مناهج البحث وتقنياته (6)
(ج) الاختبارات أو الطرق التجريبية :
إن المنهج التجريبي بصفة عامة, لا يمكنه الاستغناء عن مراحل حددها "كلود برنار" في عبارته: { الحادث يوحي بالفكرة ,والفكرة تقود إلى التجربة , وتوجهها, والتجربة ,تحكم بدورها على الفكرة .} و من الجدير بالذكر, الإشارة, إلى أن جاليلي, فسر ظاهرة سقوط الأجسام, والتي أصبحت تعرف فيما بعد, بقانون سقوط الأجسام, باتباع مراحل المنهج التجريبي الأربعة وهي:(1)الملاحظة (2)صياغة الفرضية (3)التجربة (4) وضع القانون .
إن المنهج التجريبي إذا, ما هو إلا عبارة عن إرجاع الفكرة إلى الواقع .أي أن العالم يصنع واقعا مصغرا شبيها بالواقع الطبيعي , يسمح بتكرار الحادث, يعرض عليه الفكرة [أي الفرضية] ليتأكد من صحتها, أو عدم صحتها.
ونظرا للمزايا العديدة التي يتميز بها المنهج التجريبي, والنتائج الباهرة التي توصل إليها العلماء عن طريقه, في ميدان المادة .ارتأى علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا, وعلماء النفس والتربية, وعلماء الإحصاء …تبني هذا المنهج ,واستخدامه,عندما يريدون اختبار الفرضيات, ومعرفة مدى صحتها, ومدى تأثير العامل المستقل,في تشكيل وتكوين, موقف اجتماعي معين, أو اتجاه فكري ,أو سياسي في مرحة معينة, أو قياس واختبار الذكاء,والتحصيل , والميول المعرفية , والمهنية عند الطلبة ,واختبار الشخصية , والقيم ,والجوانب الانفعالية. أو معرفة علاقة العامل المستقل, بالعامل المعتمد, ومدى التداخل بين مختلف العوامل المسببة للظاهرة موضوع الدراسة. يعمد الباحث إلى تعريض عينة من أفراد الجماعة, إلى تأثير معين لمعرفة مدى تأثيرها, على الجماعة ,وهذا ما يسمى بالعامل المستقل, أو المؤثر.ثم بعد ذلك يختار الباحث جماعة أخرى, تحمل نفس المواصفات, والصفات, التي تحملها جماعة الاختبار, أو التجريب , وتسمى بالجماعة الضابطة ,ويناظر بينهما. على شرط أن يتم اختيار المجموعتين, على أسس الطريقة العشوائية, التي سبقت الإشارة إليها في مجال العينة.مع تسجل صفات الجماعة التجريبية, والجماعة المناضرة, قبل تعرضها للعامل المستقل, وبعده, في نفس الفترة الزمنية. لأن تغير الزمان, وتباعد فترات القياس , قد يؤدي إلى تفاعل الزمن, مع العامل المؤثر الشيء الذي يؤدي بدوره إلى تغيير مواصفات الجماعة التجريبية,فتفقد التجربة أهميتها, وموضوعيتها وبالتالي مصداقيتها .كما أن تغير الباحث, أو طريقة البحث ألاختباري يكون له أثر سلبي على المبحوثين, وعلى التجربة نفسها.
هناك أنواع من الطرق التجريبية ,التي قد يعتمدها الباحث ,في دراسته الميدانية لتحديد, ومعرفة العامل المستقل, والعوامل المتغيرة, أو المساعدة, ومدى درجة تأثير كل منها على الجماعة .فقد يكتفي مثلا الباحث بجماعة واحدة ,أو فرد واحد باعتباره, يمثل حالة اجتماعية معينة, أو خاصة , يخضعه للتجربة,وللعامل المستقل مرة واحدة, ويسجل جميع البيانات, والمعلومات المتعلقة بالجماعة أو الفرد, دون استخدام الجماعة المناضرة ,أو الضابطة.لأن ما يهم الباحث, هو معرفة الصفات الثابتة , والدائمة, التي تتصف بها الجماعة, أو الفرد, موضوع الدراسة, دون غيره.
وقد يقوم الباحث باختبار قبلي, وبعدي ,على جماعة واحدة. إذ يسجل كل الصفات التي تتصف بها الجماعة, قبل إخضاعها للعامل المستقل , وبعد عرضها عليه ,ليعرف التغيرات التي يمكن أن تطرأ على الصفات المتعلقة بالجماعة,وأوجه تشابهها, واختلافها,ودور العامل المستقل في ذلك . فيتمكن من إجراء المقارنة, ويبرهن في نفس الوقت, على إثبات الفرضية, أو نفيها .
يمكن للباحث أيضا ,أن يستخدم الاختبار القبلي, والبعدي, مع جماعة ضابطة. وذلك بسحب عينتين. إحداهما تمثل الجماعة التجريبية, والأخرى الجماعة الضابطة ,ثم يسجل العوامل الثانوية, المتغيرة ,عند الجماعتين ,وبعد ذلك يقوم بتعريض الجماعة التجريبية, للعامل المستقل ليتبين له مدى تأثيره عليها. وهذا ما يسمح له بالقيام بمقارنة بين العوامل المتغيرة عند الجماعتين .ومن الجدير بالإشارة, أن الباحث كلما زاد في عدد الجماعات, كلما زادت عنده حالات المقارنة, بين هذه الجماعات. الشيء الذي يمكنه من معرفة تطابق, أو عدم تطابق, هذه المقارنات التي قام بها, من أجل معرفة صدق الفرضية السببية, أو عدم صدقها.
Aucun commentaire