القضية الكبرى
القضية الكبرى
إلى الأخ العزيز الاستاذ الكريم مخمد الشركي الذي اكن له كل التقدير و الاحترام
لا يختلف عاقلان ان قضية التعليم في بلادنا لم تعد اقل الحاحا و حدة من قضايا القوت اليومي و الغلاء و الاسكان و المواصلات , وغيرها مما يشد برقاب التاس الى حد الاختناق.
و اذا كانت قضايا الناس تاخد اشكالا مختلفة و متنوعة فانها في قضايا التعليم تصل الى حد الهوس في بعض المواسم و شهور السنة , مثل مواسم الامتحانات و .النتائج حيث يهيمن على الاولياء
و الأبناء أنواع من الهلع والذعر المقيم
و من البديهي أن الكثير من هذه المشكلات ، و خاصة مشكلة التعليم ليست مما ينفرد به بلد بعينه ،بل هي قاسم مشترك تتقاسمه معظم البلدان النامية و المتخلفة ، ولعلها تتعداها لتشمل في بعض جوانبها أكثر البلدان تقدما.
ولكن وجه الخطورة أن المشكلة في بلادنا تكتسب أكثر فأكثر طابع الشمول و الحدة، بعد أن تحولت إلى عبء لا يحتمل على الأعصاب و الأموال تنوء تحت ثقله الطبقات الفقيرة بوجه الخصوص و قسم كبير من الشعب العامل.. هذا على الأقل ، و إذا أغضينا الطرف و أخرجنا من الحساب فئات الأميين و اشباههم في أدنى السلم الإجتماعي ،ممن لا تشملهم خدمة تعليمية أو ثقافية من أي نوع. ومع ذلك تختفي الجذور العميقة و الأبعاد الحقيقية للقضية وراء كم هائل من صور المعاناة، و الظواهر والمشاكل والقضايا التي تبدو جزئية : ابتداء ا من تكدس الفصول ، والعجز الشديد في هيئات التدريس الناتج عن المغادرة الطوعية، والتدهور في مستوى الخدمة التعليمية والثقافية و هبوط التوعية ومستوى الأداء وصولا إلى تفشي ظواهر التسرب والدروس الخصوصية.
و بالرغم من كل مايكتب او ما ينادى به من أجل معالجة قضية التعليم ببلادنا تثبت الإقتراحات و الحلول عدم جدواها في وقف التدهور وتفاقم السوء ، وتبدو الأمور كلها و كأنما بها تسير في طريق مسدود.
ومن الطبيعي أن تحتل القضية الكبرى في مجموعها هذا المكان البارز من اهتمام شعبنا لأنها تتعلق بالخطر المتعاظم الذي يتهدد معنويات هذا الشعب و قيمه ووعيه وتطلعاته نحو المستقبل.
ولكننا نقع في خطأ كبير لو وقفنا بقضية التعليم في بلادنا عند الحدود الضيقة للمشكلات التعليمية، مثل مشكلات النجاح و الرسوب او مشكلات الكم و الكيف ، لأن القضية في بعدها الحقيقي قضية حضارية و إنسانية أكثر شمولا هي الإجابة على السؤال الملح على الجميع : هل ننتمي إلى هذا العصر حقيقة ؟ أم تتقاذفنا رياح النكوص إلى الوراء ؟ وهل نعد بالفعل للمستقبل ، أم أننا نلوي أعناقنا ونتراجع في هذا السباق الكبير الذي يلهب ظهر كوكبنا ، سباق العلم و التكنولوجيا ؟ و الثورات المعرفية والعلمية والإجتماعية ؟ وهل تقديم حلول لمشكلاتنا التعليمية هي من باب المسكنات و الرؤى القصيرة والقاصرة، أم هي جزء من استراتيجية حضارية شاملة ؟ أو بتعبير آخر تصور شامل ومتكامل للمسار الإجتماعي الإقتصادي السياسي والفكري الثقافي ؟ تلك هي القضية الكبرى..
حينها فقط يكون للحلول القصيرة والجزئية مفعولها وجدواها. فالثقافة والتعليم نسيج حضاري متكامل تشد خيوطه و أطرافه بعضها بعضا، و أي خطة جادة للتنمية والتقدم هي مجموعة متكاملة من المفاهيم و التصورات ونظام شامل بالضرورة في الإقتصاد والسياسة والثقافة وإلا كان محكوما عليه بالفشل ، ومن هنا تأتي أهمية التحديد و الوضوح في الأفكار والمفاهيم المتعلقة بالتنمية والتقدم. فما أسهل فقدان الإتجاه، وتبديد الجهد والمال.. وأشد منها خطرا مشاعر الإحباط والعجز أمام المشكلات.
حسن دنيني
Aucun commentaire