السودان والمحكمة الجنائية الدولية
منذ أربعة أشهر تقريبا عقدت مؤسسة "أيلي فيسل" للإنسانية اجتماعا في الأردن جمع الحاصلين على جائزة نوبل وأعلنت هذه المؤسسة على تأسيس لجنة دار فور للحائزين على جائزة نوبل ، أهم ما سطرته هذه المؤسسة في أجندتها :السعي إلى مساعدة أهل دار فور إنسانيا ،والنضال من أجل كسر التزمت والارتجالية السودانية المتخذة من قبل الحكومة السودانية الرافضة للسماح لهم بزيارة أهل دار فور وحرمان لجان التحقيق من تقصي الحقائق هناك . وصف أيلي فيسل الحاصل على جائزة نوبل للسلام سنة 1986 والذي سميت مؤسسة أيلي فيسل باسمه وصف دار فور " بمركز المعاناة الإنسانية " أيلي فيسل لم يقل شيئا خارج المنطق، أو مبالغ فيه وتقييمه للوضع تقييم دقيق جدا ولا أتصور أن هذه الولاية التي تسيطر عليها المليشيات المسلحة ستكون ببعيدة عن هذا الوصف الناتج عن ممارساتها الشنيعة ( المليشيات ).
بل الوضع أسوا بكثير حتى مما نتصور وما يصلنا عبر وسائل الإعلام، والمنظمات الإنسانية التي تشتغل بدورها بقيود عديدة تجعلها عاجزة عن القيام بمهامها ، ليست إلا حقيقة جزئية وما خفي منها أعظم ، والبعض و في الحقيقة أنا منهم نشبه ما جرى ويجري في دار فور بما وقع للمسلمين في البوسنة والهرسك إلا أن ضحايا دار فور يتم التنكيل بهم بعلم ومعرفة الجميع عكس ضحايا البوسنة والهرسك الذين أبيدوا في صمت مريع .
حسب المنظمات الحقوقية الدولية كمنظمة العفو الدولية فان الضحايا الذين قضوا في هذا الصراع من المدنيين وحدهم تجاوز أل 200 ألف قتيل وأكثر من مليون مهجر قسري ويعاني 4 ملايين من نقص الغذاء والأدوية .وتعاني مناطق في الجنوب والشرق من انتشار الألغام (2 مليون ) التي تفتك بأرواح الأبرياء كل يوم .
ونحن نشخص هذا الوضع يتبادر إلى ذهننا تساؤل عن إمكانية محاسبة المجرمين الذين اقترفوا هذه الجرائم البشعة في حق المواطنين . قد نتساءل في البداية وقول : من أرتكب هذه الجرائم ؟
1- هذه الجرائم حسب الأعراف والقوانين الدولية تصنف ضمن جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب .
2- لان القضية كبيرة ومتشعبة إلى درجة لا تتصور فان الدولة السودانية وخاصة جهازها القضائي لا يمكن أن يحدد المسؤوليات وتثبيتها إضافة إلى أن الميولات العرقية والاثنية قد تطغى على مسار تحديد هذه المسؤوليات.
3- القانون الجنائي السوداني لا ينص على هذه الجرائم وكما سبقت الإشارة فهذه الجرائم ليست عادية وبالتالي فتشريع قوانين جديد جنائية لن تفعل مبدأ عدم الإفلات من العقاب .
أمام العجز السوداني وانسداد الأفق أمام جهاز القضاء ، يبقى المنفذ الوحيد في تصوري هو المحكمة الجنائية الدولية لأنها ببساطة مختصة في مثل هذه الجرائم وشكلت أصلا للبث فيها .
بعدما اتهم المدعي العام لويس مورينو اوكامبو شخصين هما: أحمد هارون وزير الدولة للشؤون الداخلية سابقا ،ووزير الدولة للشؤون الإنسانية حاليا وعلي محمد علي المعروف بعلي كوشيب القائد في مليشيا الجنجويد الموالية للحكومة السودانية ، صدرت بحق الاثنين مذكرة للمثول أمام المحكمة لمواجهة التهم المنسوبة إليهم والمقدرة ب "51 تهمة " .
لاشك أن المدعي العام بنى تهمه هذه على أدلة منطقية ، وحسب المعلومات المتوفرة ،فان المدعي العام اعتمد بالخصوص على معلومات اللاجئين السودانيين في التشاد، والوثائق التي بحوزتهم بعدما منعت الحكومة السودانية المحققين بالتوجه إلى دار فور، وفي الحقيقة تكون الحكومة بهذه الخطوة قد أقامت الحجة على نفسها ، وتدفع المنتظم الدولي إلى التشكيك في نوايا تعاونها خصوصا أن هذه المحكمة التي وقع على نظامها السودان تعتمد على تعاون الدول والمنظمات التابعة للأمم المتحدة ، والمنظمات الحقوقية الحكومية وغير الحكومية ( القاعدة 104 من نظام المحكمة ).
ويسود اعتقاد عند البعض خاصة من أطراف في الحكومة السودانية أنه بما أن السودان وقّع ولم يصادق على نظام المحكمة فانه غير ملزم بتنفيذ قرارات هذه المحكمة ، لكنني اعتقد أن الأمر فيه مغالطات كبيرة :
1- التوقيع على نظام روما يلزم الدول بعدم ارتكاب أعمال من اختصاص المحكمة إلى حين المصادقة ، فمعنى هذا أن الدولة التي توقع على النظام لا يجب أن تمارس أعمال تكون من اختصاص هذه المحكمة وتتدخل المحكمة بصيغة مجلس الأمن .
2- قضية دار فور أحيلت من طرف مجلس الأمن وبالتالي فالسودان بما انه ينتمي إلى الأمم المتحدة وموقع على ميثاقها فهو ملزم بتنفيذ مطالب المحكمة .
وعملا بمبدأ عدم الإفلات من العقاب فان من مصلحة السودان أن يسلم هذان المتهمان إلى المحكمة خصوصا أن التهم موجهة إلى شخصين معروفان لدى المنظمات الدولية . وهذا أيضا يدفع الحركات المسلحة التي لم توقع على اتفاق السلام أن تبادر وتجنح إلى السلم بعدما تلمس الجدية من طرف الحكومة ببدء صفحة جديدة في العلاقات السودانية – السودانية .
ويمكن التأكيد على أن تسليمها يقطع الطريق على النوايا الأمريكية التي تتطلع إلى إصدار قرار جديد تحت البند السابع من مجلس الأمن يبيح استخدام القوة العسكرية ، وبالتالي فإذا سلمتهما تكون قد كسبت التأييد الدولي والعمل بالاتفاق الذي تم في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بين الحكومة السودانية وبين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة حول الدعم المسمى" بالحزم الثلاثة "
Aucun commentaire