في سبيل ثقافة علمية
إنه لمن دواعي القلق التي تحزّ في خاطر أي متبصر ، ومتمكن من تحسس الحياة الثقافية لعالمنا العربي والإسلامي أن يستمر هذا الوضع القائم الذي تتخبط فيه المؤسسات الثقافية ، والمثقفين ، والقراء . إنها أذن أزمة ثقافة ،ومثقفين ، ومتلقين على حد سواء . لست ممن يطلق العنان للتشاؤم إلى حد فقدان الأمل، ولكن كغيور على ثقافته أتطلع جاهدا إلى فهم هذا الإسهال الغير المبرر الذي أصيبت به ثقافتنا وأكثر من ذلك أتطلع إلى التمكن من ضبط بعض الخصائص التي ربما ستكون في المحصلة أداة لانتشال ما يمكن انتشاله .
ما نشاهده ونقرؤه في، وسائل إعلامنا لا يمكن أن نستنتج منه إلا حقيقة مرة تدفعنا إلى طرح أكثر من سؤال عن الدور الذي تقوم به هذه الوسائل ، حتى بتنا نحس أننا خارج التمثيلية الإعلامية، وكان هذا الإعلام لا ينتمي إلى هذه الثقافة ، فماذا فعلت هذه الوسائل في حفظ خصوصية هذه الثقافة ؟ وما الذي قامت به لصد التحريفات ، والتشويهات التي تلحق بها باستمرار ؟ سنفهم هذا الدور أكثر عندما نتدبر التحولات التي شهدها العالم خلال السنوات الخمس الماضية خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث تحولت فيها الثقافة العربية، والإسلامية إلى كابوس، وهاجس يمثل الخوف ، والرعب والدموية ، وكل شيء له تعبير عربي إسلامي فهو بالضرورة ينم عن روح خبيثة وثقافة إرهابية ، أي انتقلنا من رمز السبات الثقافي والجمود العقلي، إلى رمز التقتيل والإرهاب !!
قد يقول أحدهم بان هذه الثقافة الرائجة حول العرب ، والمسلمون هي نتاج طبيعي لسياسة القولبة الإعلامية، وتشويه الحقائق الملموسة والتي تهدف بالأساس إلى إعطاء صورة للأخر من زاوية أيديولوجية بحتة ، لا تترك المجال لهذا الأخر أن يعبر عن منطقه في فهم الأمور المنسوبة إلى الإسلام والمسلمين ، حتى وصل بهذه الأجهزة الإعلامية الضخمة إلى ابتكار خطط تورط بها حتى رجال الفكر ، والكتاب المنتمين إلى العالم العربي أو الإسلامي حينما تخصص لهؤلاء حيزا للحوار لا يقل عن بضع دقائق توجه من خلالها أسئلة جد مقتضبة ومتطرفة ، وتوقع المحاور في ارتباك بالكاد يتصدى للتهمة حتى ينجو بنفسه !! قد نتفق مع هذا المنطق المعبر عنه بالقولبة ، لكن هل تساءل أحدنا في المقابل عن الدور الذي لعبته المؤسسة الإعلامية، والثقافية في العالمين العربي والإسلامي لتقريب المفهوم الصحيح ، والدقيق لثقافتنا على أنها تراكم حضاري تسعى بالدرجة الأولى إلى التلاقح الثقافي والتعايش المشترك .. بلا شك لا شيء قدم في هذا الجانب فإمكانية الرد، ومجابهة هذه الأفكار تستغل وتقدم لنشر ثقافة الانبطاح ، والردح وغيرها من هفوات وكبوات العالم العربي والإسلامي .
وحتى لا نلهم أنفسنا ونقنعها بأن التغيير الجذري والفاصل سيتحقق لدينا انطلاقا من مبدأ " التسول الثقافي " عبر استيراد بعض المفاهيم ، ونحتها على أكثر من أساس حتى نوهم لأنفسنا أننا فعلا نسير وفق التحضر ، والانفتاح مع أننا على يقين بان الأمر لا يتعدى أن يكون وهما مزروعا في نفوسنا .. وجدير بالذكر أن نذكر بأن ثقافة بحجم الثقافة العربية الإسلامية لا يتأتى لها تحقيق الاستمرارية إلا من الزاوية العلمية أو ما يعبر عنه " بالثقافة العلمية" لأننا مادمنا مطالبين بتبليغ رسالة واضحة للأخر مفادها أننا ذوي حضارة وثقافة رفيعة ليست كما تصور لديه ومن جهة فهذا الأخر أكثر فهما للمنهجية العلمية لأسباب موضوعية على رأسها انه ساهم في تطوير علوم متعددة ، وكان له الحظ الأوفر من الاستفادة من العقلية العلمية وما نشهده من تطور اليوم شاهد على ذلك ، وبالتالي إذا أردنا أن نبلغ رسالتنا الحقيقية لا يجب فقط أن نكتفي باحتجاج هنا أو هناك على تصرف قام به مجموعة من المشبوهين والمعارضين لنا ، فنحن مطالبين أكثر من أي وقت مضى أن نسير في ركب هذه الدول ونحاول أن نقنعهم من زاوية القوة العلمية ، حتى إذا تفاوضنا وتحاورنا سنتحاور على أساس معترف به . وما أحوجنا في هذا إلى إعلام بالدرجة الأولى يوقد الحس العلمي لدى الأجيال القادمة كلبنة أولى لقيام مجتمع علمي .
Aucun commentaire