دلالة معرض الكتاب بمركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة
يتذكر الجميع في الجهة الشرقية كيف انتفضت حركة شاذة تجهيلية وظلامية ضد وجود وتدشين مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بوجدة. والمؤسف أن هذه الحركة تبناها المتبجحون بالانتساب إلى المعرفة ، ومن شدة عدائهم للمعرفة تحولوا إلى أصحاب فتاوى للبث في أمر الأرض التي أقيم عليها المركز. وما أكثر القطع الأرضية التي تحولت إلى أماكن معصية ، ومضيعة للوقت ، وأوكار للجريمة والجهل ، ولم يحرك هؤلاء ساكنا لمنع مثل هذه الأماكن التافهة كما فعلوا عندما تعلق الأمر بمعلمة علمية ومعرفية. ولم نسمع من قبل لفتوى هؤلاء إلا عندما وجد مركز إشعاع علمي وفكري ومعرفي في الجهة الشرقية التي لا زال تاريخها العلمي مجهولا ينتظر من أبناء الجهة الشرقية الكشف عنه من أجل إنصافها . ووجود مركز معرفي في جهتنا الشرقية معناه استعادتها لماضيها العلمي المشرق الذي لا زال طي الكتمان . والأمل معقود على نهضة علمية حقيقية في الجهة الشرقية من أجل ربط الماضي العلمي بالحاضر. وإن مشروعا معرفيا وعلميا كمركز الدراسات كفيل بالدفع نحو هذه النهضة العلمية المرتقبة. ومركز الدراسات بمقره الجديد يوحي بمدى الاهتمام الذي يحظى به المشروع العلمي في الجهة الشرقية ، ذلك أنه لأول مرة خصص للعلم والمعرفة في الجهة الشرقية مكان لائق بهما
. وأعتقد أن الأمة التي تولي أماكن العلم والمعرفة الاهتمام البالغ من حيث البنيات التحتية أمة تراهن على العلم والمعرفة ، وتحارب أوكار الجهل الضارب الأطناب بين أبنائها . ولقد بدأت النهضة العلمية في الجهة الشرقية على طريقة السلف الصالح ،حيث بدأت العناية بالمساجد أول الأمر، وهي أول مراكز علمية لا مندوحة عنها من أجل تحقيق أهداف العلم والمعرفة . والكل يذكر عندما وفق الله عز وجل أبناء بررة في هذه الجهة إلى بناء هذه المساجد كيف عارضها المعارضون الذين كانوا إما على وعي تام بدورها العلمي ، ومع ذلك عارضوا بناءها لتكريس الجهل والتجهيل في الجهة ، أو كانوا على جهل تام بذلك ولا عذر لهم أيضا . وكانت العبارة المتداولة عند بناء كل مسجد : لماذا لا تبنى المصانع بدل المساجد ؟ وهذه المقولة تعكس مدى جهل أصحابها ،لأن المصانع إنما تأتي بعد العلم والمعرفة ، والعلم والمعرفة إنما يبدأ بأول مراكزهما وهي المساجد التي يتلى فيها قول الله عز وجل : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم )) فالمساجد هي المؤسسات العلمية لفلسفة » اقرأ » وهي فلسفة الدعوة إلى العلم والمعرفة . وبالفعل وبمجرد اهتمام الجهة الشرقية بالمساجد بدأت نهضة علمية حقيقية اهتمت بكتاب الله عز وجل، الذي صار له شأن كبير بسبب كثرة حفاظه ، وبسبب انتشار علومه بين طلاب العلم . وموازاة مع انتشار بناء المساجد في الجهة الشرقية شيدت الجامعات ،وكان تشييدها مسايرا لحركة بناء المساجد ، وبتعبير إيماني كانت من بركة بناء المساجد التي كانت من قبل مهملة تشكو لربها ظلم العباد . وأقبل أبناء الجهة الشرقية على العلم والمعرفة ، وكانوا من قبل يحجون صوب العاصمة السياسية أو العاصمة العلمية من أجل محاربة الجهالة . واستعادت المدينة بريقها العلمي إلى جانب مدن المراكز العلمية المغربية . وانتشرت المعاهد الدينية الرائدة وعلى رأسها مركز البعث الإسلامي الذي استقطب أبناء الأمة من حفاظ كتاب الله عز وجل الذين كان مصيرهم هو أبواب وأسوار المقابر لتلاوة قرآن الحياة على الأموات ، في حين كان الأحياء بين أحضان الجهل . وتخرج من هذه المعاهد علماء ومفكرون ولجوا الجامعات المنشأة في الجهة الشرقية ، وصاروا من روادها . ولا زالت هذه المعاهد تمد الجامعات بالنوابغ من أبنائها سنة بعد أخرى . ومع تزايد الإقبال على العلم والمعرفة في الجهة الشرقية كان لا بد من ظهور المراكز العلمية الرائدة التي تعيد للجهة الشرقية مجدها العلمي الغابر. وكان مركز الدراسات هو المركز الأول الذي أعطى نقلة نوعية للعلم والمعرفة في الجهة . ولما احتضن هذا المركز خلال الصيف الماضي الدورة الصفية القرآنية ، واحتفال نهاية الموسم الدراسي وقر في نفسي أن جهتنا بدأت تخطو نحو مشروع علمي ومعرفي واعد. وها هو هذا المركز المشع بالعلم والمعرفة يبدأ من حيث كان من الواجب البدء وهو الإحالة على الكتاب الذي هو مصدر المعرفة ، ومصدر البحث العلمي . ولقد وفق شعار المركز الذي جعل معرض الكتاب فرصة من أجل المعرفة ومن أجل البحث العلمي . فبهذا المعرض وفي مركز علمي تعرف الجهة الشرقية إعادة التطبيع مع الكتاب ومن ثم مع العلم والمعرفة والبحث ، بعدما كانت معارض الكتاب تقام في الساحات العمومية تماما كما تقام معارض المأكولات والمشروبات والملابس المستجيبة لثقافة الاستهلاك المادي المحض الذي يفكر أصحابه في المصانع قبل التفكير في مراكز العلم والمعرفة . فها قد بدأ أول معرض للكتاب حيث كان يجب أن يكون،وذلك في مركز علمي يستقطب طلاب العلم على اختلاف أصنافهم ومستوياتهم العلمية .
وهذا المعرض ركز على المنتوج الفكري المحلي إلى جانب المنتوج الفكري الوطني والقومي والعالمي . والمعرض يعرض منشورات مركز الدراسات والبحوث وأعماله المسجلة على الأقراص المدمجة ، وهي عشرات البحوث والمحاضرات والمناظرات والندوات . ويعرض المعرض أيضا عشرات المنشورات الجامعية بالجهة خصوصا منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية باللغتين العربية والفرنسية ، وهي عبارة عن بحوث ودراسات و ندوات علمية متخصصة. وإلى جانب المنتوج الفكري المحلي تعرض دور النشر كدار الأمان ، والمكتبات المحلية كالمكتب الثقافية ، ومكتبة اقرأ الجديدة عشرات العناوين . وفضلا عن هذا يعرض المعرض عشرات العناوين لمؤلفات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية . وموازاة مع أيام المعرض الذي سيستمر من الثالث من شهر أكتوبر إلى العشرين منه ستعرف رحاب مركز الدراسات محاضرات وندوات علمية تتعلق بهذا الحدث الهام في الجهة الشرقية . و لقد كان افتتاح هذا الحدث بمحاضرة قيمة لفضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بن حمزة رئيس المجلس العلمي المحلي ، وعضو المجلس العلمي الأعلى ، وهي محاضرة ستنقل على هذا الموقع بالصوت والصورة قريبا . وبالمناسبة يعرض معرض الكتاب بمركز الدراسات مؤلفات هذا العلامة وعلى رأسها بحثه الرائد الذي قدمه كأطروحة علمية وهو نظرية العامل دراسة تأصيلية وتركيبية ، وهو بحث في اللغة أعاد للجهة الشرقية مجد البحث اللغوي فيها ، وهي جهة أهل اللغة منذ قرون . ولقد أحسن العلامة إذ قدم بحثه في اللغة من أجل فتح الباب لطلاب العلم في الجهة الشرقية للإقبال على البحث اللغوي جريا على أسلافهم في الجهة . وإلى جانب هذا البحث العلمي يعرض مؤلف العلامة من قضايا الفكر واللغة في نفس السياق . وإلى جانب هذا البحث الرائد يعرض المعرض مؤلفات العلامة كالوجيز في تفسير آي الذكر العزيز ، وهي التفاتة أيضا ذات دلالة كبرى حيث كان السلف في الجهة الشرقية أهل تفسير ، فكان لا بد من إحياء هذه السنة كما أحييت سنة البحث اللغوي وهو العلم التوأم لعلم التفسير .
ومن المؤلفات المعروضة أيضا للعلامة مؤلف : التأصيل الشرعي للتعامل مع غير المسلمين ، وهو من منشورات المجلس العلمي الأعلى ، وهذا المؤلف أيضا يعبر عن ذكاء العلامة الذي لفت الأنظار إلى علم الفقه إلى جانب علم التفسير وعلم اللغة، وهي علوم السلف في الجهة الشرقية . وإلى جانب هذا المؤلف يعرض للعلامة أيضا مؤلف بحوث فقهية لنفس الغاية . وإلى جانب ذلك يعرض مؤلف العلامة حقوق المعوقين في الإسلام ، وهو مؤلف أيضا يحيل بذكاء وبراعة على الاهتمام بالجوانب الاجتماعية على عادة السلف الصالح في جهتنا . ومن المؤلفات المعروضة للعلامة أيضا مؤلف الخطيب وواقع الأمة ، وهو أيضا التفاتة ذكية لأهمية الخطابة في الجهة الشرقية كما كانت عند السلف الذين اشتهر فيهم خطباء كانوا يعالجون قضايا المجتمع بذكاء. والمتأمل لما ألف هذا العلامة يدرك إشارته الذكية إلى ما ينبغي أن يحيى من علوم السلف في هذه الجهة . ولهذا الرجل الفاضل الفضل في نفض الغبار على علوم السلف في الجهة. ويوم غد السبت مساء ستنطلق أول تظاهرة علمية من خلال افتتاح أيام المعرض بمحاضرة ستليها محاضرات وأنشطة أخرى من أجل التعريف بقيمة الكتاب لتحقيق المعرفة ، وللنهوض بالبحث العلمي في جهتنا . ونأمل أن تحج المؤسسات التربوية في جهتنا إلى مركز الدراسات بأبنائها لعقد صلح مع الكتاب ، ومع ثقافة الكتاب ، ونأمل أن يكون المسؤولون عن هذه المؤسسات وهم أهل تربية وعلم ومعرفة في مستوى هذا الحدث الهام الذي يمثل توعية حقيقية لناشئتنا بدور الكتاب في نيل العلم والمعرفة ، وفي الدفع نحو البحث العلمي . ونأمل أيضا أن يكون إعلام الجهة المكتوب والمسموع والمرئي والعنكبوتي في مستوى هذا الحدث عوض الخوض في الحديث عن المهرجانات وحوادث هتك الأعراض والجرائم . فعلى هذه الوسائل أن تجعل المواطن في الجهة الشرقية يستشرف ماضي جهته العلمية ، ويربط صلته به عوض أن يشغل بأحاديث الجرائم الأخلاقية ، وأخبار السوق ، وحرائق السوق ، والتافه من الأمور. وعلى المسؤولين أيضا أن يكونوا في مستوى الحدث ، ويزوروا المعرض تماما كما يحضرون التظاهرات التي تقل أهمية عن هذه التظاهرة العلمية الرائدة . وعلى أبناء الجهة من المؤرخين أن يحاولوا تعريف أهل الجهة بتاريخهم العلمي الذي لازال مغمورا ، ينتظر من ينفض عنه غبار الماضي.
Aucun commentaire