العقل بين الكفر والإيمان(2)
فالعقل إذن, في منظور التجريبيين, مكتسب ينمو ويتطور, بتطور ثقافة المجتمع, وله علاقة بالزمان والمكان .وفي الواقع أن مثل هذا العقل, يكون حتما عاجزا ,عن إدراك ما لا تدركه الحواس .فهو محدود بحدود الواقع الحسي .أمام هذه النظرة الأحادية الجانب, للعقلانيين وعلى رأسهم ديكارت , والتجريبيين بقيادة جون لوك .لم يجد إمانويل كانط بدا من محاولة التوفيق بين الفريقين.فذهب إلى أن العقل فطري, ومكتسب ,به مبادئ أولية, قبلية سابقة على التجربة,(مفهوم الزمان والمكان والعلية…) ضرورية ,لإدراك كل تجربة حسية ,إلا أنها تبقى مجرد قوالب فارغة, لا قيمة لها , إذا لم تملأها الحدوس الحسية. فالمعرفة إذن عند كانط تتوقف على العقل والحس معا. يقول كانط :(الأطر العقلية بدون حدوس حسية جوفاء, والحدوس الحسية بدون أطر عقلية عمياء.) .لقد ميز كانط, بين العقل الذي يرتبط بالتجربة الحسية ,ويسميه فهما, وبين العقل الذي يتجاوز حدود التجربة, فيصبح عقلا جدليا, همه الأول البحث في المجال الميتافيزيقي الغيبي , وهو مجال خاص بالإيمان, نملك حق التفكير فيه, دون ادعاء معرفته, معرفة علمية.لأن العقل محدود بحدود التجربة والأخلاق والعلم والعمل.يرى كانط: أن ما يمكن معرفته, هو الفينومينات (الظواهر), أما النومينات (الشيء في ذاته) فلا سبيل لنا إلى معرفتها,لأننا لا نملك عنها أي معرفة حسية .وإن كنا نملك عنها فكرة ما .إن العقل في نظر كانط بإمكانه أن يعرف ,إلا أنه غير مؤهل لمعرفة المجال الغيبي (كالبعث ,الروح ,مصير الإنسان ,مسألة قدم العالم وحدوثه والله …لأنه وهو يبحث في هذه المواضيع يسقط في التناقضات والمغالطات, الشيء الذي يؤدي به إلى التيه . أما مع هيجل فالعقل يقبل مثل هذه التناقضات , لأنها المحرك الأساسي لنشاطه, والعمل المساعد على تطوره وتغيره المستمر .فعبر مراحل الدياليكتيك الثلاثة ( الأطروحة أو القضية – النقيض أو النفي – التركيب) يحقق العقل المطلق ذاته ووجوده , وينتفي التناقض بين الظاهر والباطن, فيصبح كل ما هو عقلي واقعي, وكل ما هو واقعي عقلي. أما نيتشه فيرى أن العقل خطر, لأنه يدعي معرفة كل شيء ,وهو صنم الفلاسفة الأكبر,وبذرة الفناء التي يحملها النوع البشري في ذاته .يقول نيتشه :(لو كانت الإنسانية قد سارت حقا على مقتضى العقل, أعني على أساس أفكارها وعلمها, إذن لكان قد قضى عليها منذ زمن طويل .) هذه مواقف بعض الفلاسفة من العقل . وهي كما تبدوا جد متعارضة ومتناقضة ولا تثبت على حال.
أما عند سلفنا, فالعقل عقلان: غريزي, فطري
Aucun commentaire