مــــــــجـــيـــــــــــــــدو ، وقطار الشرق
"ذات مساء" من "ذات يوم " من شهر يونيو 2007 وأنا أتناول عشائي الاضطراري في الحديقة المقابلة لمحطة القطار الدار البيضاء –المسافرين, رغم أن الوقت ليس وقت عشاء, لكن حجم الدجاجة المشوية اليتيمة و التي بقيت لدى صاحب المشواة الموجودة في طريق المحطة , هو الذي فرض علي التعجيل بابتلاعها حياء من طرحها أمام المسافرين,وخشية من إمكانية قبولهم دعوتي لتقاسمها, فهي ليست لا بالدجاجة ولا بالحمامة , قل, إنها بين المنزلتين. لقد تكرم أحد أصدقائي بدفع ثمنها, بعدما أن رفضت قضاء الليلة عنده في الحي المحمدي بالدار البيضاء , تحت ضغط انقضاء الغلاف الزمني المخصص لتعبئة نقط المراقبة المستمرة, وحتى ليقع لي ما وقع لأستاذ مادة التربية البدنية "بتالسنت" الذي نابت عنه الإدارة في وضع النقط ( الله يكثر خيرها)خالقة بذلك سابقة خطيرة في التاريخ التربوي , لم ألاحظها قط في حياتي المهنية مند أن التحقت بالتعليم في بداية السبعينات ,بالإضافة إلى حنيني إلى مدينتي التي كنت قد غادرتها أسبوعا من قبل… وأنا منهمك في استعراض وطرح مرفقات" الحمامة" عفوا الدجاجة, من زيتون أبيض وبطاطس مقلية و قنينة ماء و… وإذا بشاب في مقتبل العمر, يقترب مني على استحياء مناديا" بالحاج"( رغم انه لم يراني أطوف الكعبة, أو أهرول بين الصفا والمروة الكريمين ,و أن أقصى مكان زرته شرقا كان تيزي وزو في الجزائر) ,طالبا مشاركتي "الملح" مدعيا أنه لم يتناول شيئا طوال اليوم, وقبل أن أعطي موافقتي , كان الشاب قد أخذ مكانه بجانبي معطرا المكان برائحة" السيلسيون" , ومفترسا الدجاجة بأظافره الطويلة المشحمة "بالسراج". لقد أذهلتني هذه المهنية وهذه الجرأة وهذه الشجاعة الأدبية الذي يمتلكها هذا الشاب ,والتي تنعدم لدى الكثير من الذين يسبوننا بكرة وأصيلا. اكتفيت بتفاحة, وتفرغت للإجابة عن أسئلته, في إطار تكتيك "حديث ومغزل" الذي برع فيه هذا الشاب, الذي ازداد غبطة لما علم أنني من مدينة وجدة ,فانهال على سكان الشرق بالمدح والثناء معددا خصالهم ومناقبهم , مضيفا أن أحد أصدقائه في السنة الماضية قضى في مدينة وجدة ثلاثة أشهر مكنته من توفير مصاريف "لحريق" للضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط , بفضل كرم "لوجدا" الذين لا يتصدقون بأقل من "10 ريالات". وعن الدجاج المحمر الذي يلقى في صناديق القمامة إبان حفلات الزفاف , وعن توفر "القرقوبي على الجهد"… لهذا فهو ينوي السفر إلى مدينة وجدة هذا الصيف "لتجريب حظه" وإن كان
" الكوحل ( الأفارقة)عمرو علينا السوق", كما قال, ثم قدم اعتذاره سريعا بعد أن انتبه إلى لوني, وتوجس خيفة من ردود فعلي. اخبرني أنه سئم حياة الدار البيضاء التي أصبحت "صعبة", خاصة أنه ليس ابن المدينة وإنما هاجر من مدينة" سيدي بنور" إقليم الجديدة, بعد وفاة والدته( رحمها الله) وتعسف زوجة أبيه, وبعد تجربة فاشلة في مدينة مراكش لم يجن منها سوى "البلية" واتجه نحو الدار البيضاء التي قضى بها خمس سنوات حيث تخصص في "بلاوي"متعددة…وإذا بجماعة من رفاقه ينادونه من مكان بعيد, فما كان عليه إلا أن استأذن في أخذ من تبقى من المرفقات وكذلك الهيكل العظمي لما كان يسمى بالدجاجة, ولم يترك لي سوى قنينة الماء التي شرب نصفها أو يزيد… امتطيت القطار والألم يعتصر قلبي , ليس من حال " عبد المجيد" أو" مجيدو" لأن" مجيدويات" أصبحوا كثر في هذا البلد السعيد, وأن قصته ربما تكون صحيحة أو مختلقة, فهذا لايهمني الآن, وليس بسبب الانحراف المخالف للفطرة والعقل, وليس بسبب التسول الذي أصبح ظاهرة غير حضارية وعالمية، تعطي انطباعا وتصورا غير محمود عن المجتمع الذي تظهر فيه، وإنما الذي حز في قلبي, وجود هذا "المغرب الشاب" المريض ,الفقير, المنحرف والخارج عن كل أنواع التغطيات, خارج عن التغطية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية.هذا "المغرب المهمش" النازح من الريف والمنقطع مبكرا عن الدراسة والذي يعاني من التفكك الأسري والفقر والحاجة , هذا "المغرب الآخر" الذي لم تصله رياح التنمية البشرية , هذا المغرب الذي يتألم بصمت وأنفة ويدبر قوته ومسكنه وعلاجه في الشارع ومن الشارع ,..هذا المغرب المتألم والصامد… غادر" قطار الشرق" البيضاء في اتجاه الشرق, لكن بدون "مجيدو" …لم يمتط "مجيدو" قطار الشرق لتحقيق أحلامه في الهجرة إلى الغرب, كما فاته ركوب قطار التمتع بحنان المرحومة أمه وعطف زوجة أبيه, ولا قطار التمدرس , ولا قطار التمتع بحواري وأزقة مدينته الجميلة,ولا بحلاوة وفرحة الأعياد, ولا بدفء العائلة, ولا بعناية وزارة السيد عبد الرحيم الهروشي وزير التنمية الاجتماعية والأسرة والتضامن… كلها قطارات غادرت المحطات بدون
" ضيفي عبد المجيد", والذي سأكون سعيدا في استضافته إذا حل بالمدينة عبر" ذات قطار" في" ذات يوم" من أيام الله…
1 Comment
ما اكثر هده الشريحة في بلدنا سنحاسب كلنا عليها يوم القيامة (مسؤولون وتربويون واباء و )