Home»Régional»احتفاء متأخر بمحمد الماغوط

احتفاء متأخر بمحمد الماغوط

0
Shares
PinterestGoogle+

هي قمة الاعتراف بجمالية الإبداع وقمة التأكيد على عنفوان الريادة حين يبكي شاعر عظيم على كتف هرم أعظم ويهمس له: «أنت شاعر كبير وستبقى كبيراً ولن تنتهي… أنت أصدقنا وأبرأنا» مشهد تمتزج فيه نبرة الإحساس النبيل ونغمة التأثر و صدق الانفعال…وحدها ذاكرة مقهى "الهافانا" بدمشق تنفرد بتدوين المشهد ضمن تراثها التاريخي وفضائها الذي أثـثه الكتاب والشعراء بكلماتهم…انه المشهد الذي يعانق فيه الشاعر نزار قباني الأديب الكبير محمد الماغوط ويذرف بين أحضانه كلمات الإعجاب والتقدير مقرا في ذات الشخص أن حزنه وتشاؤمه كانا أصيلين.. و تفاؤل باقي الشعراء وانبهارهم بالعالم كان خادعاً…

من شهادة الأهل للأهل أبدأ هدا الاحتفاء المتأخر مع سبق الاعتراف والاعتذار لهذا الجريح المتشرّد… الذي يحب المطر وأنين الأمواج البعيدة … ولا رغبة له إلا أن يموت ملطخا وعيناه مليئتان بالدموع لترتفع إلى الأعناق ولو مرة في العمر… كما قدم الماغوط نفسه في أول بورتريه من حياته الإبداعية "حزن في ضوء القمر".

فأول شيء يشد القارئ إلى تتبع المسيرة الإبداعية لهدا الكاتب الكبير هي البساطة المرادفة للعمق, والبعيدة كل البعد عن السطحية, إنها الطريقة المتميزة في تطويع الكتابة, والتي توحي بالتميز والانفراد بأسلوب مدهش. بنفس التفرد استطاع الماغوط أن يطور المشاعر الإنسانية المتكررة و يحول الكلام اليوميّ المستهلك, إلى الكلام الشعري الممتع… هذا التحول هو نسخة من حياة الماغوط نفسه… تلك الحياة القاسية, والمغلفة بالفقر والحزن والتسكع والقطيعة مع الأماكن الدافئة التي أبت أن تحتضنه منذ الوهلة الأولى, حين حاول أن يتخذ له مكانا قرب مدفأة الحزب المحاذي لمسكن أسرته… هكذا لفظه الدفء و لفظه الحنان إلى أقرب حجرة سجن باردة /موحشة, دون أن يعرف كيف حصل هذا, ودون أن يعرف تهمته أو يطلع على برنامج الحزب الذي اعتقل بداخله . هو الاعتقال المجاني الذي سيحدث التغيير بشكل جلي, ويخرج من ظهر فلاح بسيط كاتبا يسكنه الرعب المفاجئ والقادم من حيت يحتسب أو لا يحتسب, وتتقاذفه كوابيس السجون, ليرث العذاب الأبدي… هذا البدوي/الكاتب الذي يلتحف الفطرة ويعانق ثراء الأحاسيس , سيجعل من أدواته هاته سلاحا لاقتحام الحداثة, ووقودا لإشعال القصيدة من اجل أن يدفأ عذاباته… وبنفس التفرد الخالي من النرجسية أو الغرور زرع الماغوط بذوره الأولى في مدرجات قصيدة النثر… حتى ارتفاع درجة التشبيه بين كتاباته وكتابات مبدعين غربيين من أمثال بودلير أو رامبو -حين قدمها أدونيس في إحدى مناسبات مجلة (شعر) وقرأ بعضاً من شعر الماغوط من غير ذكر اسمه- لم يحدث في نفسه شيئا بل ظل منـزويا يبحث عن تفرده وصدقه وأصالته…لأنه لا يريد لشاعريته أن تكون امتدادا لأحد, بل هو من سيشكل التحدي لشعراء وكتاب قادمين ليس بخصوصيته فقط ولكن بزخمه أيضا, فقد كتب الماغوط كل الأنواع وجرب كل الأشكال, كتب القصيدة :

*حزن في ضوء القمر –دار مجلة شعر –بيروت 1959

* غرفة بملايين الجدران- (دار مجلة شعر- بيروت 1960)

*الفرح ليس مهنتي- (منشورات اتحاد الكتاب العرب- دمشق 1970).‏

و كتب الرواية:

* الأرجوحة (نشرت عام 1974-1991 عن دار رياض الريس للنشر).

وكتب للمسرح:

* العصفور الأحدب- 1960 /

*المهرج- (مثلت على المسرح 1960- طبعت عام 1998 من قبل دار المدى- دمشق).‏

*ضيعة تشرين- مسرحية لم تطبع- مثلت على المسرح1973-1974).‏

*غربة- مسرحية لم تطبع – مثلت على المسرح 1976)/

*كاسك يا وطن- مسرحية لم تطبع- مثلت على المسرح 1979)/.

*خارج السرب – مسرحية (دار المدى- دمشق 1999 ‏.‏

و كتب للتلفزيون و للسينما:

* حكايا الليل- مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري).‏
* وين الغلط- مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري).‏ .‏
*الحدود- فيلم سينمائي من بطولة الفنان دريد لحام

* التقرير- فيلم سينمائي من بطولة الفنان دريد لحام.

بالإضافة إلى مجموعة من المقالات والنصوص: ( سأخون وطني- مجموعة مقالات (1987)

سياف الزهور- نصوص (دار المدى بدمشق 2001). ‏

والملاحظة الأساسية التي يمكن أن نستخلصها من هدا الجرد لأعمال الكاتب هي الحضور المتكرر لنبرة الحزن والتي تفضحها كلمات العناوين القوية.. وكذلك هناك إصرار على البحث عن الحرية الضائعة والتي يحاصرها الخوف والقهر من كل جحر وبما أن شر البلية ما يضحك فقد ترجم بعض حزنه إلى سخرية مرة في كثير من المواطن..

وهكذا بدأ شاعرنا بدويا بسيطا لينتهي بدويا أحمرا, وكان هذا آخر إبداع يودعنا به: كتاب * "البدوي الأحمر" الذي صدر له في عام 2006 عن دار المدى/ دمشق- سوريا… وبمقتطفات منه نختم هدا الاحتفاء:

سأدخن همومي وجراحي/كما لو كنت في نزهة على شاطئ البحر./…/ووراء القضبان أعقد لقصائدي شرائط وجدائل مدرسية بيضاء/وأطلقها من النافذة./ …/ثم أتابع وقع خطوات السجان وهو يذهب/ويجيء أمام زنزانتي كأنها آثار قلمي./ …/وبعد أن أكتب كل ما يروى لي/أقص دفاتري على شكل زورق وأشرعة وصوار/وألقيها في عباب المجهول/ثم/أنصرف إلى الصحراء/لأعرف ماذا أفعل بها/أو معها؟/رأسي ممتلئ حتى آخره بالأحلام والأمنيات/ولم/يعد فيه مكان لحلم جديد/وإذا ما وجدت فستدفع خلو رجل/كما في الأماكن السياحية والتجارية./…/لقد قضيت حياتي وأنا أنتظر/حلول الليل/طلوع الفجر/الحب/تغريد الطيور/شروق الشمس/الإبداع/الإلهام/الهبوط/الإقلاع/إلا الذي أحبه أن يعود./فلا أرى له أية بارقة أمل./ …/أقسى ما في/الوجود/أن لا يكون هناك ما تنتظره/أو تتذكره/أو تحلم به!!/كل ما هو وراء الأبواب المغلقة/وتحت السماء/الغائمة/الزهور، الطيور، الصخور، الشعوب/هو إلى الفناء/ما عدا الشعر والله/ولذلك فإن الله لا يتربع في/أعالي السماء/بعيداً عن كل شيء لأسباب دينية/بل عاطفية/ولذلك أعمد إلى تمزيق خيامي كبدوي/وأرفع/ستائري كحضري/بل وأفتح قلبي وصدري/لكل شعراء العالم/حتى الفاشلين منهم./ …/إنني أكره/الياقات العالية/والقبعات المحكمة/والأزرار المقفلة/والخناجر المغمدة/وحتى الأصابع المتشابكة/في ضوء القمر/تحت ظلال الزيزفون!!/دائماً أقابل من أحب/ومن أكره/وأنا في أسوء حالاتي./ساعدني يا إلهي../خذ/بيدي../بل خذها/وخذ المرفق والساعد والكتف/فعندي أعضاء كثيرة لا لزوم لها!

ويستمر الحزن في قلوب الأدباء والكتاب و المثقفين بفقدانهم لرائد من روادهم العظام … فرحمة الله على صاحب التجربة الفريدة و الرائدة و غير المتكررة…

k_rachid_h@hotmail.com

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

2 Comments

  1. أم بثينة
    07/03/2007 at 11:45

    أخي المحترم رشيد قدوري، اسمح لي أن ألفت نظرك لبعض الأخطاء الشائعة التي وردت في مقالك والتي أرجو أن تتقبلها بكل روح رياضية مادمت من أنصار لغة الضاد القحة . نقول الاحتفال لا الاحتفاء لأن الاحتفاء هي اللامبالاة،أنظر قول الشاعر القديم في رثاء عبد الله بن الزبير عندما كان مصلوبا:مددت يديك نحوهم احتفاء ==كمدها إليهم بالهبات.لنقول بنفس التفرد بل بالتفرد نفسه لأن النفس من ألفاظ التوكيد اللفظي الذي يجب أن يكون بعد المؤكد.لانقول:الملاحظة الأساسية بل الملاحظة الأساس. وفي الأخير أنوه بمقالتك التي ذكرت الغافلين بمحمد الماغوط الشاعر/الفنان.وتحية إبداعية.

  2. رشيد قدوري
    09/03/2007 at 19:22

    مرة اخرى اشكر الاخت ام بثينة على تتبعها وهدا شيء يسعدني ويزيد من رغبتي في الكتابة والتواصل مع قراء جريدة وجدة السيتي وبطبيعة الحال نحن هنا من اجل المعرفة والاطلاع اكثر وكدلك الاستفادة من بعضنا البعض اما فيما يخص كلمة احتفاء فاحيلك على هدا التعريف الماخود من المعاجم العربية : اِحْتِفَاءٌ – [ح ف و]. (مص. اِحْتَفَى). 1. « خَرَجَ النَّاسُ احْتِفَاءً بِقُدُومِهِ » : تَرْحِيباً وَتَكْرِيماً. 2. »مِن عَادَةِ الشُّعُوبِ الاحْتِفَاءُ بِذِكْرَى اسْتِقْلاَلِهَا » : إِقَامَةُ عِيدٍ لِذِكْرَاهُ. وهدا ما كنت ارغب فيه ان احتفي بمحمد الماغوط ولو متاخرا وشكرا
    وتحية ابداعية ودام التواصل بكل روح علمية ورياضية واخوية ههههههههههههه

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *