نيابات بدون مفتشي المصالح المادية والمالية
رافق جهاز التفتيش إصلاح التربية والتكوين منذ الولادة إلى الآن، ووجود هذا القطاع على الخط يعكس في المظهر والباطن أهميته في الدينامية العامة التي تعرفها المنظومة التربوية بآلامها وآمالها، هذا الحضور الوازن لهذا الجهاز عرف في علاقته مع وزارة التربية والتعليم صراعا وتجاذبا كبيرين تخللتهما فترات مد وجزر، وإذا كان المسؤولون على تدبير الشأن التعليمي صاغوا آليات للتفتيش إقليميا وجهوريا ووطنيا، فان هذا القطاع مازال يعيش على إيقاع اختلالات تتفاوت درجتها غير أنها تتعمق بشكل لافت عند مفتشي المصالح المادية والمالية.
نيابات بدون مفتشين
جاء في القانون الأساسي، أن إطار مفتشي المصالح المادية والمالية يشتمل على درجتين، مفتشو المصالح المادية والمالية من الدرجة الأولى ومفتشو المصالح المادية والمالية من الدرجة الممتازة، كما يرقى مفتشو المصالح المادية والمالية من رتبة إلى أخرى ومن درجة إلى أخرى، إذ تتم الترقية من رتبة إلى الرتبة الموالية في الدرجة الأولى والدرجة الممتازة طبقا لمقتضيات المرسوم رقم 344 .62 .2 بتاريخ 8 يوليوز 1963 كما وقع تغييره وتتميمه ، مع مراعاة المادة 103، ويقوم مفتشو المصالح المادية والمالية من الدرجة الأولى بمراقبة التسيير المالي والمادي والمحاسباتي للمؤسسات التعليمية ولمراكز التكوين التابعة لوزارة التربية الوطنية، ويعين في الدرجة الأولى من مفتشي المصالح المادية والمالية الحاصلون على دبلوم مفتش المصالح المادية والمالية من الدرجة الأولى المحددة شروط تهييئه وتسليمه بموجب مرسوم، أما الفئة من الدرجة الممتازة، بالإضافة إلى المهام المشار إليها سابقا ، تقوم بتأطير وتنسيق أعمال مفتشي المصالح المادية والمالية من الدرجة الأولى، كما تعين هذه الفئة أي مفتشي المصالح المادية والمالية من الدرجة الممتازة عن طريق الاختيار بعد التقييد في جدول الترقية من بين مفتشي المصالح المادية والمالية من الدرجة الأولى البالغين الرتبة 7 على الأقل من درجتهم والمتوفرين على 5 سنوات من الخدمة الفعلية في الدرجة الأولى، وتتم هذه الترقية طبقا لمقتضيات الفقرة الثانية من المادة 99 . يقول محمد المقدام مفتش المصالح المادية والمالية، أن نظام التفتيش عرف فترات مد وجزر، إذ ظل ملفهم يؤخذ مرة مأخذ الجد ، ومرة يخضع للتهميش، والحقيقة أن مفتشي الاقتصاد لم يكونوا بمنأى على هذا التناوب المرهق والمؤرق في نفس الآن، إذ ظلوا أداة تستعملها الإدارة وفق نسق معين وأهداف محددة، وحسب المصرح فان الادراة تلوح بهم كعصا غليظة وترمي بهم في بحر الافتحاص والامتحاص والبحث والتدقيق، لكن عندما ترى وجودهم مقلقا وثقلا منيعا تعمل على إبعادهم والاستخفاف بآرائهم وتصوراتهم،وأفاد محمد المقدام، أنه في وقت مضى كان مفتشو الاقتصاد مرتبطين بقسم الاقتصاد والشؤون الاجتماعية بالرباط ، إذ كانت مهامهم تحدد من هذه المصلحة وفق برنامج معد لهذه الغاية، وكانت تقاريرهم ترسل مباشرة إلى هذه المصلحة مع مجرد إخبار النيابة المعنية بنسخة من التقرير والأعمال التي كلفوا بها ومدى انجازها، وكانوا في مستوى التكليف عملية الافتحاص التي شملت بعض المؤسسات والنيابات والأكاديميات وحتى وزارة التربية الوطنية، ووضعوا من خلالها الأصبع على كثير من منابع الخلل، غير أن الملفات طويت ودخلت الأرشيف، بل إن الوزارة لم تواصل تفعيل هذه المبادرة التي اعتبرتها مصدر قلق قد يفتح عليها أبوابا هي في غنى عنها. ويفيد المصرح أنه منذ سنة 2000 اتجهت الوزارة إلى إحداث تغيير مس طبيعة صرف منح الداخليين عن طريق الحوالات لكن دون إشراك مفتشي الاقتصاد الذين يمتلكون من الخبرة النظرية والميدانية ما يؤهلهم لمسايرة ومساعدة المسيرين على التأقلم على هذا النمط الجديد من التدبير، ومع إبعاد هذه الفئة كان طبيعيا أن تنتج الاختلالات في التسيير، إذ لولا تطوع الكثير من المفتشين والمقتصدين لعادت الكثير من الداخليات في خبر كان. وفي إطار سرده لمسيرة هذه الفئة أفاد محمد المقدام أنه في أبريل 2004 صدرت الوثيقة الإطار لتنظيم التفتيش والمذكرة الوزارية 113 بتاريخ 21 شتنبر 2004 حول تنظيم العمل المشترك بين هيأت التفتيش مع مذكرات مصاحبة خاصة بكل فئة، ويرى المصرح أنه رغم ماتضمنته هذه النصوص وما احتوته من اختصاصات واليات، إلا واقع الأمر يفيد وجود عدد قليل من مفتشي الاقتصاد الذين يمارسون مهامهم إذ لايتجاوز العدد 70 مفتشا على المستوى الوطني في حين يتطلب الواقع على الأقل 10 مفتشين في كل أكاديمية، ويتعمق هذا الوضع بالمذكرة 82 المنظمة للحركة الانتقالية التي لاتتضمن المناصب الشاغرة للتفتيش مع أن هناك نيابات بكاملها لاتتوفر على أي مفتش للمصالح المادية والمالية، بينما لازال الكثير من المفتشين يسيرون المؤسسات التعليمية دون أن يتمكنوا من المشاركة في الحركة الانتقالية،. يضاف إلى كل هذا حسب المصرح، الغاء المفتشيات الجهوية للاقتصاد المدرسي التي كانت تتلقى الوثائق الدورية لحساب المؤسسات التعليمية وتراقبها بكل دقة،ماجعل التدبير المالي يعيش حالة من الفوضى في خاصة وأن كثيرا من المسيرين ألحقوا بهذا النمط من التسيير دون أي تكوين أو إعداد قبليين، وأخيرا عبر محمد المقدام عن أمله في أن ينتبه المسؤولون إلى هذه المعيقات والاختلالات التي تحول دون مسايرة التدبير المالي والمادي للمستجدات، وهذا لن يتأتي إلا عبر توفير الموارد البشرية اللازمة حتى يساهم الجميع في بناء مدرسة عمومية متكاملة في كل جوانبها الإدارية والمالية والتربوية بدل سياسة الترقيع والارتجال.
غياب مبدأ تكافؤ الفرص
من جهة أخرى، يرى عبد المجيد البوغي مسير مؤسسة أن طريقة تعيين مفتشي المصالح الاقتصادية، أو ما أصبح ينعت بمفتشي المصالح المادية والمالية كان دائما ولازال مصدر شبهة لما يخلفه من تدمر واستياء عميقين في صفوف هيأة التسيير المادي والمالي جراء غياب تكافؤ الفرص والمساواة أمام القانون مع سيادة نوع من الارتباك والعشوائية حسب تعبير المصرح الذي أوضح أيضا، أنه يمكن التمييز بين مرحلتين مختلفتين من حيث مسطرة تعيين مفتشي المصالح المادية والمالية، فإلى حدود منتصف التسعينيات من القرن الماضي، كان تعيين مفتشي المصالح الاقتصادية خاضعا لمنطق الولاءات والزبونية ودرجة التقرب من مركز القرار بالرغم من كونه أي التعيين كان مغلفا بأقدمية عشر سنوات في إطار ممون، نوعية الشهادات المحصل عليها كدبلوم الدراسات العليا في الدراسات القانونية أو الاقتصادية، ثم افتحاص الملف الإداري للمترشح بدل انتدابه للقيام بمهمة التفتيش لمدة سنة أو سنتين في أفق تسميته في إطار مفتش المصالح الاقتصادية في غياب تام لأي تكوين نظري أو تطبيقي أو الحصول على دبلوم مهني بهذا الخصوص. أما المرحلة الثانية فانطلقت مع دخول موظفي التعليم دوامة الترقية الاستثنائية سنة 1997 ، وهنا بدأت حكاية المساواة أمام القانون تحصد العجائب والغرائب حسب وصف عبد المجيد البوغي الذي أضاف ، ليتوج ذلك ركام المهازل بالشروع في تطبيق مقتضيات المرسوم رقم854 .02 .2 الصادر بتاريخ 10 فبراير 2003 ، النظام الأساسي لموظفي التعليم وما رافقه من خرق سافر لمبدأ تكافؤ الفرص خاصة على مستوى تطبيق مقتضيات المادة 107 مكررة من القانون الأساسي لموظفي التعليم، إذ في الوقت الذي يخول منطوق المادة 107 وبصفة استثنائية على مدى ثلاث سنوات تبتدئ من 2003 وتنتهي سنة 2005 حق الاختيار لفئة الممونين بين الترقي في إطار الممونين أو في إطار مفتشي المصالح المادية والمالية ، تم تطبيق منطوق المادة أعلاه بنوع من الانتقائية المكشوفة من قبل القائمين على شؤون الترقية، فبينما أقصي المترقون بواسطة الامتحان المهني من حق الاختيار عنوة طبقت المادة 107 بنوع من الانتقائية على المترقين بالاختيار ما خلق استياء عميقا لذى مجموعة من الممونين الذين تمت ترقيتهم قسرا في إطار ممون من الدرجة الأولى عوض مفتش من الدرجة الأولى، وخلص عبد المجيد البوغي إلى أن هذا حدث في صمت مطبق لإحدى النقابات التي تدعي تمثيليتها الواسعة والقوية لفئة مسيري المصالح المالية والمادية وهو صمت يطرح أكثر من علامة استفهام، وعبر المصرح عن أن أمله في أن يتم الإسراع لإخراج مرسوم يحدد شروط تهيئ وتسليم دبلوم مفتش المصالح المادية والمالية تفعيلا لمقتضيات النظام الأساسي لموظفي التعليم خاصة المادة 43 منه.
عبد اللطيف الرامي(وجدة)( جريدة الصباح)
Aucun commentaire