معضلة جرادة مع الاستحقاقات التشريعية
على بعد الأيام التي تفصلنا عن موعد أول انتخابات تشريعية في ظل دستور العهد الجديد ، يبدو أن الحراك السياسي لمدينة جرادة لم يتعد بعد تعليق يافطات لأحزاب تنوي دخول معترك الانتخابات على جدران بنايات تم كراؤها مؤقتا لهذا الغرض ، في وقت كنا نأمل في فتح نقاش سياسي ترعاه بعض الإطارات السياسية أو حتى الجمعوية قصد خلق نوع من التقارب حول أهمية المرحلة والإجراءات التي يمكن أن تتعبأ لها المدينة بغاية تزكية الأنسب لتولي تمثيلها وطنيا.
هذه الإشارة مع بداية المقال لا تعني بالضرورة إلصاقا لتهمة التقاعس ببعض الفعاليات التي تحاول جاهدة التفاعل مع الوضع السياسي للمدينة بقدر ما هي تحفيز للقدرات التي آن الأوان كي تخرج عن صمتها و تعمل على تأثيث المشهد السياسي الذي لم تخرج الخطابات السياسية على أعلى مستوى في البلد مؤخرا على التذكير بضرورة جعله فضاء يقبل عليه أكثر المواطنين مصداقية ونزاهة.
ولعل من دواعي مساهمتنا المتواضعة في الموضوع إضافة إلى ماذكر ، عدم تمكن المدينة لفترتين متتاليتين من اختيار مرشح بالبرلمان ، والأمر والحالة هاته لا ينطوي على فكرة عنصرية ضيقة تتوخى اختيار مرشح من المدينة أيا كانت صفته أو مستواه ، بل يروم المسعى إلى تجاوز الاعتبارات القبلية التي أفضت إلى ترشيح نائبين عن دائرة جرادة –مع احترامي سلفا لهما- و ضمان تواصل شبه مستمر مع مرشح ينبع من المدينة و يعرف اغلب همومها وملفات المدينة التي يمكن أن تعالج على مستوى الغرفة الأولى للبرلمان .
فعلاوة على المهام التي يضطلع به البرلماني سواء فيما يتعلق بتقديم مقترحات قوانين أو المساهمة في إعمال مبدأ الرقابة على أعمال الحكومة – التي بالمناسبة تطور منظورها في ظل الدستور الحالي-(1) أو حتى القيام بادوار تتجاوز الإطار الداخلي نحو المساهمة في أنشطة تروم الدفاع عن مصالح إستراتيجية للبلد في إطار ما يسمى بمهام الديبلوماسية البرلمانية ، قلت فعلاوة على كل هذا ، يمكن للبرلماني أن يثير قضايا محلية من داخل قبة البرلمان لعل من أهمها على مستوى المدينة تحريك عجلة الاستثمار ( وهذا يعتمد على شخصية البرلماني في العلاقة مع الدوائر المعنية كقطاعات الصناعة أو اللجنة المركزية للاستثمار أو تقديم مقترحات قوانين تسير في اتجاه خلق منطقة حرة على غرار « الاوفشورينغ » بطنجة سيما بعد إغلاق مناجم جرادة…) أو دعوة مسؤولي إدارة المكتب الوطني للكهرباء في جلسة خاصة بمجلس النواب ليس من باب المسائلة وإنما ضمن سياق التوافق مع وزارة المالية بخصوص تعديل بعض النصوص الضريبية التي تحرم المدينة من مداخيل المركب الحراري لجرادة لفائدة الجماعة الحضرية للبيضاء في إطار الأحقية في الاستفادة من منتوج الضريبة لصالح المدينة التي يقام عليها المعمل وليس للمدينة حيث يوجد المقر الاجتماعي للشركة .
أيضا وتفعيلا للبروتوكول الاجتماعي الذي تمخض عن إغلاق مناجم جرادة ، يتم التطرق إلى تفعيل أهم مضامين الاتفاق المذكور مع إمكانية تحفيز قطاع المالية على تقديم مشروع قانون يقضي بضمان تمثيلية دائمة للصندوق المغربي للتقاعد والتامين بمدينة جرادة لمعالجة ملفات الأمراض المهنية والإيرادات المتعلقة بها.
تلك جملة من الاقتراحات التي أتمنى شخصيا أن تحظى باهتمام المرشح الذي سيتولى تمثيل الساكنة في الجهاز التشريعي ، علما أن هذا المسعى لا يمكن أن يحقق النجاح الكامل إلا باستيعاب أهم التحولات التي تسير فيها البلاد عبر إقرار العديد من القوانين التي تتماشى مع مبدأ التنزيل الصحيح للدستور منها على الخصوص مصادقة مجلس النواب الثلاثاء الماضي، خلال الدورة الاستثنائية، التي عقدهاللدراسة والتصويت على النصوص التشريعية الجاهزة، طبقا لأحكام الدستورومقتضيات النظام الداخلي، على مشروعي قانون
ويقضي أحد المشروعين بتحديد شروط وكيفية الملاحظة المستقلة للانتخابات و يتعلق الثاني بتحديد اللوائح الانتخابية العامة وضبطها بعد معالجتهابواسطة الحاسوب. برغم التحفظات التي أبدتها بعض الهيآت السياسية بخصوص مشروع القانون المتعلق بكيفية الملاحظة المستقلة للانتخابات التي نرى بتواضع جدواها وأهميتها على الأقل كإشارة من الجهات المعنية في تجاوز المنطق السابق القاضي بهيمنة الداخلية على كل مراحل الانتخاب.
أيضا من جملة الظروف العامة المواكبة لعملية الانتخاب والتي تحظى في المغرب حاليا باهتمام فئات عريضة من الساسة – في ظل غياب أي نقاش موازي بجرادة لحد الساعة – قيام السيد وزير الداخلية مؤخرا بتسليم الهيآت السياسية لمشروع التقطيع الانتخابي والذي ينص على إسناد الإشراف على تجديد اللوائحالانتخابية، في كل جماعة أو مقاطعة، إلى لجنة إدارية، يرأسها قاض يعينهالرئيس الأول لمحكمة الاستئناف، وتتألف من ممثل عن مجلس الجماعة أوالمقاطعة، يعينه المجلس المعني والسلطة الإدارية المحلية أو من يمثلها، معفحص التقييدات المضمنة في اللائحة الانتخابية من طرف لجنة إدارية، للتأكدمن توفر أصحابها على شرط الإقامة الفعلية، وتحديد أسماء المسجلين الذينفقدوا حق التقييد، ورصد الأخطاء المادية، التي قد تشوبها قصد إصلاحها،ودعوة الأشخاص المقيدين دون البطاقة الوطنية للتعريف، قصد إثبات هويتهم.
و البرلماني المتميز في اعتقادنا المتواضع هو الذي يسعى إلى التفاعل مع المقترح في ظل العمل على تطويره و بلورة الصيغة التي تمكن الدائرة الانتخابية من الاستفادة من نتائجه ، وهنا تظهر مرة أخرى أهمية النقاش الذي أصبح حكرا على الأمناء العامين للأحزاب السياسية أو بعض أعضاء المكاتب السياسية لهاته الأحزاب او ضمن بحوث ميدانية فقط (2) ( و ربما تكونون قد طالعتم تباين مواقف الهيآت السياسية بين مؤيد و معارض للمشروع المذكور، ففي الوقت الذي شدد فيه امحند لعنصر على أن التحالف الذي يجمع حزبه ب »البام » والاتحاد الدستوري والتجمع الوطني للأحرار يذهب في اتجاه المطالبة بإقرار مبدأ التوازن بين الدوائر، مع مراعاةالخصوصيات السوسيولوجية والديمغرافية لكل دائرة، ويطالب بأن تظل 73 دائرةانتخابية من أصل 82 الموجودة على حالها، مع إخضاع تسع دوائر فقط لتغييراتطفيفة. فان الداودي عن العدالة والتنمية يطالب بتوسيع الدوائر و أن لا يتحول التقطيع الإداري الذي يعتبر العمالة أو الإقليم كحد ادنى للدوائر حسب المشروع إلى مقيد للتقطيع الانتخابي ويبرر هذا الأمر في كون توسيع الدوائر يقضي على مشكلة استعمال المال و شراء الذمم ، و هو نفس التوجه الذي سار فيه حتى عبد الرحيم جماهري عن الاتحاد الاشتراكي الذي ذهب إلى حد اقتراح أن تحظى مدن كالبيضاء – برغم توفرها على 8 مقاطعات – على دائرة واحدة على غرار ما يجري في فرنسا لكي لا يسهل استعمال المفسدين للمال) .
فأين نحن مما يجري يا ترى ؟ أتذكر جيدا حين حاز الاتحاد الاشتراكي خلال أول ولاية له لأغلبية بلدية جرادة خلافا لمرشحي « الورقة الكاكية » كيف أن الحي المغربي أو كما يحلو لي بتسميته « الفيلاج » حيث ولدت وترعرعت كان يتوفر على 5 مقاعد آلت كلها للحزب المذكور ، واعتمادا على تقنية gerry mandering الحاكم لولاية ماسشوسيتس الامريكية في التقطيع والتي كان يعتمدها البصري بناء على معطيات واستطلاعات الرأي لمعهد IFOP الفرنسي ، أتذكر انه في الانتخابات الموالية تم تقزيم « الفيلاج » الى دائرتين فقط….
يضاف إلى ما سلف ، نمط الاقتراع المتحكم في نتائج العملية والذي أثار بدوره اختلافات عدة (3).
يبقى في الأخير أن أشير إلى أننا نطمح فعلا إلى أن تبادر كل الطاقات الواعية والمستوعبة لأهمية المرحلة ، إلى ضرورة التفاعل مع التوجه العام للدولة التي أبدت وعلى أعلى مستوى عن إرادة لا تحتاج إلى التشكيك بقدر ما تحتاج إلى من يطورها بدءا بالانشغال بالشأن المحلي ومرورا بجميع المحطات التي تضمن تنزيلا صحيحا للدستور إذا ما كنا جميعا بنفس الإرادة المعبر عنها .
مع تحيات الأخ عبد العزيز إسماعيلي ( إطار بقسم الجماعات المحلية بعمالة جرادة ورئيس جمعية ذوي القصور الكلوي بالإقليم )
————————-
1) تمت الملاحظة من خلال التقييم الذي اعتمدناه بين الصيغة القديمة والجديدة للدستور انطلاقا من بحثنا المتواضع لنيل الإجازة سنة 1994 في موضوع « المسؤولية السياسية للحكومة أمام البرلمان في المغرب »
2) سبق أن ناقشنا الموضوع ضمن بحث ميداني حظي بتوصية قصد الطبع بكلية الحقوق في وجدة في موضوع « توجهات الرأي العام بخصوص المسألة الانتخابية « نموذج إقليم جرادة » عن سنة 1995 في إطار التهييئ لدبلوم الدراسات المعمقة في القانون العام.
3) قمنا بإعداد محاضرة في الموضوع تحت تسيير الاستاد المحترم العرجوني محمد في 1997 تحت عنوان « التأثيرات السياسية لأشكال الاقتراع » وذلك ضمن فعاليات منظمة العمل الديموقراطي كطالب باحث وليس كمنتمي .
Aucun commentaire