Home»Régional»في رحاب دمعة : قراءة في اعمال الشاعرة مالكة عسال

في رحاب دمعة : قراءة في اعمال الشاعرة مالكة عسال

0
Shares
PinterestGoogle+

في رحاب "دمعة"……………………………………..
(قراءة موجزة في أعمال الشاعرة والأديبة المغربية مالكة عسال) ……………………………………………

بعد تلك الحظة الموحشة التي أرعد فيها الماغوط, بقناطيره المقنطرة من الشجن والتمرد والتشرد… ليتحطم في نهاية عصفه على كرسيه المتحرك… و يضع يده اليسرى على خده و يمسك باليمنى آخر قصيدة من عمره… ويجعل الصفحة منفضة و النظرة مسافرة عبر دخانه الأبدي, ليعرج إلى مقام الدفء الذي لن يخونه هده المرة…
وبعد قراءة الفاتحة على روحه الشاعرية عادت الكتابة ترقب موعدها,
حيث تبلدت سماؤها هده المرة بغيمة فيها رعود… وبروق… وجروح… ودموع… تربت في أحضان شاعرة وكاتبة من زمن "الذبح من القفا", والتي ألفتها من أبجدية تروضها بفنيها الخاصة وديكوراتها الشاعرية فتنشأ منها الدرر و الصروح التي تؤرخ لحاضرها وتجعل منها ميراثا أدبيا /أبديا يتردد على لسان الأجيال المعاصرة والقادمة, لتواصل الرحلة داخل الحرف الفني الذي تعصر فيه دمها الإنساني الخالد ولو غيبها الزمن بعد عمر إبداعي طويل طبعا. وهكذا تشرح الشاعرة مالكة عسال طقسها الأبجدي بالقول :
أوغل في أدغال الأبجدية/أشيد من توتها صرحا لا يفنى/بدررها أوشح طنافس الأيام/لتتدلى من أفقي/نواقيس تجلجل نشيدا/تمطرني بجنات عدن/فأتخير الأشهى/من أتعابي أدفن الأشقى/التهم الليالي ./ألعق سطول الحروف/أرمم الصدوع ببلازما/أعصرها من دم أبجدي في حقائب الهلع(1)
هده الأبجدية الخبيرة بهدفها هي التي ستسعف الشاعرة في دفع دينها المستحق لفائدة الجرح العربي والإسلامي, وهو نفس الدين المستحق على كل مثقف أو مناضل بغض النظر عن مكان تواجده أو أسلوبه المهم أن يكون في مستوى المسؤولية الأدبية والتاريخية ومستوى الهدف التحرري النبيل. فكانت الانطلاقة من الاجتياح الاستعماري/ الأمريكي للعراق والدي زاد الجرح الفلسطيني اتساعا و عمقا ونزيفا… فعنونت الشاعرة أولى قصائدها ب " فلسطين " تأكيدا لصوت الحق وتذكيرا بحجم الألم الذي سيجعل عنوان القصيدة الثانية مفتوحا على "جراح " إنسانية متتالية … ورغم أن زمن الكتابة يبدو وجيزا إلا انه حافل وزاخر جدا بكل أنواع الإبداع من قصص وأشعار تطرب الكبار وكتابة مسرحية وغنائية تطرب الأطفال وتغدي فكرهما ومعرفتهما… وطبعا هدا الانفجار النسائي المتأخر ليس وليدة صدفة أو بين ليلة وضحاها بل هو تراكم لأحاسيس إنسانية ذاتية, يحاصرها الفقر المدقع والحرمان الطفو لي والفرحة المغتصبة بموت الغنج الذي كان يضفيه عليها والدها, بالدرجة الأولى ثم بالدرجة الثانية هو تراكم لتجربة مطلعة على انتاجات مغربية وعربية وحتى عالمية, هرولت ورائها الكاتبة لغرض تكوين أداة صلبة تجعلها تصطاد كلماتها وتطارد أحاسيسها بطريقتها الخاصة والفريدة والعميقة والمستقلة عن باقي التجارب, لترسم الطريق لجدولها الإبداعي الذي سيروي أول ثمرة مكتملة بين دفتي "دمعة" وهدا الديوان الشعري هو تجربة مرتبطة" بكل حزن يجري في العالم" على حد ما فسره القول النثري للمبدعة ومرتبط بهذا الإنسان الذي أصبحت المرارة تنهش أعماقه, وأصبحت حياته منقلبة رأسا على عقب حين يحاصره الخوف…ومنه أصبح يخاف السعادة… حتى الضحكة التي قد تباغته وتخرج ملئ قلبه وشفتيه يطاردها بالقول "اللهم اجعل نهايتها خيرا"…وأصبح يخاف الحرمان الذي يتهدد الأزمنة…وأصبح يخاف الموت الذي يطلع دون حسبان من الأمكنة… وأصبح يخاف اللحظات ويتوجس انفجار الإنسانية التي تبعثر الأصعدة… وأصبح يخاف الفقر الذي تنفطر له الأفئدة…ويتواصل الاختراق من الذاتي إلى الجماعي ليجهز على التهميش والقتل المجاني والاغتيال والشنق واللاديموقراطية والاحتلال الغاصب للأرض والهوية والاستبداد والاستعباد… وهده النظرة الكلية توازي-في كثير من المواطن – نظرة الاستاد فوزي الديماسي التونسي التي طاردت مقاطع الديوان من عنوانه الى آخر مقطع فيه, محاولا إدراك كنه هذه الدمعة. فيقول في دراسته النقدية :«… و ديوان " دمعة " للشاعرة المغربية مالكة عسال يوحي منذ العتبة الأولى بمعنيين متناقضين فالدمعة حمّالة وجهين في إطلاقيتها وجها للفرح و آخر للحزن ، و الدمعة بالتالي للحالتين النفسيتين عنوان : هكذا توحي القراءة المبدئية للعنوان الرئيس ، و مع الوقوف عند العناوين الجداول من قبيل " غصة " / " لا ترحلي " رحلوا " / مرثيّة " / " مغتربة " تتبدد السحب و يتخذ مناخ الديوان شكله النهائي ، إذ العناوين مجتمعة توحي تلميحا و تصريحا بأجواء سوداويّة تلفّ الديوان برداء من الصمت المثقل بالشجون و تعضد بذلك صدقية العتبة الأولى أو العنوان الرئيسي ، فالرحيل و الغصة و الرثاء مجلبة للدموع و مدعاة للحزن… معالم الحزن في الديوان اثنان لا ثالث لهما ذاتي و موضوعيّ و لعلّ الأول انعكاس للثاني و مرد هذا الحزن الواقع المتخشب المحيط بالعالم و الأشياء . فكلّ القيم جثث هامدة على حافة الوجود ، فالحب و الطفولة و المدنيّة أشياء مضرجة في النسيان مقابل انبجاس قيم الفر دانية و العدوانية و المنفعية و لعلّ هذا التضارب الصارخ و التناقض المفضوح الفاضح لعب الدور الرئيس في تهشم مواطن الفرح و بذور الارتياح لدى الذات الشاعرة الباحثة عن زمن غير الزمن الفيزيائي الراهن الملطخ بانسداد الأفق و موت الفجر الوليد ، ففي قصيدة " مدينتي" تصور الشاعرة حالة الإحباط الجاثمة على صدر الأفق الغارق في الليل حيث تقول:
يقتحم الليل البيوت /و الغرباء /يسكنون الأفق ! /من الإفك /يحبكون المحاور /و في انتشاء /يغتالون الحرية حبنا .
و مما يزيد تجذير المقطع في طقوس موغلة في الحزن الناسل من راهن موبوء و مبنيّ على قيم مهترئة مثل قيم الإفك و الاغتيال, الطرق التركيبية لبناء الأسطر الشعرية… » (2)
وهده الدراسة للاستاد فوزي الديسامي ليس الوحيدة التي طاردت الديوان بل هناك قراءات محلية مغربية أخرى اقتربت أكثر من سوداوية الشاعرة لجلاء عتمتها وتسليط الضوء على تجربتها منها: قراءة الأستاذ سامي الدقاقي. وقراءة أخرى قام بها الشاعر مصطفى فرحات. لكن الكل وقف مشدوها وسط هده السوداوية وتلمسها عنوانا عنوانا و مقطعا مقطعا…حتى الصحفي نجيب طلال من إذاعة فاس, لم تفلح "بقعة ضوءه" في اغتصاب الغيمة التي تطبق على الجو العام الذي سطرته الشاعرة في كتاباتها وبقي الحوار امتدادا للرؤية الشعرية التشاؤمية, مفتتحا بإلقاء متميز لقصيدة "حلم في خرم الإبرة" بصوت الشاعرة, مرورا بالحديث عن دور الكتابة باعتبارها مسألة ضرورية وليست طرفا على مستويين:أولا لتحقيق الذات والوجود . وثانيا هي رسالة إلى الأخر لتبليغه بالعمق… بالإشكال… بالمشاعر…و الكتابة صفحة ناطقة حول هدا المبهم و هي صرخة أيضا ضد الواقع المكسر في نفوس كل واحد… ثم استرسل الحديث عن مراحل تشكيل القصيدة فهناك من القصائد التي ترفرف كاملة على كتف الشاعرة من بدايتها إلى نهايتها, و هناك القصيدة التي قد تطول أسبوع أو أسبوعين, وهنالك القصيدة التي تمتد إلى ثلاث أشهر أو أربعة, وهناك القصيدة التي تستعصي على الإتيان فتتعبها على حسب ما يثير العمق… وهدا الألم المتواصل اضطر الصحفي إلى الخروج عن البقعة ليطرح سؤاله المفاجئ / الحامل لروح النكتة فجعلها تطلق ضحكة محدودة بزمن الدقائق المتبقية من زمن البرنامج, ودلك حين سألها عن ردة فعلها لو دخلت حماما شعبيا ووجدت نسوة يقرأن ديوانها دمعة. فردت عليه بلباقتها وذكائها -والابتسامة الاستثنائية مرسومة على وجهها- هدا الأمر إن وقع فهو انتصار على شبح الأمية الضاربة في المجتمع. ولكي يزيد من دغدغة مشاعر الشاعرة أردفها بسؤال آخر وهده المرة عن رأيها ما إذا فتحت ثلاجتها ووجدت كتابا هناك ,لتجيبه بعفويتها و طلاقتها إن هدا لن يقع فلا وجود لكتاب من كتب الشاعرة في ثلاجتها كما لا وجود لتفاحة في مكتبتها (3)..ولكن إذا كان حصول هذا الخلط المكاني مدعاة للغرابة والسخرية في بيت الأديبة, فانه قد يبدو عاديا في بيوت أخرى حيث انقلب كل شيء في عصر ثقافة" الساندويتش" الذي أصبحت فيها مؤخرة" روبي" ممددة على المكاتب الخاصة عوض مقدمة ابن خلدون, وأخذت أشرطة "نانسي" و"راغب علامة" مكان دواوين الشعر والرواية على رفوف مكتبات الغواية … (ولتبقى هده الدعابة خارج البقعة وخارج الوجهة), والعودة إلى مشاريع الكاتبة التي تعد قرائها أنها ستكون بنفس الحزن ونفس التشاؤم. وقد صدق وعدها في قصيدة "جمرة في الماء ملفوفة "والتي ترصد فيها من جديد الجرح الفلسطيني وهو يأكل يعضه وينخر نفسه من الداخل لتصرخ في وجه أبناء الأرض المحتلة وترشدهم إلى أن يلفوا غضبهم ويغرقوه في صفحة ماء لتنطفئ في لمحة واحدة وينتبهوا إلى المهمة الأولى والقضية الأولى ألا وهي التحرر و"بعد لهم اليد الطولى في السياية" .هكذا تهدي قصيدتها إلى فلسطين الحبيبة قائلة:
أيتها المنكفئة في تَرعة الجراح/ آكلة لحم أبنائها بالتناوب/ أين مرق الأمومة بالندى طافح؟/ الوجوه الباكية/
تتساقط على قدميك/ دِيستْ ملامحها/ وأنت صابرة تمضغين قدرك/ يا أميرة في قلائد الحزن ملفوفة/ خطفَ الغرباء تاجكِ/ واختبئوا وراء الجرح/ يتقاسمون ماء عينيكِ/ تتطاول أيديهم لإمساك خصلتك/ بك نحو التلاشي يُعجلون / يزرعون/ بين أوجاعك الأوبئة/ على عتباتكِ المقدسة/ يفرخون طيورا / ليست من نفس الفصيلة/ من لحم بعضها تُهيئ الولائم /…/ في كبدك يحفرون/ طريقا إلى الحريق/…/ أمي مرضعتي بالتبني/ …/ بين زوابع جامحة وأسوار منتهكة/ تنذبحين بالبلبلة / أيقظي أيقظي/ من نعاسِها الطويل نسورك/ قولي لها/ غيري سرير الخطو/ قولي لها/ اتركي الوزيعة للغد/ حتى/ نستل من فم الذئب قماشنا…/…/ (4)
والنظرة الأخيرة هي أن كتابات الشاعرة قد تجاوزت مرحلة الصرخة باللغة الواحدة, وصارت صرخة بلغات أخرى ساهمت فيها أقلام الترجمة. فقصيدة "حنايا الوقت" أصبحت صرخة بنسخة ايطالية على يد الدكتور أسماء غريب, وقصة "عرش بلقيس" أصبحت لها نسخة فرنسية على يد الأديب التونسي جمال الجلاصي وتتوالى الكتابة وتتعدد نسخها ولغتها مع التمني لصاحبتها بالشفاء ودوام الصحة والإبداع ….
*****************************
الهوامش:
(1)قصيدة "أبجدي في حقائب الهلع"مالكةعسال المجلة الإلكترونية ديوان العرب.

(2) دراسة فوزي الديماسي لديوان" دمعة" مأخوذ عن مدونة الأستاذة مالكة عسال
(3) مجمل الأفكار التي وردت على لسان الشاعرة مالكة عسال في معرض الحوار الذي أجراه معها الإذاعي نجيب طلال في برنامج "بقعة ضوء" على أمواج إذاعة فاس
(4)قصيدة " جمرة في الماء ملفوفة" نشرت بجريدة الصحراء المغربية

K_rachid_h@hotmail.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *