن الكل يعلم أنه يوفر آلاف المناصب من الشغل. فقبوله يعني احتواءه وبالتالي معرفته ثم التحكم فيه والاستفادة منه بدل من أنه يخرج تماما عن سيطرة الدولة، مما يضيع على الدولة مداخيل ويعرضها لمخاطر أمنية هي في غنى عنها.
المثال الثاني الذي اخترته للتفكير فيه هو: ظاهرة « الفراشة » ، والتي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل يثير الانتباه، حيث اتضح أن محاربتها أصبح صعبا نظرا لتوفيرها لفرص للشغل لشريحة اجتماعية واسعة تعاني من الفقر والبطالة، لكن أستغرب كيف أنه لم يتعامل معها بطريقة ايجابية بحيث تتدخل الجماعات المحلية المعنية وتنظم ذلك وتضع مواقيت عرض السلع بحيث تغلق الطريق أمام السيارات وتتركها للراجلين فقط من الساعة أ إلى الساعة ب مع توفير مدار طرقي لتجنب السوق. كما أن السوق يمكن أن يكون متنقلا أي من مكان إلى آخر وهذا سيمكن من تعزيز مداخيل الجماعة عن كل مكان مرقم ، كما هو جار به العمل في بعض مدن فرنسا وفي دول أخرى أوروبية.
وأخيرا أريد الإشارة إلى أن أكبر خزان للتشغيل هو المقاولات الصغيرة جدا والتي تمثل حاليا قرابة 90% من المقاولات المغربية.
فالتشغيل الذاتي أصبح ضرورة ملحة، رغم أن هذا يتطلب تحولا سوسيولوجيا في ثقافتنا، وهذا متغير جديد لو وجد كل الظروف الملائمة لأمكن فعله بكل سهولة؛ فالمغاربة استطاعوا أن يتأقلموا في أوطان بعيدة كل البعد عن وطنهم ونجحوا في ذلك.
لهذا فأنا واثق في ذكاء المغاربة شرط أن يشتغلوا على ذلك ويشغلوا كل الكفاءات الوطنية وأصحاب المواهب في ظل الاستقرار الذي ينعم به بلدنا العزيز.
زكرياء صفراوي
Aucun commentaire