من تقديس السلطة إلى تقديس نصوصها
لقد اخبرني أحد الإخوة الذي زارني في منزلي خلال أيام العيد بأن » لجنة أكاديمية للتحقيق » زارت ثانوية عمر بن عبد العزيز قبيل عيد الأضحى المبارك للنظر والتأكد من فحوى شكايات وتظلمات توصلت بها المصالح للأكاديمية، وأن اللجنة تضم شخصيات وازنة، تقشعر لذكر أسمائها الأبدان، ولا يمكن تحريكها إلا لخطب كبير،وأخبرت محدثي بأنه لا علم لي بما يقول،وأن فوق كل ذي علم عليم …وتحققت من الخبر بعد عطلة العيد، وتعرفت على المآخذ والاستفسارات وكذلك الردود،واعتبرت النازلة شأن إداري محض لا دخل لنا فيه، وأن الإدارة التربوية حرة في تدبير شؤونها الداخلية، إلا أن العديد من الزملاء حملني أمانة طرح وجهة نظر الأطر التربوية في الموضوع ،التي لا يمكن لها أن تقف
موقف المتفرج ، فكان لزامنا علينا توضيح بعض النقط حتى لا نساهم في محو الذاكرة، فالسيد المدير بشر يمكن أن يصيب ويمكن أن يخطأ، وليس منزها ، ولكن حسناته أكبر من سيئاته،والحالة هذه لا يسعني إلا ترديد قول السلف الصالح الذين إذا أثنوا على أحد ، قالوا » لا أعلم عليه إلا خيرا ، ولا أُزكـي على الله أحدا »، وسيكون خاطئا من يظن أنني أنصب نفسي محاميا على السيد » حسن ماني « ،الذي يستحق الدعم والمساندة مثله مثل الجيل الجديد من المدراء الذين أنقذوا مؤسسات الشعب من الدمار، لكنه لا يحتاج لمرافعتي لأنه » حمام أو قاد بالحومة »، وإنما الهدف من هذا التدخل إيصال وجهة نظر الأغلبية الصامتة داخل المؤسسة…
ثانوية عمر بن عبد العزيز العريقة والتي يعود تاريخ تأسيسها إلى الفترة الاستعمارية والتي تخرجت منها أطر وطنية وأجنبية تبوأت مناصب عليا في أوطانها، لم تكن تتوفر على قاعة للأساتذة،ولم يتمكن أي مدير من المدراء الذين تعاقبوا على إدارة المؤسسة من العمل على توفير هذه القاعة، إلى أن جاء السيد المدير الحالي، الذي استطاع أن يوحد جهود جميع الشركاء وإخراج هذه الحلم الجميل إلى الوجود بتمويل ذاتي، فأساتذة المؤسسة لايفهمون إقحام « قاعة الأساتذة » في الموضوع،على بعد أيام من الاحتفال باليوم العالمي للمدرس، ويرون فيه شكل من أشكال الاستفزاز المجاني،ومحاولة لاستخراج المشاكل » بالمساك » ، هذا الخلط في القضايا لا يخدم البحث عن الحقيقة لا من قريب ولا من بعيد، ويخلط الأوراق،و يضخم الملفات والقضايا الفارغة عملا بالمثل الشعبي » المندبة أكبيرة والميت فأر « ،بينما الأمر يتعلق بمشاكل إدارية وتربوية بسيطة وعادية ، كان بالإمكان حلها عن طريق المراسلات الإدارية أو الهاتف أو خلال اللقاءات… ولا تحتاج إلى تكوين لجنة من هذا العيار الثقيل حتى تصور القوم أن الأمر يتعلق ب » ماني غيت » ، وكثرت الإشاعات والأقاويل، وأصبحنا نواجه بأسئلة لا نملك لها جوابا،كأننا نتستر على جريمة أو فضيحة، وهكذا تحولت آلية ديمقراطية إلى وسيلة لإثارة القلاقل والاضطراب داخل المؤسسة التي استعادت عافيتها ودخلت مجال تحقيق الانجازات الوطنية … لجان التحقيق هي شكل من أشكال الرقابة الإدارية التي تهدف إلى المساهمة في بناء نظام إداري فعال يساهم في إرساء العدل والإنصاف والانضباط في أماكن العمل و مراقبة عمل الإدارة ومختلف وحداتها ، وكذلك مدى التقييد بالتعليمات والقرارات الوزارية و مدى الالتزام بالنظم والإجراءات في كافة الأعمال الإدارية ،ومتابعة شكاوى وتظلمات المتعاملين مع الإدارة، وبالتالي إرساء الحكامة الجيدة، حكامة المرافق العمومية الدي ينظر له المواطنين نظرة سلبية بسبب التدبير العشوائي وغير الصحي، ومعاناة المواطنين في علاقاتهم مع الإدارة ، رغم أن الدستور أكد على حق المواطنين في مرافق عمومية فعالة، تحترم الحق في المساواة والانصاف في ولوج الخدمات العمومية، والحق في الولوج للمعلومات. إنه استحقاق طالبنا ولا زلنا نطالب به في الكثير من محطاتنا النضالية وبالتالي لا اعتراض لنا عن تكثيف واستمرار مكرمة لجان التحقيق حتى لا يستبد المستبدون بالمدرسة العمومية،ويحولونها إلى ضعيات خاصة، تمارس داخلها مختلف أنواع العسف والشطط في استعمال السلطة، خاصة بعد أن تمكن الشعب من استرجاعها إلى حضنه…
ومن الجمل التي أثارت انتباهي في خطاب اللجنة المحترمة » تغيير المعالم الخارجية للمؤسسة »،التي استوجبت طرح العديد من الأسئلة، فأين كنتم وأين كانت لجانكم الموقرة يوم كانت « تركسات » السي محمد الابراهيمي تمحي مؤسسات الشعب من الخريطة وتحولها إلى « حفر للنشاط »، أين كنتم وأين كانت لجانكم يوم حول الوالي السابق ثانوية السلام إلى قيسارية وفصل واجهتها إلى دكاكين لا نعرف لحد الآن من هي الجهات التي استفادت من هذه الهمزة،أي كنتم يوم أن فصل مسجد إعدادية القدس عن المؤسسة، وحرم التلاميذ والأطر التربوية من ولوجه، بدون سند قانوني،رغم عدم موافقة الحبيب المالكي وزير التربية الوطنية أنداك ، لم يحدث هذا في سنوات الرصاص ولا في ظل أم الوزارات، وإنما حدث في زمن الانتقال الديمقراطي يا حسراه، أين كانت حنبليتكم يوم هدم » السي محمد » بيت الله ليلا بثانوية عمر بن عبد العزيز،وغير شكلها الخارجي، وانتهك حرمتها ،وعرى عورتها وعرضها على المحيط، بالمجان، أتعلمون أن المسجد الذي يبنى داخل المؤسسة يبنى بدون ترخيص… لقد كنا أول كان يبلغ الإدارة التربوية بمختلف درجاتها عن تجاوزات السيد الوالي السابق، واستباحته للملك العام ،و كانت تكتفي في غالب الأحيان بالتنهد ورفع الأيدي، والله غالب ، ولا تستطيع أن تقول » للقاضي خطي راسك »، إنه شكل من أشكال تقديس السلطة التي من حقها أن تخرق القانون، لأن القانون وضع ليخرق،في حين لا زالت وزارتنا الموقرة تحتفظ بنصوص ترجع إلى عهد « بوحمارة » ، و أخرى لا يسمح الواقع المعيش بتطبيقها،وثالثة لا محل لها من الإعراب، ولا يليق أن نحول السادة المديرين إلى أناس آليين يحرسون على التطبيق الحرفي للنص المتجاوز، فالمؤسسات التربوية ليست مرفقا عموما عاديا كباقي الإدارات ، بل هي فضاءات إنسانية في تفاعل مستمر، وحبلى بالمفاجآت والطوارئ تقتضي مقاربات وحلول تربوية أنية، أكثر من حرصها على النص،خاصة عندما يجد رؤساؤها أنفسهم في مواقف صعبة لا يحسدون عليها،كان الله في عونهم، ونحن في زمن الربيع العربي،أخشى أن يتم الانتقال بنا من تقديس السلطة إلى تقديس نصوصها …
إن الكيل بمكيالين،و تخاذل الإدارة التربوية وانبطاحها و عجزها عن الجهر بالحق والدفاع عن ممتلكات الشعب المؤتمنة عليها، خوفا على كراسيها الوثيرة ، دفعنا للثورة والاشتباك الدائم مع السي محمد الابراهيمي، الذي كان يحترمنا وكنا نقدره، لكن كنا نعارض استباحته لوعائنا العقاري ، والانفراد بتقرير مصير الآخرين، وتمرير قراراته بالقوة، ونظرته الفوقية للمواطنين،ونرجسيته التي توهمه بأنه الوحيد الذي يعرف الجمال، أما نحن « الغاشي » فلا نعرف ذلك، وهو القائل أن ما يهمه هو رضا جلالة الملك والوطن، متناسيا أن الوطن ليس أرضا خلاء، وإنما يضم مواطنين ومواطنات عينه الملك من أجل خدمتهم، ناسيا أن موظفي الدولة وأعوانها هو خدام الشعب وليسوا أسياده.
إنني أحمل وطني في داخلي أكثر مما يحملني في داخله،ولا أدعي بأني أحمل هم الأمة، ولا أرنو إلى إصلاح المجتمعات،ولا أحب الصدام مع السلطة ولا أحب مجاملتها،ولا أسعى لصداقتها، وأؤمن بالمقولة القديمة: «السلطان كالنار، إن اقتربت منه تدفأت، وإن ازددت قربا احترقت»، لكنني أشعر بالقدرة على مواجهة السلطة والاشتباك معها بالقرطاس والقلم، وذلك أضعف الإيمان، أنا متفائل ومطمئن لقرارات اللجنة وخلاصتها، لثقتي الكبيرة في السادة أعضاء اللجنة الموقرة والمشهود لهم بالكفاءة والمهنية العالية والنزاهة الفكرية والتجرد،واعلم أنهم من الذين لا يخشون في قول الحق لومة لائم،ويأمرون بالمعروف وينهوا عن المنكر،ويعرفون مكر منتجي ومخرجي الرسائل والشكايات الكيدية الذين قال فيهم الله عز وحل في كتابه الكريم: » فإن أعطوا منها رضوا , وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون »
والمناسبة شرط ،نتمنى أن لا يفعلوا « بالحسن » كما فعل الأمريكان « بالحسين » ،وليعلموا أن البعض يكيدون له ،والله يقول: » إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا » ويحسدونه على ما حققه من إنجازات على الأرض، وهناك جهات ترتعد فرحا، وحلمها الوحيد أن تحل محله،بينما رفضت تحمل مسؤولية المؤسسة إبان أزمتها ،مما أرغم السيد « ناجي شكري » على استيراده من الأطراف…وخير ما نختتم به مقالنا قوله تعالى: « فاقضِ ما أَنت قاض إِنما تقضي هذه الحياة الدنيا ».
Aucun commentaire