المدرسة الجماعاتية ………حلول ممكنة
المدرسة الجماعاتية ………حلول ممكنة
زرت بعض المؤسسات التعليمية الابتدائية بالبوادي في إطار المصاحبة الميدانية المديرين الجدد , وعاينت مجموعات مدرسية تعمل في غياب الكثير من الوسائل ,بل وبصراحة في ظروف صعبة ,تفتقر الى سياج, أو مرافق صحية- مراحيض- أو فضاء لمكتبة,أو تغذية مناسبة لتلاميذ يظلون في المؤسسة على لقمة خبز ومصبر لا يغني ولا يسمن من جوع, وأقسام مشتركة تجمع بين مستويين الى أكثر من ذلك. فضاء منفر وظروف عمل غير محفزة .
تساءلت مع نفسي :
– ماذا عسى أن ننتظر من أساتذة يعملون في ظل هذه الأوضاع المأساوية؟
– فان كان هذا حال المجوعة المدرسية المركزية ,فكيف هو حال الفرعيات؟
– ماذا ننتظر من تلميذ فقير نحيف ,بطنه يئن ,وعقله يحن ,وذهنه شارد ,وجسمه بارد,ونحن نعاقبه على عدم المتابعة ؟
– ما هي الكفايات والمهارات التي يمكن أن ننتظرها من تلميذ الخامسة والذي لا يكاد يتقن الحروف؟
– ماذا ننتظر من تلميذ متفوق نجح الى المستوى الأعلى لكنه ينتظر أصدقاءه في المستويات الدنيا للالتحاق به؟
ان الأقسام المشتركة ومهما حاول أنصارها تبرير الضرورات ,فان المحظورات هي الغالبة. ان الأستاذ الذي يجمع بين أربع مستويات ,فإما أن يساير مستوى معين على حساب الباقي, وإما أن يدرس كل مستوى نصف ساعة في اليوم ,وإما أن يجمع بين المنهجين فيصبح لا من هذا ولا من ذاك.
ودون أن أنكر مجهود السادة الأساتذة بالبوادي والذين يبذلون الغالي والنفيس ,ويضحون بالمدينة التي عاشوا فيها أهم مراحل حياتهم السابقة لينطووا بين جدران أقسام لاحقة ومعانات لا تكاد تنتهي وأطفال أبرياء بين أيديهم ,يعانون من الفقر والجوع والنقص الكبير في المستوى الدراسي – الجسم غير السليم لا يعطي عقلا سليما- إنها الحلول الترقيعية والسياسة التعليمية الفاشلة التي تعتمد التسويف والديماغوجوية حتى على حساب مستقبل مجتمع بأكمله.
– ألا يعلمون بأن المستوى في بعض الفرعيات يكاد يكون يساوي محاربة الأمية – أي التمييز بين الحروف – ونحن نطمح لمجتمع متعلم متجند الكفايات والمهارات اللازمة لمواجهة تحديات الحياة وبناء مجتمع راقي متطور يساير التكنولوجيا الحديثة .؟
– ان نسلم التجهيزات العصرية من حواسب وغيرها وبعض البطون جائعة ,وأخرى جاهلة ؟
– ألم يحن الوقت للمحاسبة والتقييم الصحيح الصريح ,بدل التهويل والتزوير؟
لقد حان الوقت للتوقف والتحليل العلمي ,ومعرفة أين نحن ,وماذا نريد,بدل العشوائية والارتجال والفوضوية .ومن هذا المنبر أدعو كل الغيورين على جهاز التربية والتعليم – بدل التربية والتكوين- فعن أي تكوين نتحدث؟ الى التحرك نحو الانقاد بدل الإنجاد ,والوقاية قبل النهاية.
ان المتتبع لمنظومتنا التربوية يجدها مكدسة بالنصوص والتنظيمات العصرية ,وعندما يخرج الى البادية – على وجه الخصوص- يتألم ويتأسف ويتعجب لتعليم تقليدي ,وطرق بيداغوجية متقادمة وإصلاح وصل الى باب المدرسة ,ثم عاد الى حال سبيله.
وحتى لا أطيل في تشريح هذا الواقع المر والذي لا احمل منه سوى تجربة ميدانية قصيرة ,فالواقع قد يكون افضع مما أتصور.أود ألا أكون من الذين يتقنون النقد ولا يحسنون البناء,وأقترح بعض الاقتراحات لتجاوز معضلة الفرعيات والتي لا أظن أن اثنان يختلفان في أن مرد وديتها متواضعة.
– الاقتراح الأول توفير النقل المدرسي لأكبر عدد ممكن من تلاميذ الفرعيات وتجميعهم بالمركزيات المدرسية ,بدل هذا التشتت بين أقسام متناثرة هنا وهناك وأساتذة يتنقلون يوميا ,مرهقين ,ناقمين ,يجمعون بين تلاميذ لمستويات عدة ,وقد لا يتعدى عدد كل مستوى أربعة تلاميذ.هذا الحل وللسف موجود وممكن ,ولكن ما رأيكم ان علمتم أن سيارات النقل متوفرة ببعض النيابات ولكنها متوقفة لعدم وجود سائق . أين هي الجماعات المحلية المعني الأول بالتربية والتكوين بعد وزارة التربية الوطنية ,والذين ينفقون أموال الشعب في ما طاب ولذ ولا يأبهون بمعاناته؟.
– الاقتراح الثاني وهو الأهم والذي أرى انه حل جذري قادر على تخطي الصعوبات وتذييلها ,ويتعلق بإنشاء المدارس الجماعاتية كما يسميها أصحابها.هذا الحل استقيته من مشاريع تقدم بها المديرون الجدد للسنة القادمة – وبالمناسبة سأعود الى تحليل كيفية انتقائهم في مقال لاحق ان شاء الله تعالى- والذين أثبتوا أن أسلوب الانتقاء بهذه الطريقة قد يفرغ مسيرين بل أقول مدبرين جدد يتوفرون على مؤهلات متميزة ,ودائما بشرط توفر المناخ المناسب.
هذا المشروع يتمثل في تجميع التلاميذ بالمركزيات المدرسية, والقضاء على الفرعيات التي يتمدرس بها عدد قليل من التلاميذ ,وعدد هام من الأساتذة ,مما يكلف كثيرا مع مردود ضعيف بسبب تلك الأقسام المشتركة والتي ذكرت سلبياتها سابقا.
– فكيف يعقل أن يجمع أستاذ بين أربع مستويات في فصل واحد بمعدل أربعة تلاميذ لكل مستوى وأحيانا اقل .؟
– ولنفرض ان الأستاذ يبذل كل ما في وسعه . فما هي الحصة التي يستفيد منها كل مستوى؟انها ربع الحصة المقررة,على أكبر تقدير. بل قد يصبح مستوى أو مستويات شبحا لمستوى معين ,يتابعون معه فقط.
– هل يمكن في هذه الظروف الحديث عن بيداغوجية الكفايات؟
ان تجميع التلاميذ داخل المركزيات المدرسية يتطلب توفير شروط معينة وعلى رأسها الإطعام والإيواء . تبقى النصوص القانونية وهي مسالة تنظيمية يمكن تجاوزها بسهولة متى توفرة العزيمة.
قد يتساءل القارئ الكريم عن إمكانية إيواء صغار السن وعن كيفية تمويل هذا المشروع. هنا بيت القصيد.
فيما يخص التساؤل الأول ,فليعلم القارئ الكريم أن تلاميذ البادية غير تلاميذ المدينة ,ليسوا مدللين ويتميزون بالقدرة على الصبر والتحرر والعيش بعيدا عن آبائهم .ولست انطلق من مجرد تخمينات ,بل اتصلت ببعض المؤطرين التربويين بنيابة فكيك والذين أكدوا لي أن التجربة قد نجحت بهذه النيابة وعرضوا علي زيارة المدرسة الجماعاتية ,ولذلك أخرت كتابة المقال الا أن بعض الانشغالات حالت دون ذلك.ومن خلال المناقشة معهم تبين أن هؤلاء التلاميذ أصبحوا يرفضون مرافقة آبائهم خلال العطل ويفضلون البقاء مع زملائهم . وأظنكم تعلمون السبب ,ان الكثير من تلاميذ البادية يعيشون حالة فقر لاذع ,فان وجدوا تغذية مقبولة وعناية شبه أبوية صادقة فإنهم سرعان ما يتأقلمون مع جو الداخلية.وهناك حل آخر باللجوء فقط الى تلاميذ المستويات الثالث فما فوق وتجميع الأول والثاني في إحدى الفرعيات.
وعن كيفية تمويل المشروع ,سأنطلق من معطيات متوفرة بين يدي وتتعلق بنيابة تاوريرت ,حيث نجد عدد المدارس الابتدائية بالمجال الحضري 27 ,وبالمجال القروي 29 مدرسة,وأن عدد الفرعيات بالمجال القروي تصل الى 145 مدرسة,أي بمعدل خمس فرعيات لكل مركزية. وأن مجموع الأقسام بالحضري تصل الى 483 في حين تصل بالبوادي الى 538 منها 420 قسما مشتركا- أترك لكم التعليق- وعدد المدرسين بالمجال الحضري 478 وبالمجال القروي 495 ,وعدد التلاميذ بالمجال الحضري 17652 وبالمجال القروي 8620 . وبما أن عدد الفرعيات تصل الى 145 مدرسة , ولنفرض ان كل فرعية تضم على الأقل أستاذين ,ففي حالة تجميعهم بالمركزيات سنوفر حوالي 300 أستاذ .
وبقسمة 8620 تلميذ على 29 مجموعة مدرسية سنحصل على حوالي 300 تلميذ بكل مدرسة وهو عدد مقبول.
ودائما بواسطة هذه المقاربة المالية فان ربح 300 أستاذ بمعدل 3500 درهم شهريا لكل موظف سنحصل على مبلغ 1مليارو260 مليون سنتيم سنويا , ,ولنفرض قسمته على 12 مركزية, فانه يعطينا حوالي100 مليون سنتيم ,هذا المبلغ وفي ظرف سنتين سيصبح 200 مليون سنتيم ل 12 مركزية, مما سيمكننا من تجهيزها بداخلية وحتى بعض الأقسام الإضافية وهكذا في ظرف أربع سنوات وبالامكانيات المحلية سنتمكن من تجهيز كل المؤسسات الفرعية تقريبا بالداخلية والقسام الاضافية للوافدين من الفرعيات .
ان هذه الاقتراحات قد تبدو للبعض واهية , وللبعض الآخر خيالية ,لكنها تبدو لي واقعية اللهم ان كان الآخرون غير واقعيين ,فالعمليات الاقتصادية تحسب بهذا الشكل ,ولو كنا نحسب كل العمليات بالدقة والصدق والإخلاص اللازم لما كانت إدارات وفي مجالات عدة من الوزارات تتوفر على أعداد هائلة من الموظفين بدون حقيبة وأخرى تعاني من نقص في أطرها.
ان ما ينقصنا المبادرة والقرار المناسب في الوقت المناسب. وما دامت التجربة أثبتت إمكانية نجاح هذه العملية فلماذا لا نوسعها؟
ان هذا الاصلاح في شكل المجموعة المدرسية وكيفية توزيعها سيساهم في حالة تبنيه في تحقيق الايجابيات التالية:
– رفع مستوى التلاميذ و ازدياد روح التنافس بينهم خاصة وان تلاميذ البادية لازالت قابليتهم على التمدرس خصبة.
– تجنب الهذر المدرسي بإقبال جل التلاميذ على التمدرس بل و إرغامهم على ذلك بعد توفير التغذية و الإيواء و فضاء مناسب لملاقاة زملائهم و اللعب معهم أثناء أوقات الفراغ.
– حل معضلة اجتماعية هامة بتقريب الأساتذة من القرى المجهزة نسبيا بذل تعيينهم في أماكن نائية لا تساعدهم على الاستقرار ولا على العطاء التربوي بالشكل المطلوب.
– حل معضلة إعادة الانتشار بشكل نهائي بالقضاء على إشكالية الخصاص بالبوادي و المدن.
إنها بضع من نتائج متوقعة يمكنها ان ترفع من المردودية وتعيد الدفيء والاستقرار الى المدرسة الابتدائية.آمل أن أكون قد ساهمت في تقديم اقتراح ولو انه يبقى المجال مفتوحا لتعدد الحلول وتعدد مصادر التمويل , وعلى سبيل المثال تتوصل أكاديمية الجهة الشرقية سنويا بحوالي 15 مليار سنتيم كإعانة للاستثمار ولك أن تتصور الحلول المقترحة بأخذ ولو نسبة من هذه الإعانة و استغلالها في هذا المجال ,بذل صرفها في إصلاحات قد لا تظهر منها الا القشور.
والله ولي التوفيق.
6 Comments
شكرا سيدي على هذا المقال المنير. اقتراحكم العملي لتجميع الفرعيات بالمركزيات جد عملي وطموح ارجو ان يتم تبنيه من قبل الفاعلين وايصاله للمسؤولين. و انشاء الله تعميم على باقي النيابات. فالحلول يجب ان تصدر من من بعيش وبعايش المشاكل و لن تاتي من العاصمة. واظن ان توفير 300 مليون من15 مليار لتفعيل الاقتراح امر مشروع و حتى اني اكاد لا اصدق انه لازال اقتراحا. و استمرار تجاهل اقتراحات كهذه جريمة في حق اطفالنا و رجال التعليم المعنيين. ولكم جزيل الشكر والتقدير
حياكم الله الأستاذ الجليل وشكرا لكم لقد طرحتم أسئلة لاهبة ومقترحات ثاقبة فهل من آذان صاغية؟
سلام الله عليك أخي محمد المقدم على هذه المقالة. أخي مادم تعليمنا يتحكم فيه الفكر افداري البيروقراطي، ومادام ممركزا ومتمركز في الوزارة أو الكاديمية، ومادام الاستقلال الوظيفي والمالي لم يصل إلى المؤسسات التعليمية بالنيابات، ومادامت هناك عدة معطيات قائمة في تعليمنا يطول التعليق بتفصيلها. فإن تعليمنا سيظل في أحسن احواله محاربة للأمية الأبجدية وسيظل المتعلم والأستاذ والمفتش والمدير يعاني المشقة في الميدان. وقل متيقنا أن اقتراحاته واقتراحات الفاعلين ستظل على الرف تحن لمن ياخذ بيدها إلى الوجود. فهي في حكم ممكن الوجود وهي درجة نأمل الرقي بها إلى الوجود الفعلي ( واجب الوجود ). ولك التحية والتقدير.
تحية إلى الأخ المقدم:
إن المدرسة الجماعاتية كما أسميتها ، أو الجماعية عند آخرين، أمر واقعي مطبق في أغلب بلدان العالم منذ عشرات السنين. وأظن أن تلكؤ السلطات التعليمية قي اعتمادها نابع من استلابها من القرارات التي تؤخذ قي جهات أخرى مثل سلط الداخلية والمالية والتجهيز وما وراءهم. ويتذرع الحاكمون في حقل التربية الوطنية بصعوبة تنفيذ كل ما يرتبط بجوانب اجتماعية يعتبرونها خارج المدرسة، مثل النقل والتطبيب والتغذية والإيواء … والحقيقة أن كل ذلك مرتبط في مفهوم المدرسة الجماعية.
فمتى ستنفتح هذه المؤسسة التربوية على مجتمعها؟
هل يجب أن نفقد عدة أجيال لننقذ أخيراً أطفال جيل مقبل؟
إن من يخططون للواقع التعليمي ويتخذون فرارات ترهن مستقبل الشعب يجب أن يحاسبوا على ذلك.
ومزيداً من امواطنة، وإلى اللقاء
إن الملاحظات التي جاءت في المقال كلها تنطبق على جميع المؤسسات بالعالم القروي.زد على ذلك أن بعض » المسؤولين » واخص بالذكر احد النواب بجهة سوس ماسة درعة و ينعت بالمناسبة بالنائب « الجريئ » يروج في إجتماعاته أن تععد المستويات لها مزايا كثيرة و يذكر منها « التقليل من التذخين لدى الاساتدة » عجيب . ويفسر ذلك بالمنطق التالي: « إذا توفر في القسم عدد قليل من التلاميذ فسرعان ما سيشرح لهم الدرس و باقي الوقت سيقضيه في النظر من النافدة و التدخين » .واتضح فيما بعد أن الهدف من هذه الفلسفة هو إقناع السادة المديرين من ضم المستويات دون الاخد بعين الاعتبار الخريطة المدرسية « و هذه هي الجرءة ».و لقد نم تكليف جميع الاستاذات « ذات » النفوذ (زوجة مسؤول-او برلماني او….)في منازلهن او بمؤسسات قريبة منها و لابأس أن يتكلف استاذ او أستاذة « غير ناقذين » بتدريس ثلاث او اربع الى ست مستويات.دون الكلام عدم صرف ميزانية التسيير بالرجوع الى الحاجيات الفعلية.اما عن فكرة المشروع الوارد في المقال فبدون شك هو الحل الامثل لحل المعضلة التي يتخبط فيها الاصلاح و خاصة الموارد البشرية و المادية.لكن هناك ايادي خفية تعرقل هذا المشروع و بالخصوص لوبيات البناءات المدرسية التي برمجت بناء حجرات دراسية في اماكن لا يمكن استغلالها اكثر من سنتين او ثلاثة.
و مع تقلص الساكنة المدرسية فإن العيب سيتفاقم و الحل هو الرجوع الى فكرة المقال و لماذا لا نحاسب من ساهم في الاصول الى هذه الوضعية .فأين عمل الخريطة المدرسية و إسقاطاتها؟
فلمواصلة الاصلاح لا بد من الترشيد و ابداع آليات لنجاوز السنوات الحرجة المقبلة بجميع الاسلاك التعليمية.
حياكم الله. والله انها ظاهرة تؤتر على مستوى ابنائنا التحصيلي على المستوى المتوسط والبعيد وتطرح تساولات عدة ترتبط بمدى مصداقية التوجه الوطني لتعميم التعليم في اطار مغرب التربية والمبادرة الوطنية للتنمية اليشرية وتجعل مصالح التخطيط التربوي أمام وضعية حساسة تتطلب وعيا والماما راقيين؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟