كيف هيمن ـ البام ـ على المشهد السياسي بالجهة الشرقية ؟
يجمع المتتبعون للمشهد السياسي للمغربي أن وزارة الداخلية كانت تتدخل لصنع أحزاب في آخر لحظة قبل موعد الانتخابات لخلط الأوراق وضمان استمرار الأغلبية في يد الإدارة. ولكن التحاليل تتوقف دائما عند هذا الحد و لا تذهب بعيدا. لم يقل لنا أحد من المحللين أو الصحفيين المتتبعين كيف تتم هذه العملية، أي كيف تخلق أحزاب في ظرف وجيز ثم تحصد أغلب الأصوات وتسيطر على معظم البلديات والمقاعد في البرلمان؟ لا بد أن يكون للإدارة الترابية تنظيمات خفية لها واجهات مدنية أو اجتماعية، وحين يقتضي الأمر تصدر التعليمات للانخراط في الحزب الإداري الجديد لمزاحمة التنظيمات الحزبية التي يرى فيها أصحاب القرار تهديدا لهم أو لمصالحهم. هذه الواجهات كان يسميها اليسار جمعيات السهول والهضاب ومنها جمعية أنكاد المغرب الشرقي التي كان يرأسها أحمد عصمان. حدث هذا لما كان اليسار يشكل قوة حقيقية تهدد النظام الملكي، ويحدث نفس الشيء اليوم لما صعد نجم العدالة والتنمية والتفت حوله الجماهير الشعبية الحالمة بالتغيير الحقيقي أي تحقيق المساواة بين جميع المواطنين. وكانت المقاربة الأمنية هي المسوغ الأساس لهذا التدخل بحيث يتم تضخيم الخطر الوهمي قبل أن تتدخل الإدارة لتحجيم القوة التي تشكل تهديدا حقيقيا لأصحاب النفوذ والمصالح. هذا الدور تقوم به صحافة « الحياحة » وفي مقدمتها المنابر الفرانكفونية المقربة أصحاب النفوذ. ونتج عن هذا الوضع صنفان من الأحزاب: أحزاب تصف نفسها بالوطنية والديمقراطية والتاريخية… في مقابل أحزاب وصفت بالإدارية أو المخزنية أو « أحزاب الكرتون »… لكن هذا التوصيف للمشهد السياسي المغربي لم يعد مجديا بعدما شارك جزء من اليسار في حكومة « التناوب التوافقي » واستوزر بعض المتحمسين للتغيير الراديكالي سابقا. بل تحول جزء كبير من مناضلي الأمس إلى مصلحيين متعفنين لاهثين وراء المناصب والمواقع، معتبرين النضال من أجل الديمقراطية مسألة ثانوية.
لنتأمل ما حدث ويحدث بالجهة الشرقية، ونتساءل عن آليات اشتغال هذا الفاعل الجديد وعن الكوادر التي التحقت به طوعا أو كرها؟ وما هي النخب التي تقوم الآن بالدعاية لحزب الجرار باعتباره حزبا حداثيا بامتياز؟
تم تنصيب المحامية سليمة فراجي الرئيسة السابقة لنادي الليونس بوجدة كمنسقة إقليمية لحزب الأصالة والمعاصرة ، وتربع على مجلس الجهة الملياردير علي بلحاج رئيس حزب رابطة الحريات سابقا وعضو المجلس الاستشاري لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية PNUD. وابتلع حزب الهمة أغلب المستشارين في الجماعات التابعة للأقاليم المجاورة، وتدخلت الأجهزة الأمنية لإجهاض المسلسل الديمقراطي بوجدة. و أصبح ممثل مؤسسة « أنا ليند » التي يرأسها أندري أزولاي هو نفسه ممثل شبيبة البام بالجهة الشرقية !! و قبل شهور حضر الرئيس الوطني السابق لنادي الليونس في فطور الإكسلنس إلى جانب السيد علي بلحاج ليقدما « عروضا توجيهية » في حضرة السيد والي الجهة السابق والسيد عامل عمالة جرادة بخصوص مشاريع التنمية.
هذه القوة « الخارقة » عند هذا الفاعل السياسي الجديد الذي نشأ من لا شيء وأصبح كل شيء، والمدعوم من جهات خارجية أصبحت بادية للعيان، أفرزت موقفين متضاربين. فمن جهة اعتبره « العدالة والتنمية » تدخلا سافرا للداخلية لإفساد العمل السياسي ودخل معه في حرب إعلامية مفتوحة وطنيا وجهويا، ومن جهة أخرى انتصبت بعض الرموز المحسوبة على اليسار والقريبة من نادي الليونز للدفاع عن الهمة باعتباره مواطنا عاديا استطاع أن يستغل الضعف الذي أبانت عنه الأحزاب الوطنية الأخرى. وفي هذا الصدد يقول مدير ورئيس تحرير جريدة محلية بعدما أكد أن جهتنا مهددة بتصاعد القوى « الظلامية » أن « حزب الأصالة والمعاصرة لا يمكن اعتباره نسخة مكررة من التجمع الوطني للأحرار سنة 1978 والاتحاد الدستوري سنة 1983. فمن حيث الشكل يمكن الإشارة إلى نقطتي خلاف أساسيين:
-تتعلق النقطة الأولى بكون حزب الأصالة والمعاصرة حصل على مشروعيته الانتخابية من موقعه كحزب معارض للحكومة المغربية.
-وترتبط النقطة الثانية بكون هذا الحزب لا يجعل نفسه تابعا للإدارة الترابية بقدر ما يعتبر نفسه مواجها لها ».
وهذه مغالطة كبيرة في نظرنا لأن الهمة كان دائما مع الأغلبية ولما أراد الخروج إلى المعارضة تمرد عليه وقتها مجموعة من الأطر وعلى رأسهم وزير التعليم الحالي، ثم إنه لا يمكن أن يواجه الإدارة الترابية لأنه في نظر العديد من الولاة والعمال لا يزال كاتب الدولة في الداخلية وأوامره يجب أن تطاع وهذا بالضبط ما حدث في صيف 2009 بوجدة. وهذا يعني بتعبير المناضل الاتحادي محمد حفيظ بأننا انتقلنا من « حزب الدولة » إلى « دولة الحزب ».
وقبل ذلك كتب الأستاذ محمد أبو ضمير(1) سنة 2008، بعدما تحول من الاتحاد الاشتراكي إلى حزب الأصالة والمعاصرة: « إن من حق السيد فؤاد عالي الهمة كمواطن وكبرلماني وكفاعل سياسي أن يساهم في تطوير هذا البلد ، ومن حقه أن يؤسس لذلك بمختلف الأساليب القانونية والديمقراطية طبعا. وهذا الحق يتقاسمه معه كل مواطن يمكن أن يفعل في مجتمعه ويطوره مما هو عليه إلى ما هو أحسن. » مضيفا أن » فؤاد عالي الهمة » هو مجرد شماعة تعلق عليها الأحزاب الأخرى فشلها. وها هو أبو ضمير عضو المكتب الوطني للبام ينصب على رأس الأكاديمية الجهوية …
فهل « البام » فعلا مجرد حزب سياسي كباقي الأحزاب أم أنه يمتلك قوة خفية وسلطات واسعة تجعل المنافسة بينه وبين باقي الفرقاء السياسيين غير شريفة وغير متكافئة؟ و هل يستطيع إزاحة حزب الاستقلال من الأقاليم الصحراوية بنفس الطريقة التي أزاح بها العدالة والتنمية من مكناس وطنجة و وجدة؟ وهل يمكن أن نحلم بتخليق الحياة السياسية و إصلاح التعليم بهذه التعيينات ؟ وهل يمكن أن نحلم بعدالة اجتماعية في ظل حزب يتصرف بمنطق الأسياد والعبيد؟
………….
1-موقع وجدة سيتي- 28/01/2008
3 Comments
يقول المتل ازرع الصح تحصد الصح .ان الحزب ان لم يخرج من رحم الشعب لن يكتب له الدوام والامثلة كثيرة هل كتب النجاح للحزب الوطني الديموقراطي وهل نجح حزب التجمع الوطني للاحرار و نجح الحزب الدستوري فبالسبة لهاته الاحزاب و منها حزب الاصالة و المعاصرة الحصول على اكبر عدد المقاعد لا يهمها المهمة الموكولة لها دستوريا .هل باستطاعة هده الاحزاب ان تخرج بمسيرة مليونية كما فعل حزب العدالة والتنمية و مؤخرا حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .ايتها الاحزاب كفاكم ضحكا على هدا الشعب .اما ان تواكبوا السرعة التي يسير بها عاهل البلاد حفظه الله في سبيل النمو و ارساء الديموقراطنية او تفرغوا لمشاريعكم و الله ثم و الله لن يكتب لكم النجاح ما دامكم تنوون الضحك على الشعب الابي
تحليل منطقي رصين .
البام لم يعد مجرد لاعب سياسي إضافي إنه يزاول في نفس الوقت وظيفة اللاعب النجم و مهمة الحكم .
و بهذه الصفة الاعتبارية الخارجة عن أصول المنافسة السياسية الشريفة يمكن لنا توقع عودة تجربة الفديك في حلة حداثية جديدة و منقة
trés bon analyse