جيوش من المتسولين تحاصر وجدة من كل مكان
واستغلال شبكة منظمة لشباب منحرف النساء والفتيات
في ممارسة التسول وكسب المال على حسابهن
تشهد،ظاهرة التسول في عاصمة الجهة الشرقية،خلال شهر رمضان الكريم،استفحالا وتزايدا كبيرين،حيث يرابض المتسولون بالشوارع والأماكن العمومية والأسواق الشعبية وغيرها من الساحات،يمدون أيديهم في هذا الشهر لجمع الأموال للعيش،فيما آخرون يتسولون للاغتناء.
أصبح المتسولون اليوم ديكورا يزين شوارعنا وأسواقنا وحتى مداخل مساجدنا،خصوصا إذا تعلق الأمر بإحدى المناسبات أو المواسم الدينية مثل شهر رمضان،والذي يشهد ازديادا معتبرا لنشاط هؤلاء.حيث ترتفع أعدادهم بشكل ملفت؛ فالكل ينسج على شاكلته للتحايل والنصب سيناريوهات قد يبدو للبعض أنها من نسج الخيال،وقد يصدقها الكثيرون ويروحون ضحية تمثيلية ظاهرها البؤس والشقاء والحرمان وباطنها أناس احترفوا في فن اسمه التسول،مستعملين في ذلك عبارات وجمل حفظها الكثيرون منهم وأصبحوا يرددونها بألحان مختلفة فالمهم بالنسبة لهؤلاء كيف يكسبون قلوب المارة ويقنعونهم بحالتهم تلك وبالتالي يثيرون شفقتهم.
لم يكن أمامي من خيار سوى أن أفتش في جيوبي الخاوية عن بعض القطع النقدية الصفراء لمدها لسيدة تحمل بين يديها طفلا رضيعا تسألني صدقة في هذا الشهر الكريم لتشتري بها -كما قالت- الدواء لزوجها الذي يعاني من مرض خبيث، أعطيتها قطعتين لم أذكر قيمتهما وفررت من وجهها مذعورا تفاديا للإحراج، ذاك أن بعض المتسولين باتوا يحتقرونك بنظرات مستهزئة إذ لم تمنحهم صدقة معتبرة.
يقول جمال أستاذ الرياضيات « كانت ظاهرة التسول في مدينة وجدة عادية بعض الشيء،لكن مع بداية شهر رمضان الكريم أصبحت ظاهرة جد مقلقة،حيث ينتشر المتسولون في عدة فضاءات بشكل كبير وملفت للانتباه،لتمس كل المناطق الحضرية والقروية للولاية،فالمتجول في المدينة يصطدم بأعداد هائلة من المتسولين الذين ينتشرون في كل مكان،في الشوارع الرئيسية والأزقة،في الحدائق والساحات العمومية،عند إشارات المرور وفي مفترقات الطرق،وبوسط طريق المدينة عند ازدحام السيارات،في الأسواق الشعبية والمقاهي،في مواقف السيارات ومحطات المسافرين،وحتى أمام مراكز البريد والبنوك،وعند أبواب المساجد والمقابر. في كل هذه الأماكن،يستوقفك متسولون من الجنسين،ومن مختلف الفئات العمرية،أطفال،نساء،رجال،شيوخ وعجائز،وحتى الفتيات الشابات أصبحن يمتهن هذه المهنة بكثرة،والعديد منهن يعملن بالتنسيق مع شباب منحرفين يضمنون لهن الحماية نظير مقابل مادي أو جنسي ».
وعلى العموم فإن الظاهرة استفحلت بشكل لافت للانتباه في وجدة خلال هذا الشهر الكريم،وفاقت كل الحدود بحسب جنس المتسول،فبعدما كانت في وقت سابق مقتصرة على النساء والأطفال دون الرجال،أصبحت اليوم هذه الفئة أيضا أكثر ممارسة لهذا النشاط حيث يغتنمون فترة شهر الرحمة الذي يكثر فيه معظم المواطنين من العبادات بكل أنواعها بما فيها الصدقة.
لاتستغرب إن لاحظت غياب متسولين ألفتهم في المحطات العمومية أو في مداخل البنوك،فعليك أن لا تتوقع،مثلا،أنههم اعتزلوا المهنة.فكل ما في الأمر أنهم غيروا مقرات عملهم تلك وانتقلوا إلى مقرات أخرى تماشيا مع ما يقتضيه شهر رمضان،حيث قصدوا المساجد بالدرجة الأولى وجعلوها وجهتهم المفضلة إذ تجد ما بين 4 أو 5 متسولين يصطفون في مدخل كل مسجد أغلبهم من النساء والأطفال،لتجد الأسواق وجهة أخرى للكثيرين نظرا للأعداد الكبيرة التي تقصدها يوميا،إذ تعج أسواقنا اليوم بمتسولين من كل الأصناف،منهم من فضل البقاء في مداخل الأسواق ومنهم من اقتحم السوق ليضرب عصفورين بحجر واحد،والغنيمة ليس سوى صدقات المتسوقين وحتى الباعة الذين يجودون أحيانا ببعض المال على حالات يرون أنها محتاجة،ومن جهة أخرى تجد الكثير من المتسولين يدخلون هذا العالم موسميا فقط،فيستغلون فرصة رمضان لكسب بعض الدراهم في شهر أكثر ما يميزه هو التراحم والتكافل بين طبقات المجتمع،فتجدهم ينافسون المتسولين الذين يعملون على مدار العام سواء في الأماكن التي يتواجد فيها هؤلاء أو في استقطاب الزبائن،فكثيرا ما تنشب خلافات بين المتسولين حول مدخل هذا المسجد أو ذاك السوق،إذ يتسابق الكثيرون لنصب أمتعتهم لتفادي احتلالها من طرف آخرين.
متسولو مدينة وجدة باتوا أكثر حذرا من الصحافة،بحيث يصعب الحديث معهم او أخذ تصريح منهم إذا ما تعرفوا على هويتك الصحفية،لكننا ملنا إلى الحيلة لطرح أسئلة على عدد من المتسولين لمعرفة الأسباب التي دعتهم إلى احتراف التسول خلال هذا الشهر،فأجمعت مختلف الآراء على أن الفقر يبقى أهم الأسباب التي تدفع إلى امتهان التسول،ولكونهم يعجزون،خلال هذا الشهر،على تلبية حاجيات العائلة من متطلبات مختلف المواد الغذائية،وصرح البعض منهم أن المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشونها هي التي جعلتهم يتسولون،خصوصا في ظل تردي الوضع المعيشي والارتفاع الفاحش لأسعار المواد الغذائية خلال هذا الشهر،حيث يعجز المواطن،حسبهم،عن اقتناء أبسط حاجياته،خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمواد الغذائية الأساسية كالخضر والفواكه.
وفي هذا الصدد،تقول متسولة في الأربعينيات من العمر »أنا أرملة،وأم لست بنات وولدين،أنا فقيرة،ولا أجد خيارا آخر غير التسول للحصول على المال والإنفاق على أبنائي وبناتي،حيث أعجز عن اقتناء أبسط المواد الغذائية ».
إلى جانب ذلك،عزا عدد من الأطفال المتسولين تسولهم إلى المشاكل العائلية التي يعيشونها كطلاق الوالدين أو وفاة أحدهما،وتحملهم المسؤولية في غياب معيل للأسرة،وتعرضهم لسوء المعاملة في الوسط العائلي،كما كشفت،التصريحات التي استقيناها بأن تزايد أعداد المتسولين يعود إلى المتسولين الموسميين الذين تعودوا التسول في شهر رمضان وفي باقي المناسبات الدينية الأخرى.
وعلمنا،من مصادر مطلعة بخبايا التسول،أن معظم النساء والفتيات المتسولات،في مدينة وجدة خلال هذا الشهر الكريم،يتم استغلالهن من طرف شبكة شباب منحرف منظمة تنظيما محكما،تساهم في استفحال وانتشار ممارسة التسول وكسب المال على حسابهن،لا سيما خلال الليل.
ويتفنن الكثير من المتسولين في ابتكار عبارات وتقنيات وأدوات للتسول قصد التأثير في نفوس المارة والظفر بشفقتهم ورحمتهم،فمعظمهم يستخدم عبارات دينية تدعوا للمارة بصيام مقبول وبشهر كريم وبالخير والرحمة مثل « لله يا محسنين في شهر الصايمين،أو عاونونا لله ياصايمين ربي يتقبل منكم »…. وغيرها من العبارات التي يتغنى بها المتسولون أينما حلوا وارتحلوا بألحان شذية تجعلك تتعاطف لحالتهم،ولا تتوانى في إدخال يدك لإخراج ما جادت به جيوبك،وفي هذا الإطار اقتربنا من بعض المواطنين لرصد آرائهم حول الظاهرة ومدى تأثير تلك العبارات فيهم،فأجابنا السيد كمال أن التسول اليوم أصبح مهنة لمن لا مهنة له،في ظل الصمت غير المبرر للسلطات المعنية،مما أدى إلى اتساع رقعة ممتهنيها وانتشارها بين مختلف الشرائح،إذ تعسر علينا التمييز بين المحتاج الحقيقي والممتهن،فأنا شخصيا- يقول-لا أعطي هؤلاء لأني أعلم أن أغلبيتهم يمثلون ويدّعون الحاجة،أما عبد القادر الذي يقول إنه في شهر رمضان تتزايد أعداد المتسولين بشكل رهيب،إذ تجدهم في كل الأماكن،فلا تكاد تمشي خطوة أو خطوتين حتى تجد آخر يردد عبارات متشابهة توحي بأنهم بارعون في التمثيل،فغالبيتهم يقول من المحتالين والنصابين الذين ألفوا الكسل والاتكال على الآخرين،ففي نظري- يقول عبد القادر – إن الكثير منهم لا يستحق الصدقة،وشخصيا أتعاطف مع بعض الحالات التي أرى حقا أنها تستحق الصدقة،وأتضامن مع هذه الشريحة خصوصا في شهر الصيام،فأحيانا أقدم لهؤلاء بعض المأكولات الرمضانية وأتفادى تقديم النقود.
ووفق دراسة حديثة أكدت أن أحد الأسباب الرئيسية لانتشار ظاهرة التسول،هو أن المتسول لم يعد لديه مانع من التضحية مقابل هذه المهنة لارتفاع دخله منها.كما أوردت عدة صحف إعلامية واقتصادية أن مهنة التسول صارت جد « مربحة » وتدر على محترفيها دخلا عاليا يمكنهم من بناء بيوت فخمة وشراء سيارات فارهة…
في جولة استطلاعية قامت بها جريدة « وجدة سيتي » للعديد من أحياء المدينة،حاولت من خلالها تسليط الضوء على ظاهرة عرفت انتشارا كبيرا خاصة خلال الشهر الفضيل حيث تحتجز أبواب ومداخل المساجد من طرف متسولين اغتنموا فرصة شهر رمضان إما للاسترزاق أو الربح السريع،وذاك هو حال الأسواق الشعبية،وأبواب المستشفيات والشوارع التي تكثر بها الحركة…
قال مصدر أمني للجريدة رفض الكشف عن هويته شارك في حملات تمشيطية أفاد بأن النسبة الكبيرة من المتسولين يستعملون أساليب استجداء مصطنعة وغير حقيقية،مثل ادعاء المرض أو الإعاقة،وحمل أوراق مزورة تفيد بإصابة المتسول بأمراض أو مشاكل صحية جسيمة،وكذلك استخدام الأطفال الصغار في محاولة لكسب عطف الناس،وقد تصل في بعض الأحيان إلى تشويه أنفسهم عمداً للحصول على المال.كما أكد مصدرنا أن بعض المتسولين الذي أوقفوا،تبين أنهم من ذوي السوابق،وتمت في حقهم الإدانة،بل كانوا يشكلون خطرا على أمن المواطنين،فقد ضبطت حالات يقوم فيها المتسولون بجرائم مثل السرقة من خلال مراقبة المناطق التي يقومون بالتسول فيها.
وتقول متسولة إن عددا من النساء اللواتي يمتلكن السيارات بتن يضيقن علينا ويزاحمننا في أهم الشوارع خلال شهر رمضان،وأضافت أنهم يتخذون من شهر رمضان فرصتهم الأبدية لكسب المزيد من الأموال،حيث تزداد أعطيات المواطنين والمحسنين.مضيفة أن ما يجمعه المتسول في شهر رمضان وحده يساوي مع يجمع خلال شهور السنة الأخرى،لذلك يتسابق المتسولون على أبواب المساجد،ويرابضون هناك طيلة اليوم وخاصة عند كل صلاة.
وتشكل النساء غالبية المتسولين،إذ تجد في الغالب أمهات معظمهن متحجبات في مختلف الأماكن مفترشات لأغطية بالية ومرتديات لملابس مهترئة زادت من بؤس المظهر،يصطحبن أطفالا في عمر الزهور يتقنون هم الآخرون كل أنواع التمثيل تاركين مقاعد الدراسة ومتجهين لشوارع لا ترحم الكبار،فما بالك بالصغار.وفي الغالب تصطحب تلك النسوة أطفالا رضع مع قارورات الحليب التي تزيد من صعوبة المشهد ومن واقعية التمثيل.وغير بعيد عن هؤلاء،هناك أشخاص آخرون استغلوا إعاقاتهم في التأثير على قلوب المارة وكسب عطفهم،فكثيرا ما يصادفنا مشهد لأحد المعاقين على كرسيه المتنقل وإحدى السيدات تجره مطلقة كل أنواع العبارات لاستثارة شفقة الآخرين،والمثير أن البعض منهم يصطنع لنفسه عاهة على حساب صحته إذ يتظاهر الكثيرون بأنواع من الإعاقات ويقنعونك بصحة ذلك،وغير بعيد عن هؤلاء تقابلك عجوز نحيلة جدا منكمشة على نفسها لا تسمع منها سوى صوتها وهي تستجدي المارة أن يمنوا عليها من مال الله،وبيد معكوفة تدعو لكل من يعطيها بالخير والستر والبركات،وفي هذا الصدد تحدثنا إلى المتسولة فطيمة التي صادفناها أمام محل لبيع المأكولات الخفيفة والتي تقول إنها تقصد هذا المكان يوميا حتى تتفادى الأماكن التي يقصدها الكثيرون،وعن سؤالنا لها عن سبب لجوئها للشارع لطلب الاسترزاق تقول إن زوجها معوق ولها ستة أولاد ولا يوجد من يعولها هي وأسرتها،نظرا لحالة الزوج وهي تعيش على المساعدات التي يقدمها المحسنون،مما اضطرها ل »الطلبة »- على حد تعبيرها.وعن سؤالنا لها عن شهر رمضان وما إن ستجد لها مكان آخر في شهر الصيام، قالت إن غالبية المتسولين يتوجهون إلى المساجد وبالتالي تقول- سأضطر إلى إيجاد وجهة أخرى مثل الأسواق أو محلات بيع الحلويات الرمضانية،لتتركنا وهي تكرر دعواتها لنا برمضان مبارك ولكل المسلمين.
ويرى الكثير من الفقهاء وعلماء الدين أن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية اقتضت التنفير الشديد من التسول،أما إذا كان الإنسان محتاجا احتياجا حقيقيا وليس عنده حل، فهذا لا لوم عليه ويكون التسول مباحا له،واللوم على من يقصرون في إعطائه حقه لقوله تعالى وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم،أما الذي بإمكانه أن يستغني وأن يتعفف وأن يكسب لكنه آثر التسول فهذا حكمه الكراهة الشديدة فالتلاعب والكذب والتظليل واستعمال الأطفال وما إلى ذلك من طرق النصب والاحتيال للكسب على حساب الآخرين،فهذه كلها أعمال ممنوعة.
Aucun commentaire