حوار مع الفنان خرباش اليزيد
بمناسبة دعوته كضيف شرف بمدينة تومبلان الفرنسية، الفنان التشكيلي اليزيد خرباش:
الشعر في تجربتي التشكيلية جوهر
وليس مجرد توظيف عابر
حاوره: سامح درويش
هل سينطبق على الفنان التشكيلي اليزيد خرباش ما انطبق على عدد من الكتاب والفنانين المغاربة الذين لم يتمكنوا من انتزاع الاعتراف بهم إلا عبر القدوم إلى الوطن من الخارج؟ هل ستكتشف وسائل إعلامنا فجأة فنانا مغربيا آخر من خلال الاحتفاء به في وسائل الإعلام السيارة خارج الوطن ؟ لا نتمنى ذلك، بالرغم من أن الفنان خرباش اليزيد قد راكم لحد الآن تجارب تشكيلية، وذخيرة فنية ثرية على مدى الثلاثة عقود الأخيرة، فهو من مواليد وجدة سنة 1952، تخرج من مدرسة الفنون الجميلة بتطوان، ثم من معهد فنون التزيين بليموج، تفرغ لأعماله الفنية وأنجز عشرات المعارض داخل الوطن وخارجه. مرت تجربته الفنية بمراحل تؤرخ لنضج جمالي مضطرد،يصل الآن إلى تعميق فلسفة الاستعادة ، وإعادة الحياة إلى الأشياء من خلال وضعها في سياقات جديدة ، وإلى استشراف العمق الشعري للتشكيل من خلال سيرورة حفر فني انطلق مع تجربة " المعلقات" وتعمق مع تجربة" لما تتحول النار إلى أشعار" وتجربة " الحلم الأزرق" حيث يتم الاحتفاء التشكيلي بالنص الشعري علانية.
منذ أزيد من أربع سنوات يرتبط الفنان اليزيد خرباش بمعارض ومشاريع فنية وتربوية بمنطقة اللورين بفرنسا، حيث اشتغل مع الأطفال على " لعب إفريقيا" بواسطة بيداغوجية فنية تقود الطفل إلى إبداع لعبته باستخدام بقايا المواد الاستهلاكية،وبمناسبة اختيار الفنان اليزيد خرباش "ضيف شرف" بمهرجان " خريف الفنانين " بمدينة Tomblaine شرق فرنسا ، الذي عرف مشاركة مائة فنان يومي 9 و10 من شهر أكتوبر الجاري، التقيناه قبل سفره وأجرينا معه الحوار التالي:
"*" تعكس تجربتك الفنية الأخيرة " الحلم الأزرق" حفرا جماليا عميقا على طريق البحث في أعالي الكينونة التشكيلية، فما الذي تعنيه لك هذه التجربة؟
* إنها تجربة مهمة بالنسبة لي، جعلتني أغوص أكثر في جوهر "فلسفة الاستعادة " التي تؤطر رؤيتي الجمالية، كما جعلتني ألامس بشكل أعمق الجوهر الشعري لتجربتي التشكيلية. إن تجربة " الحلم الأزرق / Bleu clandestin " تتناول موضوعا إنسانيا،هو ظاهرة الهجرة السرية على الصعيدين الوطني والعالمي، وقد حصرتها في أهوال ركوب البحر حيث تصبح الزرقة رمزا للأمل والألم في نفس الوقت. فحينما يسافر المرء على متن باخرة مريحة، ضخمة وواسعة، في جو من الثقة والاسترخاء ليجد نفسه بعد بضع ساعات في الضفة الأخرى، يشاهد هذا البحر المترامي على طول البصر بأمواجه المتلاطمة. إن أول ما يقفز إلى الذهن في هذه الحال هؤلاء الناس التي أصبحنا نطلق عليهم اسم "الحراكة". هؤلاء البشر الذين يركبون المغامرة في محاولة للوصول إلى الضفة الأخرى "الساحرة" ، لكن كثيرا ما يكون للبحر رأي آخر، لا يصرح به إلا عندما يتحول الحلم إلى مأساة ويتحول الأمل إلى تراجيديا . إن هذا الموضوع قد فرض نفسه علي، أنا ابن الجهة الشرقية التي تشكل الممر الحيوي لتدفق أفواج هائلة من المهاجرين السريين الصاعدين من أعماق إفريقيا. لقد تعودنا على وجودهم بيننا، فهم معنا في كل مكان إلى حين تدبير صيغة للارتماء في الفصل الأخير من المغامرة. فتجربة "الحلم الأزرق" هي بمثابة صرخة إنسانية ؛ هي إشارة تقدير لهؤلاء الحراكة، وقد حاولت أن أحشد لهذه الصرخة فنونا أخرى، حيث وظفت نصوصا شعرية للشعراء جمال سعيد وسامح درويش وعبد الرحمان بوعلي وعبد القادر غزالي ومحمد العرجوني، كما استعنت ببعض القصاصات الصحفية في الموضوع كشاهد على الحدث بواسطة تقنية " الإلصاق"، وقد حرصت على مصاحبة هذه التجربة بمقطوعات موسيقية من تأليف وأداء الفنان رضا بوشناق. إذن فمن أوجه الجدة في هذا العمل أيضا، هذا التلاحم الإبداعي بين فنون مختلفة، جعلتها جميعا تنتظم وتتفاعل داخل تقنية عملية الاسترجاع أو الاستعادة (Récupération )، من أجل بناء اثنتي عشر لوحة زيتية مرفوقة بمجسمات شكلت امتدادا فيزيقيا للوحات، تقوم في مادتها الخام على أشياء فقدت معناها، وتمت استعادتها من أجل إكسابها معنى جديدا، مثل بقايا الخشب التي التقطتها من شاطئ البحر أو من أماكن عبور المهاجرين السريين، إذ من المحتمل جدا أن يكون من بين هذه القطع الخشبية حطاما لقوارب الموت، إنها محاولة لاستنطاق هذا الحطام..
"*" يستشف من أعمالك الفنية خلال تجاربك الأخيرة علاقة ما بين الشعر والتشكيل، فهل هو اختيار جمالي واع، أم لا يعدو أن يكون ذلك صدفة متكررة؟
* للشعر مكانة مميزة في أعمالي، إنه حاضر باستمرار في تجربتي كجوهر وليس مجرد توظيف عابر، فإذا لاحظت فكل عناوين أعمالي شعرية أو ذات صلة وطيدة بالشعر بدءا ب" المعلقات" مرورا ب" عندما تصير النار أشعارا" وصولا إلى "الحلم الأزرق" حيث يكتسب النص الشعري سلطته الكاملة ليطفو على سطح اللوحة . فالفنان التشكيلي شاعر بأحاسيسه وبنظرته للأشياء، الاختلاف يكمن فقط في مواد و أدوات العمل، فبالنسبة لمعلقاتي فهي ذات إيحاء شعري قوي بالرغم من أنها تقرأ بطريقة تشكيلية بصرية، وفي أعمالي "عندما تصبح النار أشعارا" يتم استعمال اشكال تخلق منها النار فضاءات تشكيلية بصرية زاخرة بالإيحاء الشعري .. ففي ساعة المخاض الفني لا افرق بين ما هو تشكيلي وما هو شعري ، دعني أقول لك بالمناسبة أن عدد أصدقائي من الشعراء يكاد يفوق عددهم من الفنانين التشكيليين، كما لا ينبغي أن ننسى أن أغلب المدارس الفنية العالمية كان دائما يلتقي فيها الشاعر والفنان التشكيلي. وتعميقا لهذا البعد نعمل في "جماعة المتحف" إلى جانب الفنان محمد تاغزوت والخطاط حماد يوجيل على خوض تجربة بالجهة الشرقية خلال الموسم الثقافي الجاري بإنجاز كتاب فتي للشعر بالجهة ، وسيحمل هذا العمل عنوان "أشعار قزحية".
"*"تترد كثيرا على فرنسا خلال السنوات الأخيرة فهل هناك مشاريع فنية في عمق هذا الترحال، أم أن نار الحراكة لم تهدأ بعد داخلك؟
* أنت تعرف أن الفنان مثل النهر تماما لا بد أن يجد لنفسه مجرى، فهذه السنة الرابعة على التوالي أشتغل مع جمعية "أليسيا" الفرنسية التي يوجد مقرها بلينوفيل شرق فرنسا، والتي تستضيفني ثلاث أو أربع فترات في السنة ، وقد أنجزت مع هذه الجمعية عدة أعمال من بينها الصباغات الحائطية وكراكيز العالم واللعب الإفريقية وفن الموزاييك ومشروع الملصق، كما أنني مدعو ابتداء من شهر نونبر القادم لإنجاز شروع " البطائق البريدية"، وخلال هذه المشاريع أشتغل مع مختلف الأعمار والأجناس في المدارس ودور العجزة ودور الشباب ومقرات الجمعيات من خلال العمل في ورشات تنتهي بتقديم منتوج فني ما، وقد نالت هذه الأعمال إعجابا واسعا ، وتحظى بإقبال جماهيري متزايد نظرا لما فيها من حمولة فنية، وحرارة إنسانية، ورؤية بيداغوجية وتربوية. وفي هذا السياق أصبح اسم اليزيد خرباش مألوفا بمنطقة اللورين.
"*"في بلاغ على الأنترنيت يمكن للمبحر أن يقرأ خبر دعوتك يومي 9 و10 أكتوبر القادم لتحل "ضيف شرف" على مهرجان " خريف الفنانين" الذي ينظم سنويا بمدينة " Tomblaine" الفرنسية، فهل يمكن إعطاء فكرة للقراء عن هذه التظاهرة الفنية؟
*
إن حلولي كضيف شرف على صالون "خريف الفنانين" الذي سأعرض به لاول مرة، هو أولا وقبل كل شيء شرف لبلادي المغرب،وهو اعتراف في شخصي بكل الفنانين المغاربة. هذه التظاهرة الفنية تستقطب أكثر من مائة فنان من داخل فرنسا وخارجها، وهو تقليد سنوي تنفرد به مدينة Tomblaine ، وستكون فرصة للاحتكاك بتجارب فنية أخرى ومناسبة للتعريف بالفن التشكيلي المغربي، وسأشارك في هذا الملتقى بعشر"معلقات" وبعض أعمالي الأخيرة " الحلم الأزرق" التي سيتم نقلها بعد ذلك مباشرة إلى مدينة" Epinal " حيث أن مدعو في معرض فردي ابتداء من 14 نونبر القادم، وذلك في إطار أسبوع ثقافي وفني ينظم بالمدينة المذكورة تحت شعار" أسبوع التضامن العالمي".
*
Aucun commentaire
D’abord, un immense bonjour à Monsieur Sameh Derouich qui a honoré la ville d’Oujda dans une émission de 2M (Moubacharatan Maakoum).
Et merci d’avoir mettre en lumiére une personnalité jusqu’ici inconnue au moins pour moi.
Enfin, je dis bon courage et bravo aux deux hommes.
myamani@noos.fr