Home»Régional»وجوه طنجة…

وجوه طنجة…

1
Shares
PinterestGoogle+



العديد من مشاهير الكتاب الذين عبروا طنجة، سواء أقاموا فيها أو تسكعوا وانصرفوا، جنحوا في كتاباتهم إلى تشبيه طنجة بجانوس Janus [إله الأبواب و المداخل و البدايات، في الميتولوجيا الرومانية. إله بوجهين، الواحد في تجاه معاكس للآخر]. وبغض النظر عن اختلاف خلفيات وزاوية نظر هؤلاء فإن عين الدهشة، التي يخصبها تاريخ طنجة العريق و سمو موقعها الجغرافي، لم تحل دون التقاطهم بالمهارة المطلوبة الخفي من وجوهها التي تصبح مألوفة عند ساكنتها. فلقد استطاع كل حسب هواه أن يجد في عالمها المتغير مصدر البهجة والتألق ومادة لإرضاء فضوله وموضوعا لإبراز وجوهها العديدة في مقابل وجوهها المدوية. فكانت طنجة بالنسبة إليهم أرض التضاد، في الوقت نفسه مادية وروحانية، فاخرة ومنفرة، غامضة وساطعة، يمتزج فيها الأفضل بالأسوأ و تتجاور فيها الحداثة الأكثر جلاء بالتقليد الأكثر تخلفا. ومن ثم كان وجه الشبه بين جانوس وطنجة هي الوجوه العديدة و المفارقة التي تختفي وراء زرقة طنجة الساطعة وجمال مناظرها الطبيعية و سكينة آفاقها. الرسام الفرنسي أوجين دولاكروا عند زيارته لطنجة في القرن التاسع عشر و بعد اجتيازه المدينة أحس بالتيه بكل ما رأى من الألوان الباذخة و النيرة… و قال: يلزمني امتلاك عشرين يدا لأعطي فكرة عن كل هذا

بين اليوم و الأمس لم يتبق من طنجة سوى وجوهها المفارقة. حتى الذين عاشوا و ذاقوا عذوبة الحياة في أزمنة طنجة الزاهية لم يعد باستطاعتهم التباهي بذلك. طنجة أصبحت اليوم مرآة تتلاطم فيها الوجوه. إنها اليوم تتوفر فيها كل العوامل الكفيلة بطمس أجمل الوجوه الحضرية والحضارية لمدينة ما. فوجوه طنجة المشرقة اليوم تدخل في سبات عميق كذاك الذي تركن إليه مجالسها بين فترة انتخابية و أخرى.
نبرة الحسرة و التأسف على المدينة العالية التي تملأ أحاديث الطنجيين عن نظافة مدينتهم ومساحاتها الخضراء سابقا لا يضاهيها إلا ابتهاج عقارييها بصناديقهم الإسمنتية الفاخرة التي يصر أصحابها على أنها فاخرة إلى درجة يعمدون فيها إلى تعليق لافتات بخط بارز جدا تؤكد ذلك. بعض من يطغى على مزاجه الفكه و المرح لا يتوانى بنعت هؤلاء المنعشين بالوجبات السريعة التي أنتجتها العولمة، و التي أضحت محلاتها تتناسل كالفطريات، فكم من واحد و بقدرة قادر أصبح منعشا عقاريا في خمسة أيام بدون معلم. لكن البعض هنا لا يتفق مع الاسم الذي اختاره هؤلاء للدور الذي يقومون به. تناقض صارخ وغير مقبول أن ينعش المرء مدينة ويعقرها في نفس الوقت، لكنه تناقض منطقي و وجه حقيقي جدا من وجوه طنجة.
في طنجة اليوم وحدهم الموتى من كل الأجناس والأديان لا زالوا يحرسون ما تبقى من أراض خضراء لقد غابت الألوان الطبيعية لتحل محلها صناديق لجمع القمامة و حافلات بنفس اللون أيضا. بعض مداخل المساجد و الإدارات العمومية تحولت ساحاتها الصغيرة المعشوشبة إلى فضاء يركض فيه الأطفال و تتبادل في أرجاءه الأمهات اللغو. مدخل مسجد محمد الخامس رغم صغره يبقى خير دليل على أن الأطفال و النساء و الشيوخ لم يعد لهم من متنفس سوى المداخل والأبواب والعتبات وأنه لازالت لديهم روح تعشق الأماكن الفسيحة والخضراء. لجوء وزارة الثقافة إلى تصنيف بعض المباني و المنشئات كمعلمات تاريخية دليل آخر على أن القطع الخضراء قد نفذت بطنجة و أن عيون المنعشين بدأت تتجه نحو المنشئات العتيقة رغبة في إنعاشها.
أما الجهات التي فوض إليها تدبير أمر جمع النفايات في طنجة فقد أفلحت في تحويل دروبها وشوارعها إلى مزبلة كبرى. وبجانب كبير من المهارة أفلحت أيضا في تذويب العداوة التاريخية بين كل من القطط و الفئران من جهة و بين الكلاب والقطط من جهة أخرى. وأصبحت صناديق القمامة الخضراء مرتعا للتعايش والتساكن بين الأعداء. ساكنة طنجة ألفت مشهد الأزبال وروائحها التي تزكم الأنوف لدرجة يكاد يصبح مشهدا طبيعيا لولا تدخل الجهات الصحية التي تنثر مسحوقا ابيض حول صناديق خضراء مهشمة من المفروض أن تكون بدورها داخل صناديق قمامة. و يمكن لأي احد في طنجة و لو كان غريبا أن يتوصل إلى معرفة مكان المطرح العمومي للنفايات باقتفاء رائحة الأزبال التي تخلفها شاحنات الشركة الإسبانية على طول الطريق المؤدي إليها من كل نقط المدينة. الزبالة أيضا أصبحت وجها مألوفا من وجوه جانوس.
الخدمات التي تقدمها شركة إسبانية أخرى للنقل الحضري بحافلاتها الخضراء النفاثة قزمت حجم طنجة، وأصبحت من أنجع الوسائل لفك العزلة عن المدار القروي وفك ضلوع راكبيها من المسنين والمسنات. وسيلة مواصلات يحتاج مستعملها لتمارين رياضية قبل امتطائها. أن تمتطي هذا النوع من الكائنات الحديدية الخضراء يعني أن تكون لك القدرة العالية على ضبط التوازن عند الصعود والنزول وعند السير والفرملة المفاجئة، وأن تنقاد لمزاج قائدها الذي يتفضل باختيار المحطة المناسبة للنزول والأشرطة الغنائية الملائمة لضبط الجسد كي لا يتجاذب في كل الاتجاهات إلا على إيقاع مضبوط. ولكي لا يصاب المرء أيضا بالغثيان طيلة ا لرحلة. الشركة الفرنسية التي تبيع ساكنة طنجة الماء والكهرباء وتهتم بتطهير مختلف أنواع السوائل، بدورها فطنت منذ البداية إلى كون هذه الساكنة أشد الناس محبة للسهر وأغلب الناس فيها ليليون فاغتنمت الفرصة لتقدم لهم في منتصف كل شهر فاتورات استهلاك تحمل أرقاما خيالية بحجم أحلامهم الكبيرة. وبناء على ذلك فقد فكر الطنجيون أكثر من مرة في الاستغناء عن خدمات الشركة ليلا والسهر على ضوء الشموع، الأمر الذي لم يثن الشركة عن التمادي في أحلامها الخيالية المجنحة.
رغم كل هذا الترهل الذي أصاب عروس الشمال فلا زالت لحسن الحظ على عهدها لا تدير وجوهها لوافد. وستبقى مقفزا للخلاص ومقصدا منشودا و مدينة مثالية للقراصنة و تجار المناسبات و قناصي الفرص ومحطة عبور دائمة للبؤساء الحالمين بالانتقال إلى الضفة الأخرى من العالم الراقي. ومرفأ أخيرا لأطفال الشوارع والمشردين ومحترفي التسول و الفارين من جحيم التصحر، كل إلى مسعاه يشكل وجها من وجوهها العديدة والمفارقة.

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. ع/ق وجدة
    06/07/2007 at 14:12

    بالرغم من كل مايقال تبقى طنجة دائما عروسة .كل مايجري حاليا في طنجة من اعادة تهيىء المدينة وخلق مناطق خضراء شىء جميل جدا .دكرت مسجد محمد الخامس ولم تدكر الساحة الجميلة التي ماتزال في طور الانجاز ولم تشر الى ساحة المندوبية التي غيرت وجة الجهة التي تتواجد بها . اعتقد ان طنجة فقدت قيمتها التاريخية عندما توجهت الى انشاء مقاولات صناعية تجارية لامتصاص البطالة حيث كان من الواجب توجيهها وجهة سياحية محضة . طنجة النواحي من الرميلات والجبل الكبير وغيرهما هي ما يعشقه كدلك زوار ها .

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *