عذر وزير التربية الوطنية أكبر من زلته
عذر وزير التربية الوطنية أكبر من زلته
محمد شركي
يروى أن الخليفة العباسي هارون الرشيد سأل يوما الشاعر أبا نواس عن قولهم : » عذر أكبر من الزلة » فاستمهله أبو نواس حتى جاء يوم ، فتصرف أبو نواس في حضرته بشكل أغضب الخليفة ، فقال أبو نواس : » عذرا يا أمير المؤمنين حسبتك فلانة ـ أي زوجة الرشيد ـ فثارت ثائرة الخليفة ، وكاد يبطش بالشاعر ، فبادر الشاعر بقوله : » عفوك يا أمير المؤمنين ، هذا هو معنى عذر أكبر من الزلة « ، فضحك الرشيد من شطارة الشاعر. والشاهد عندي في هذه الحكاية هو قولهم : » عذر أكبر من الزلة » فالمعروف أن الزلة جرم ، فإذا كان الاعتذار عن الجرم أكبر من الجرم نفسه ، فهذه طامة كبرى . فوزير التربية الوطنية حسب ما نشر موقع » هبة بريس » يقول أنه لم يقصد بقوله » هل خشيت أن يفقدوا وضوءهم » مخاطبا السيد رئيس المجلس العلمي المحلي بوجدة ، وقاصدا الحضور الذين حضروا جلسة المجلس الإداري لأكاديمية الجهة الشرقية الإساءة إلى السيد رئيس المجلس ،بل كان قصده المزح فقط ، فهذا هو مثال عذر أكبر من الزلة ، حيث كان من المفروض على وزير التربية الوطنية ألا يمزح في موطن الجد ، لأن المزح هو الهزل ، والذين حضروا جلسة المجلس الإداري لم يحضروا من أجل الهزل ولا من أجل الفكاهة ، بل من أجل أمر مهم يقتضي الجدية . وأكثر من ذلك هل رفع الحضور الكلفة بينهم وبين الوزير ليمزح معهم ؟ وهل رفع رئيس المجلس العلمي الكلفة بينه وبين الوزير بمزح ليرد عليه بالمثل . وحتى على افتراض أنه لم يقصد السيد رئيس المجلس العلمي بهزله ، فهل الحضور الذين قصدهم الوزير يقبلون منه هزله ؟ أم هل استخف بهم ؟ إن مشكلة الوزير هي مشكلة تواصل ، وجهل بالثقافات المحلية ، فسكان الجهة الشرقية من مميزاتهم الجدية ، وهم يستهجنون ثقافة الوزير الهزيلى ـ بضم الهاء وفتح الزاي وتضعيفها ـ فإذا كانت بعض الثقافات المحلية تستسيغ هزله ، فالجهة الشرقية تعتبر الهزل في مواطن الجد من خوارم المروءة .
أما منع وسائل الإعلام حضور الجلسة فبدعة سيئة سنها الوزير، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة . وكان على الوزير أن يسمح للإعلام بتصوير افتتاح الجلسة، ثم يطلب بطريقة مؤدبة من الصحفيين مغادرة القاعة بسبب سرية هذه الجلسة . وكان عليه عندما رحب به السيد مدير الأكاديمية أن يميز بين ترحاب الأصالة ، وترحاب النيابة ، فلأمر ما يقال في بروتوكولات الترحيب : » نرحب بفلان أصالة عن النفس ، ونيابة عن الغير » . فترحاب المطار كان أصالة ، وترحاب القاعة كان نيابة .وكان عليه أن يفتتح الجلسة بالذكر الحكيم لا بكلامه ، لأن كل كلام لا يفتتح باسم الله عز وجل ، فهو أبتر أو أقطع . وكان عليه ألا يقاطع المتدخلين احتراما لهم ، وألا يعرض بهم أو يسخر منهم ،عسى أن يكونوا خيرا منه كما جاء في الذكر الحكيم . وأعتقد أنه يحسن به أن يقدم اعتذارا واضحا وصريحا للجهة الشرقية ، وليس للسيد رئيس المجلس العلمي وحده . وأهل الجهة الشرقية قوم أبت أخلاقهم شرفا أن يؤذوا بالأذى من ليس يؤذيهم ، ولكن إذا جهل عليهم أحد جهلوا فوق جهل الجاهلين . وعلى الوزير أن يحرص على حضور دروس في الدعم الخاص ببروتوكولات الاستقبالات وحضور اللقاءات ، وأساليب اللياقة المطلوبة في مختلف المقامات التي تقتضي أنواعا من المقالات . وعلى الوزير أن يحتفظ برفع الكلفة والهزل والمزح والفكاهة مع خاصته . وأخيرا نقول لمن حاول تكذيب ما نقل في مقالات سابقة إن الشريط المسجل خير دليل على صحة ما جاء في هذه المقالات . ونختم بالقول إن لحم الفعاليات التربوية في الجهة الشرقية والوطن كافة مر المذاق ، والغضب لكرامتهم فرض كفاية ، ولكن إذا لم يقم به الجميع أثم الجميع ، ومن استغضب ولم يغضب فهو حمار ، ولا دنية في دين الإسلام .
Aucun commentaire