المفتش – فوبيا، الفصل الثاني،
المفتش ـ فوبيا(الفصل الثاني)
بقلم: نهاري امبارك، مفتش التوجيه التربوي، مكناس. بتاريخ 10 مارس 2012.
من العلموم أن المفتش يعتبر عصب المنظومة التربوية، ويتتبع نظام العمل، باسم التشريعات، ويسهر على ضبط سير مختلف العمليات والوقوف على مختلف الخروقات، المقصودة منها وغير المقصودة، من قبيل الخطأ العفوي، والتخلف اللآإرادي في ظروف قاهرة، عن حضور اجتماع معلن عنه، أو التأخر في إنجاز مقرر أو عمل لأسباب مبررة. أما الخروقات المقصودة الناتجة عن نية مبيتة، من قبيل تعمد عدم الذهاب إلى مقر العمل، وعدم التوفر على الوثاق والمراجع الداعمة للعمل، ورفض الإجابة على استفسارات التلاميذ، وتجاهل متطلباتهم اليومية، والجهل بالمعلومات المطلوبة، أو تقديم معلومات مغلوطة، تضرب مصلحة التلاميذ، أو الاستهتار والتلاعب بمشاعر التلاميذ والموظفين، أو التهجم والتلفظ بكلام بذيء أمام العموم وفي وجه التلاميذ ، أو القلق المفرط والانسحاب من عمل أو اجتماع رسمي، أو التسيب وعدم الاحتفاظ بوثائق تشهد بعمل، خصوصا إذا كان عملا جماعيا، ليتم تسجيل سلوك الاستهتار واللامبالاة، ولتبرز بجلاء مؤشرات دالة على شخصية مهزوزة، لا يمكن الائتمان إليها ووضع أمانة التربية والتعليم بين يديها، ليتم تدبر مبررات إعفاء هذه الشخصية من مهام غير أمينة عليها، إذ لا يشعر من يتعامل معها بالأمان والارتياح والخوف والاضطرابات النفسية التي تجعل المخاطب في غير مأمن، فلا هو مستفيد ولا هو مرتاح.
وقد عشنا مرارا أحداثا خارجة عن اللائق، ومن المؤسف أن تنسب لمرب لا يفتأ في ترديد اهتمامه بتربية النشئ، وسمعنا الكثري عن مثل هذه الأحداث، التي لا يمكن وصفها إلا بالمؤلمة حين يشاهد التلاميذ والموظفون مدرسا يقفز على نافذة بمجرد اشتمامه قدوم مفتش المادة.
إن هذا الحدث وأمثاله، يعود بنا إلى البدء، إلى الخوف والارتجاف والرعشة وفقدان الأعصاب لدى من سمع بقدوم المفتش، والمفتش لا زال لم يضع، بعد، قدميه أمام هذا الشخص، ولم يجر بينهما أي حديث، ولم يتم نقاش لا ذو طبيعة عامة ولا ذو طبيعة خاصة، لا حول المناخ ولا حول الدرس ومحتوياته وسيرورته، ولا حول البرنامج ولا حول التقرير، لا حول الدعائم الإعلامية ولا حول طبيعة استعمالها وأهدافها.
لذا فالهروب من المفتش مسبقا دون مقدمات ولا حديث ولا كلام ، ينبع لا محالة من خلفيات متجدرة في عمق حفريات ذكريات أليمة، فعلت فعلتها، وتركت من الآثار ما يخدش الفكر والتاريخ، وله علاقة بكل تأكيد بترسبات تهز المشاعر وتخفق لها الأحاسيس، حتى إن الأسئلة التالية تبدو مشروعة، وتنتظر أجوبة حقيقية وصريحة: ما هي الأسباب والدوافع الحقيقية لدى الموظف للتهرب من المفتش ورفض قيامه بعمله المنوط به تشريعا قبل أن يزوره؟
هذا السؤال يجرنا حتما إلى جواب وحيد ودن أدنى شك، أنه لولا الخلفيات السيئة والتسيب وإهمال العمل وإتلاف مصالح التلاميذ لابتهج الموظف عند سماعه قدوم المفتش، ولاستقبله بحفاوة وأدب وبشاشة، ولطرح معه وجهات نظره، ولناقش معه طرائق عمله والنتائج المتوصل إليها، ودرجات استيعاب التلاميذ مختلف المحتويات، والحالات التي تمت معالجتها، والتلاميذ الذين أفلحوا في بلورة مشاريعهم الشخصية، والتلاميذ الذين عبروا عن رغباتهم منها العادية والخاصة.
وأخيرا وليس أخرا، فكل مفتش يستحضر ضميره، ويقدر مسئولياته، فيثمن الكفاءات والمخلصين ويبخس الاستهتارات والمتلاعبين. ولكل موظف حضاري شعر بحيف في حقه يستعمل الوسائل القانونية لاسترداد حقوقه، بانتهاج مساطر وقوانين مشروعة، دون الالتجاء إلى أساليب بائدة أكل الدهر عليها وشرب تعود على صاحبها بندامة ووبال.
نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس.
Aucun commentaire