نحو اشتغال جديد للمعارضة
رمضان مصباح الإدريسي
تقديم:
انتهيت في الموضوع السابق »قلوب ثلاثة؛بنبض واحد » إلى أن الفساد « آجام
بها أسود » ؛وأن محاربته لا تتأتى إلا من داخل المؤسسات, ولثلاثة قلوب
متناغمة؛ يشد بعضها بعضا؛كالقلب الواحد المرصوص:
قلب الشعب – قلب الملك – قلب الحكومة.
وقد فكرت وقتها في المعارضة ,فبدت لي أكثر من مجرد قلب
بين القلوب ,ينسج على منوال سبق ؛فما هكذا أراد المشرع.
من المفهوم الجديد للسلطة إلى المفهوم الجديد للمعارضة:
إن مشروعية المعارضة مستمدة من الفصل العاشر من الدستور؛الذي يضمن لها حقوقا وظيفية منها:
« – حرية الرأي والتعبير والاجتماع ؛
– الاستفادة من التمويل العمومي، وفق مقتضيات القانون ؛
– المشاركة الفعلية في مسطرة التشريع.
– المشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي.
– المساهمة في اقتراح وانتخاب الأعضاء المترشحين لعضوية المحكمة الدستورية؛
– تمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان ؛
– رئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب ؛
– المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية.
– المساهمة في تأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور ؛
– الحق في ممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا وجهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور ؛
يجب على فرق المعارضة المساهمة في العمل البرلماني بكيفية فعالة وبناءة. »
لا شك أن المشرع ,,وهو يرسم هذه الحقوق , استحضر الاشتغالات السابقة للمعارضات ؛كما توالت في البرلمان؛ وسجل عليها قصورا ,ذاتيا أو موضوعيا, سعى إلى تجاوزه في هذا الفصل.
وإذا كانت المعارضة ,سابقا, تعاني من ضيق هامش الحركة ؛أو على الأقل كانت تتذرع بمثل هذا الحجاج ,لتبرير تقصيرها ,فهي اليوم محرجة فعلا ,ومضيق عليها ؛لكن في اتجاه حملها- إلزاما- على
الفعل الدينامي المنتظر منها ؛ما دامت كل شروطه الموضوعية متوفرة.
ويبدو جليا الآن أن هيكلة المعارضة ,داخل مجلس النواب- أفقيا وعموديا- غدت أمرا حيويا لممارسة أدوارها الدستورية ؛وهي أدوار تقطع مع الارتجال السابق ؛حيث يصعد النائب إلى المنصة ليطرد الكرى عن جفنيه أولا ؛وليطرح آخر سؤال حلم به ,أو ذكره به شيء ما ,بدا له من نافذة القطار؛وليجيبه وزير متثائب ,أو ضاحك,يعرف ما في رأس الجمل. وأنا هنا لا أنكر جهود النواب الجادين.
*كم من حزب اهتم بهيكلة فريقه ,داخل مجلس النواب,لممارسة المفهوم الجديد للمعارضة؟
*كم من حزب انتبه إلى أن ممارسة هذه المعارضة الدستورية تقتضي هيكلة روافده في الجهات والأقاليم لتراقب تدبير الشأن العام المحلي ,وفق آلية مضبوطة ,تغطي كل القطاعات.
*كم أيام حزبية تأطيرية نظمت للتمرن على المعارضة الجديدة؟
لا بد أن أثني هنا على نائب برلماني,في مدينة وجدة؛شكل فريقا من عشرة شبان,لمتابعة الشأن المحلي. وقد التزم بأن يوزع بينهم,شهريا, راتبه النيابي.
أسلوب مبتكر لتشغيل الشباب,وللتربية السياسية الميدانية ؛ولتأسيس بنك أفكار, يستثمر في المعارضة.نعم إن هذا النائب ميسور؛ لكنه ليس الميسور الوحيد في البرلمان.
من شأن هذه البرلمانات المصغرة ,الخاصة بكل نائب في المعارضة, وحتى في المساندة- ولو دون العشرة,وبنسبة من الراتب وليس كله-أن تعطي دفعة قوية للعمل النيابي ,وبالتالي للعمل الحكومي ؛في الوقت الذي تشيع فيه التربية السياسية ,وتدعم سوق الشغل؛كما تنفي عن النائب المحترم مظنة استهداف
الريع النيابي فقط.
المعارضة المنتصبة للحكم:
هي حكومة الظل ؛إن كان ولا بد من هذا المصطلح ؛لكني أسحب منه تظليله الذي يعجب السياسة السياسية
ومريديها؛والذي يبرر به بعض الوزراء الفاشلين فشلهم.
حكومة الظل في الديمقراطيات الراسخة ؛فرض عين على كل حزب يطمح إلى السلطة ؛حتى ولو كان في نيته أن يقطع كلية مع الممارسة الحكومية التي يعارضها؛شريطة احترام الدستور والمنهجية الديمقراطية.
عندنا مثال اليمين الفرنسي المتطرف ؛وهو يبدو اليوم- بفعل الأزمة المالية- أقرب إلى تحقيق مشروعه العنصري. كل ملفاته جاهزة .
عندنا أحزاب في المعارضة يمكن أن تشكل ,بمفردها,أو مجتمعة,حكومة ظل :يختص فيها كل برلماني بالمتابعة الدقيقة للقطاع الحكومي الذي ينصب فيه وزير ظل؛هو أو غيره من كفاءات الحزب.
حتى لا يجمع ملاحظاته وأسئلته ,من الجرائد ؛إن لم يكن من نوافذ سيارته,أو أحاديث أصدقائه.
تصوروا أن تكون هذه الحكومة الظلية – واحدة أو متعددة داخل البرلمان- معززة بالبرلمانات المصغرة في الجهات ؛وهي بمثابات مصالح خارجية لها ؛ألا تشكل رقابة حقيقية ,وميدانية للحكومة.رقابة لا تطرح السؤال فقط ,بل البديل الأمثل لتدبير الحكومة ؛في هذا القطاع أو ذاك.
في وجود مثل هذه البرلمانات هل سيكون وزير التربية الوطنية, الحالي, بحاجة إلى مجالسة تمثيلية نقابية إقليمية ,بتاونات؛ضدا على الأجهزة المركزية لنفس النقابة.
في كل موسم انتخابي نتحدث عن برامج الأحزاب؛كما تتحدث الأسر عن لوازم البحر,مقدم كل صيف.
تنتهي الانتخابات, وينسى كل وزير برنامج حزبه,وحتى تصريح الحكومة ,ليواصل العمل بما عمل به سلفه في القطاع.
ينصب عليه- وان كارها- وزراء من عتاة الإداريين المتمرسين بالشأن الموكول إليه.وهلم خضوعا
و » فورمتاجا » لكل أقراصه الصلبة.
وزير الظل ,حينما يخرج إلى النور ,يعرف تفاصيل الجهاز الهضمي لوزارته:يعرف من أين الغثيان ,ومن أين الإسهال ,ومن أين مجرد »الحرقة ».
حينما شكل المرحوم الحسن الثاني لجنة لإصلاح التعليم –قبل لجنة الميثاق- وفسح فيها المجال لجميع الأحزاب؛سألت برلمانيا صديقا من الاتحاد الاشتراكي؛وكنت وقتها مفتشا منسقا في إحدى الأكاديميات:
هل لديكم تصور حزبي, مؤسس ,وسابق,لما ستقترحونه داخل اللجنة ؟أجابني بالنفي القاطع, وطلب مني أن أزوده ببعض الاقتراحات.لاخير في حزب لا تكون كل ملفاته جاهزة ومحينة.
لما غض الملك الطرف عن عمل هذه اللجنة,وفوض الأمر للمرحوم مزيان بلفقيه ؛كنت من الذين فهموا بسرعة السبب.
في قطاع التربية –كما سائر القطاعات- لا يمكن أن ينجح غير وزير ظل متتبع لكل الملفات والتفاصيل.
لا يمكن لوزير يلقى, بالمظلة , فوق سطح الوزارة- في آخر لحظة- أن يكون أكثر من مستمع مهذب للكاتب العام والمديرين ورؤساء الأقسام والمصالح.
حكومة الظل التي لا ظل بعدها:
إن الاشتغال الجديد للمعارضة ,وصولا إلى هيكلتها كحكومة ظل ,من شأنه أن :
*يجعل الصياغة النهائية لبرامج الأحزاب- استعدادا للاستحقاقات الانتخابية- مسألة تجميع تفاصيل تدبيرية يومية في محاور كبرى؛ليس إلا؛لأن وزير الظل كان هنا- في القطاع- بكل ملفاته و »مصالحه الجهوية والإقليمية ».
*يحسم ,مسبقا ,وبدون أيام قتال كأيام العرب,في من سيتولى هذه الحقيبة أو تلك.مبدئيا يكون وزير الظل هو الأقوى حظا؛لأنه لبس الوزارة ولبسته.
*يضع حدا لجعل المحامي يفهم في الصحة ؛والطبيب في التعليم……. ؛حتى لا يفهم عن مرؤوسيه شيئا.
مع رجل مثل بن كيران لم يعد المنصب سياسيا ؛حتى لا نقول بروتوكوليا؛ هو ينتظر من وزرائه أن يشتغلوا »بالعتلة والفأس » إن اقتضى الحال.
*يجعل مؤسسة الاستشارة؛المعتبرة ,سياسيا,حكومة ظل تتفرغ لمستوى أرقى من الأداء ؛يبعدها عن الشأن الحكومي ,وهي مطمئنة عليه, لتركز على الشأن السيادي للوطن ,الذي يعلوا على الأحزاب؛ولتركزعلى الشأن الدولي ,والقضايا الكبرى للأمة العربية و الإسلامية.
ضائقة بن كيران:
ليست المعارضة ,بأدائها الذي ظهرت به؛فقد أبكاها وأضحكها ,وانتهت مصفقة؛فما ابيض رأسه إلا من كثرة صعود المنابر؛بل المعارضة المنتصبة للحكم ؛التي تتابع كل التفاصيل التدبيرية ؛بعيدا عن الأفكار المسبقة والجاهزة ؛و توقع اللحن الأخلاقي (معكوسا) لتسويق التشهير بالرجل وحزبه.
لقد قالها حيث للقيل مفعول استثماري مباشر: مرحبا بكم في المغرب؛فقط-ورجاء- لا أريد خمرا على طاولتي.
أتذكر هنا معركة نقدية كانت بين المازني والعقاد؛ومن شدتها طفق المازني يتجسس حتى على ما يشتريه العقاد من كتب,ويطالعه ؛ليتوقع رأيه ؛وليكون جاهزا له…
كم من برلمان ستنصبون؟
كم من وزير ظل ستعينون؟
إن الدستور ينتظر ؛ومعه شعب مل سينما المعارضة السابقة ؛التي لم تعد تصلح –مادة- إلا لسينما منتصف الليل.
Ramdane3@gmail.com
Aucun commentaire