حرية التعبير والالتزام بالمسؤولية
إن المتتبع لتطور حرية التعبير في الوطن العربي يحس بنوع من المبالغة في تصور ديناميكية هذه الأخيرة ، وغالبا ما يتحدث المتحدثون عنها انطلاقا من مواقف لا تنسجم مع الواقع الحقيقي ربما هذا عامل أساسي في صعوبة فهم الأزمة التي تمر بها حرية التعبير ،وفي اعتقادي أن الشيء الأساسي أيضا الذي يجعل الأمر معتما أكثر وغير واضح ، هو تعدد السلوكيات الكلامية ،والخطابات التي تصب في هذا الاتجاه ، مما يعني ذلك الانزلاق من مسالة واحدة إلى تأويلات متعددة غالبا ما تكون خاطئة ،وبالتالي قد يتفرع الأمر ليصبح حديث عن مجموعة من المسائل يصعب حينها ضبطها ، وحتى الحديث عنها بسهولة بل ستتعقد أكثر فأكثر . ومعارضتنا لفكرة الإسهاب في الحديث عن حرية التعبير بشكل غير مجدي ، ومحاولة التعتيم عليها بهذا الشكل لا يتأسس لدينا إلا من كوننا ندرك تمام الإدراك أن حرية التعبير هي اللبنة الأساسية في تثبيت الحقوق وبناء مجتمع ديمقراطي وأي إخلال بهذا النظام يعتبر انتكاسة حقيقة لأي تعثر ديمقراطي في أي بلد من البلدان ، والمهم أن يعلم الجميع أن حرية التعبير قبل أن تكون أداة لممارسة الحق فهي مكسب يجب أن يحافظ عليه الإنسان ويحاول أن يضيف بإمكانياته عليه مزيدا من النضالات المستمرة المفضية إلى انتزاع اعترافات من السلطة بمزاولة الحقوق التي تحجب أو كسر القيود على قوانين تحد من ممارسة هذا الحق أو ذاك .
وفي اعتقادي أن ممارسة حرية التعبير عند أي شخص أو جماعة هي بالضرورة ممارسة تعبر عن مدى إيمان هذا الشخص أو هذه الجماعة بأهمية الممارسة الحرة في إطار التحلي بالمسؤولية الكاملة لما يصدر عنهم وفي هذا الإطار نفسه ، يجب أن نؤكد أن التعتيم عن وضع حرية التعبير في الوطن العربي والاخلالات التي يشهدها المسلطة عليه من قبل السلطة وبعض رجال الفكر والصحافة المسخرين من أجل ذلك يعتبر بمثابة طعن في المسؤولية وتهرب واضح من الممارسة الديمقراطية في مفهومها الحقيقي.
ولا يمكن ذكر المسؤولية في هذا الإطار دون الإشارة إلى أن هذه الأخيرة هي المعيار الذي يعتمد في قياس مستوى الوعي بأهمية حرية التعبير، وأي إخلال بها يعتبر بمثابة رجوع إلى نقطة الصفر من جديد وانقلاب على بعض المكتسبات .ويمكن أن نقول في الختام أن الارتباط الوثيق بين الحرية والمسؤولية هو ارتباط لا يقبل التقسيم والسير في اتجاه تعزيز هذه المفاهيم يتوقف على حركية الثقافة داخل المجتمع والتشبع الذي توصل إليه المسئولين أو بالأحرى الإيمان الذي يجب أن يترسخ لديهم وأيضا لا يمكن إغفال دور المؤسسات المدنية .
Aucun commentaire