Home»MRE»ليس كل ما ينشر مشروعا

ليس كل ما ينشر مشروعا

0
Shares
PinterestGoogle+

كلما اشتدت الحركات الاحتجاجية إلا و تتعالى الأصوات منددة أو مساندة وتسارع الأقلام الزمن لتحقيق السبق الصحفي في تحليل دوافع تلك الاحتجاجات, وقياس مدى إمكانية تحقق المطالب في سياق ميزان القوة بين المحتجين و الدولة للبلد وربط تلك المطالب بالتوازنات الماكرواقتصادية للبلد ووضعها الاقتصادي إقليما و دوليا, و الدعوة للسلم الاجتماعي قصد تشجيع الرأسمال الأجنبي على الاستثمار في المشاريع الكبرى وغير ذلك . و الأكيد أن التحليلات مهما اختلفت مناهجها و رؤاها لا تنطلق من العدم, بل تستند لمرجعيات فلسفية وإيديولوجية, و بعبارة أدق لا يمكن لأي تحليل أو موقف سياسي الزعم بالحياد, كما أن الاختلاف في هذا المجال أمر طبيعي بالنظر لعوامل كثيرة في مقدمتها الإيمان بمبدأ الديمقراطية وحرية التعبير, وثانيها اختلاف بنية المجتمعات الإنسانية وتركيبتها الطبقية, وثالثها أن الأبحاث في القضايا الاجتماعية والسياسية و الاقتصادية هي جزء من العلوم الإنسانية التي يحكمها مبدأ النسبية ولا مجال فيها للأحكام المطلقة.

إن الاختلاف في وجهات النظر أمر مشروع, ولكن الأحكام إذا تجاوزت حدود السرعة المسموح بها تتقلب ضد صاحبها. ولا شك أن ما نشرته جريدة الصباح ليوم الخميس 26 يناير 2012 عدد 3666 في عمود « حديث الصباح » يثير الاستغراب,فتحت عنوان « شونطاج الوظيفة العمومية », نشرت الصباح في صفحتها الأولى مقالا لصاحبته سناء العاجي تلقن فيه دروسا للحركة الاحتجاجية للشباب العاطل. فعلى المستوى اللغوي عليهم أن يدركوا الفرق بين معطل وعاطل, فمعطل تعني لغويا « مفعول به إنه معطل بفعل فاعل…الحقيقة أنهم عاطلون » وعلى المستوى القانون الدستوري « الوظيفة العمومية ليست حقا, و الإدماج الفوري يتناقض مع مبدأ الشفافية » و على المستوى الاقتصادي و المالي « تشغيل الآلاف بدون حاجة تخريب لميزانية الدولة » وعلى المستوى الأخلاقي على هؤلاء الشباب أن ينتبهوا للغتهم الجديدة في الحوار « الوظيفة العمومية أو الاحتراق » ,ويتخلصوا من مغالطات « الكرامة », ويدركون جيدا أن فرص العمل متوفرة في القطاع الخاص و لكنهم يفتقدون للكفاءة و المردودية » لأن طبيعة التعليم الذي تلقوه في بلدهم  » متدن إلى حد لا يمكن أن تقبل شركات القطاع الخاص بتشغيل هؤلاء الخريجين » و تختتم مقالتها بإرشاد هؤلاء الشباب ونصحهم بالمزيد « من المسؤولية في النضال… فليست كل المطالب مشروعة ».

إن التدقيق في الخطاب اللغوي لصاحبة المقال, وطريقة صياغة ذلك الخطاب  » احرقوا, أشعلوا, اختاروا, الاحتجاج ضد ماذا؟… »يبرز بما لا يقبل الشك صفة التعالي و الإفراط في الغلو و الأنانية لأن إحراق الجلود و إشعال النار والاحتجاج من أجل الاحتجاج لا ولن يكون إثباتا لذات إنسانية لأنها أصلا مغيبة على مستوى الخطاب بضمير الغائب,و مغيبة على مستوى الواقع بانعدام كفاءتها و تعليمها الرديء وعدم قدرتها على مسايرة متطلبات سوق الشغل. أما محتواها الفكري ومنهجية تقديمه للقارئ أو المعطلين يوضح هشاشة الطرح, و الخلطالكبير منهجيا, بل وتعسفا مقصودا تمارسه الكاتبة على الموضوع و المعنيين به بشكل عام.

إن المبدأ لا يمكن أن يكون حوله اختلاف حيث أثبتت تجربة النظام الاشتراكي بأوربا الشرقية أن الدولة ليست بقرة حلوبا و لا تملك عصا سحرية لحل كل المشاكل,و لكن في نفس الوقت, يشهد العالم و من ضمنه كاتبة المقال على فشل النظام الليبرالي الذي تخلت فيه الدولة عن عدد من مسؤولياتها وفتحت المجال أمام الرأسمالية المتوحشة التي دمرت إنسانية الإنسان,و أشعلت الحروب شرقا و غربا, و ها هي الكثير من الدول الأوربية تعرف حركات احتجاجية و غليان شعبي قوي لأن الآلاف من العاملين فقدوا مناصبهم في الشغل و العشرات من الشركات و المعامل أغلقت أبوابها وحولت نشاطها إلى دول فقيرة لأسباب عديدة لا داعي لذكرها.

و الآلاف من الشباب في أوربا و حتى أمريكا الذين يستعدون لدخول سوق الشغل أصبحوا بدورهم عرضة للبطالة, فما هو وضع الموقوفين عن العمل, و هؤلاء الشباب الذين استعصى عليهم إيجاد العمل, هل هم معطلون؟أم عاطلون؟وهل مستوى تعليمهم متدن ومنحط؟وهل رفضوا الاشتغال في القطاع الخاص لأنهم يفتقدون للكفاءة و المردودية؟و إذا كان هذا هو الوضع في الدول المتقدمة تعليميا و اقتصاديا ويحظى فيها المواطن بحقوقه الكاملة, فماذا عن واقع الموظف و العاطل و المواطن عموما في بلدنا المغرب؟.

سيدتي المحترمة, لقد سئمنا ذلك الخطاب و لكن دعينا نتحاور بصراحة: إذا كانت الوظيفة العمومية ليست حقا, و تشغيل الآلاف يعد تخريبا لميزانية الدولة فهي كذلك ليست امتيازا لأبناء و أحفاد و أصهار بعض العائلات المعدودة على رؤوس الأصابع و المحتكرة لنسبة كثيرة من خيرات هذا الوطن. لقد ألف المغاربة بسبب الاضطهاد و القمع الذي عاشوه منذ الستينيات من القرن الماضي أن يكون إبن السيد سيدا, و ابن الزبال زبالا فلا ضرر أن تشرب « لالة أتاي و العبدة الشليلة ». إن الذين أحرقوا ميزانية الدولة لأزيد من أربعة عقود يتحركون بكل حرية في شوارع العاصمة و المدن المغربية الكبرى, يحصون ثرواتهم بالملايير, و يعدون أراضيهم بمئات الهكتارات, و يقطنون في فيلات بآلاف الأمتار, فأين هو شعار من أين لكم هذا؟

سيدتي الفاضلة, إن صورتك الجميلة لا توحي مطلقا  بمشاعرك الإنسانية, مئات الشباب يهدر حقهم في الحياة الكريمة كل ثانية و دقيقة, تكسر جماجمهم و أضلعهم بهراوات القوات العمومية في الوقت الذي تمر من أمامهم و خلفهم السيارات الفارهة التي تحمل أبناء من أغرقوا وطننا العزيز في طوفان الفساد و التخلف. فالضحية بالمنطق الذي تكتبين به يجب أن يظل ضحية.

لعلك سيدتي لاحظت أن جريدة الصباح نشرت في نفس الصفحة مقالا مجاورا لمقالك, يخبرنا باحتجاج عدد من النواب على اقتطاع 24 يوما من تعويضاتهم دون أن يمارسوا أي مهمة, فهل يمكن أن نقرأ لك مقالا حول تعويضات الوزراء و موظفي الدولة الكبار, و المدراء العامين في شركات الدولة و غيرهم.

أرجوك سيدتي, المزيد من المسؤولية في الكتابة لو سمحت فليس كل ما يكتب و ينشر مشروعا.

الأستاذ عزوز زريبة   

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *