إن كثيرا من علماء التربية والاجتماع يثمنون الدور الإيجابي والفعال الذي تضطلع به الرياضة المدرسية ويعلقون عليها كثيراً من الآمال والطموحات في التصدي لكثير من مشاكل الحياة اليومية للتلاميذ في حاضرهم ومستقبلهم ويتم تصنيفها كأنشطة علاجية ووقائية لكثير من المشاكل الحركية والاجتماعية والصحية والتربوية. لقد ظلت الرياضة المدرسية منذ زمن غائبة عن تأدية دورها في اكتشاف المواهب وصقل الإمكانات وكان الجميع يأمل أن تستمر المدارس في تقديم الرياضيين للأندية التي تصقل مواهبهم وتحافظ عليهم حتى يصلوا إلى النجومية. غير أن الوضع الذي تعيشه الرياضة المدرسية ضمن منظومة التعليم ينعكس سلباً على استمرارية واستقرار الرياضة المدرسية، وهو وضع غير مطمئن.

لقد تفاءلنا خيرا بميلاد الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية في 2 مايو 1996 خاصة أن أهدافها العشر غطت كل نواقص منظومة الرياضة المدرسية ووضعت عدة تصورات لمقاربتها و رغم المؤاخذات الكثيرة على قانونها الأساسي الذي همش الأمهات والآباء تهميشا تعسفيا, أرجعنا ذلك إلى أن الجامعة لا زالت في بدايتها ومع مرور الأيام سوف يتم تدارك كل النقائص و الهفوات . ومرت عشر سنوات عرفنا خلالها أجماعا وطنيا تمخض عنه الميثاق الوطني للتربية والتكوين و إصلاحا للمنظومة التربوية الذي أنزل جمعيات الآباء منزلة الشريك المتميز وكنا نظن أن "جامعتنا" عفوا "جامعتهم" سوف تواكب هذه الثورة الديمقراطية التي تعرفها البلاد…إلا هذا لم يحدث و لهذا عندما يتم الحديث عن الجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية لنا نحن في النسيج الجمعي للآباء مقاربة ثلاثية المداخيل: مدخل قانوني ومدخل منهجي وثالث ميداني .

المدخل القانوني: لنا ملاحظات مفصلية حول القانون الأساسي لهذه الجامعة الذي يتعارض مع ظهير الحريات العامة خاصة الفصل 2 الذي غير بمقتضى الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون رقم 1.733.283 بتاريخ 6 ربيع الأول 1393 (10 أبريل 1973) والذي يؤكد على" حرية" الانخراط في الجمعيات , بينما يتم إرغام التلاميذ على دفع واجب الاشتراك في كل بداية سنة دراسية وبدون استثناء بما فيهم المعاقين والمرضى والمعفيين من التربية البدنية ودون مراعاة لعدد الإخوة وفي جميع المستويات ( ابتدائي, إعدادي, تأهيلي ). بينما كل الأطراف الأخرى لا تدفع واجب الانخراط و فالآباء وحدهم هم الذين يدفعون( أكثر من 5 ملايين تلميذ.أكبر جامعة من حيث المنخرطين) والباقون يستفيدون ويمثلون في جميع فروع هذه الجامعة وبنظرة سريعة للقانون الأساسي يلاحظ أن ممثلي جمعيات الآباء على مستوى النيابة لا يتعدي 03 أعضاء ممثل عن كل سلك ولا وجود للآباء على مستوى المؤسسات التربوية , بينما نجد عضوا واحدا على مستوى المجلس الجامعي الذي يتكون من 46 عضوا ,بينما الجهاز التنفيذي الواسع الصلاحيات لا يضم أي ممثل للآباء( المكون من 13 عضوا ) , وهكذا نلاحظ أن هذا القانون يمنح للأعضاء العاملين( والذين لا يدفعون واجب الانخراط) حق الترشيح والتصويت والمساهمة والمشاركة في جميع أنشطة الجامعة وبينما يحرم المنخرطون والذين يدعون" بالممارسين" من هذا وذاك ,إنه لا عمري قانون أساسي غريب, يعطي كل شيء لمن لا يملك ويحرم من يملك من كل شيء. أنا لا اعرف من أي دهليز يخرجون هذه القوانين التي تدفع إلى الوراء. إن هذا القانون الأساسي يسير في الاتجاه المعاكس للمسار الذي تسير فيه البلاد والذي يهدف إلى دمقرطة مختلف المؤسسات في أفق بناء دولة المؤسسات التي لا تزول بزوال الرجال والكفيلة بتحقيق الحق والعدالة بمفهوميهما الواسعين, ولا يتماشى مع الخطاب الرسمي التي تدعو إلى إشراك الأسر في كل ما يتعلق بشؤون أبناءهم وبناتهم .

المدخل المنهجي : بعد مرور 10 سنوات على ميلاد هذه الجامعة كنا نتمنى أن تكون هناك وقفة تقييمية للمرحلة والوقوف عند الإيجابيات لتدعيمها وتعميمها والسلبيات وتجاوزها ومراجعة الأهداف وتحيينها . كنا نتمنى أن تطلعنا جامعتنا الموقرة على إستراتجيتها في النهوض بالتربية الرياضية داخل المؤسسات التعليمية العامة والخاصة والتي لا تتوفر حتى على ساحة للاستراحة فبالأحرى ملاعب رياضية , كنا نتمنى من الجامعة أن توزع علينا البحوث والدراسات التي أنجزتها , كنا نود أن نعرف إلى أي حد تمكنت هذه الجامعة من نشر الرياضة المدرسية في البوادي , كنا …وكنا نود …لكن هذا لم يحصل ولن يحصل لأن فاقد الشيء لا يعطيه. لقد مرت الرياضة المدرسية في العشر سنوات الأخيرة بحالة من التردي والضعف لم يسبق لها مثيل في الوقت الذي لا زالت" الرسوم" مستمرة تجبى كل سنة والآباء يدفعون كفلاحي مصر. لم نعد نجد المبررات للدفاع على هؤلاء الذين انفردوا باتخاذ القرارات وقيادة الإصلاح وإصدار الفتاوى من المركز في زمن اللامركزية وعدم التركيز , لم نعد نجد حتى الكلمات لسب أنفسنا لأننا عجزنا كنسيج جمعي في فرض وجهة نظرنا والدفاع عن مصالح الأمهات والآباء الذين وضعوا ثقتهم فينا.

المدخل الميداني : لقد كانت ملاعب مؤسساتنا التربوية تضج بالحركة الرائعة وتستقبل أنشطة التلاميذ في مختلف الألعاب الرياضية وخرجت أسماء مبدعة شقت طريقها نحو النجومية والابدع . أما اليوم فهناك إجماع حول النقص الكبير وهشاشة البنيات التحتية ووضعية الملاعب حيث تنعدم الأرضية الجيدة وعدم وجود مغاسل ومنازع للتلاميذ لغرض تبديل ملابسهم الرياضية وهذه ظاهرة وطنية, وحتى أكون موضوعيا وأبتعد عن التعميم سوف أركز على مدينة وجدة باعتبارها قطبا جهويا حيث تعرف خصاصا كبيرا إلى حد مهول من حيث غياب أو تردي حالة الملاعب الرياضية المدرسية. وهناك مؤسسات تحولت ملاعبها إلى حقول للأعشاب ومطارح للمقاعد المكسرة وهناك مستودعات للملابس تم اقتلاع أبوابها وتحولت إلى مراقد للمتشردين, كما أن أساتذة التربية الوطنية يقضون جزءا من حصصهم في محاولة إخراج الغرباء من الملاعب وما يترتب عن ذلك من مشادة… وهذا الوضع أفرزته عوامل عدة، أهمها غياب الفكر والهم الرياضي لدى المسؤولين" المنتخبين" بالمدينة واستقالة الوزارة الوصية مند فترة التقويم الهيكلي.

إن فروع الجامعة الملكية على مستوى المؤسسات تحتفظ ب 65% من المداخل فإن هذا القدر لا يغطي حتى مصاريف التنقل لحضور الملتقيات الجهوية والوطنية ,هذا النقل الذي يتم في ظروف لاتليق حتى بالحيوانات فبالأحرى البشر ورجال الغد وأبطاله وكثير من الرياضيات والرياضيين رفض أولياءهم السماح لهم بالمشاركة في مثل هذه الملتقيات حيث تنعدم أدنى شروط التنقل والإيواء والإطعام والاستقبال ولا أظن أن السادة أعضاء المجلس الجامعي أو المكتب التنفيذي ينامون مع التلاميذ في الداخليات أو يتقاسمون نفس التغذية ما دام العمل داخل هذه الجامعة تطوعيا, إنهم ينامون في الفنادق المصنفة ويأكلون في المطاعم الفاخرة وكل هذا على حساب الآباء.

نحن كنسيج جمعوي نطالب بضرورة:

1- إعادة النظر في القانون الأساسي وإعطاء نصف مقاعد المجلس الجامعي والمكتب التنفيذي لجمعيات الآباء وإخضاع كل المناصب الأخرى للانتخاب وحذف أي شكل من أشكال التعيين فلا أحد أصبح قاصرا والكل بلغ رشده.

2- إلزامية انخراط كل الأعضاء العاملين والشرفيين أسوة بالأعضاء الممارسين تطبيقا للعدالة واحتراما لظهير الحريات العامة,

3- تحسين ظروف نقل واستقبال وإيواء وإطعام التلاميذ خلال الملتقيات الرياضية الجهوية والوطنية وتطبيق نفس المعاملة على المسؤولين المرافقين والمشرفين وتقديم تحفيزات مالية للمشاركين من التلاميذ.

4- إلزام الجماعات المنتخبة على ضرورة الاهتمام بالمؤسسات التعليمية وتشييد الملاعب الرياضية وتزويدها بالمرافق الضرورية بدلا من هدر المال العام في الحفلات ومهرجانات "البندير والتعريجة".

5- تزويد المؤسسات الابتدائية بالأساتذة المختصين في التربية البدنية وإيجاد البنية التحتية اللازمة لباقي المؤسسات وجعل الرياضة المدرسية معياراً أساسياً من معايير تقييم أداء المؤسسة التعليمية.

عار علينا أن نطالب براعمنا بتأدية رسوم عن أنشطة غير موجودة… فبالله عليكم, ما هي النظرة التي سيكونها هذا الطفل البريء, الفقير والحافي القدمين علينا وعلى نظامنا التعليمي؟؟ يذكرني رسم الرياضة المدرسية بضريبة الصحون المقعرة التي فرضت علينا ظلما وقهرا مقابل الهواء… "وتلك الأيام نداولها بين الناس"… وللحديث بقية.

محمد حومين