مناهج البحث وتقنياته (3)
(4)الملاحظة: هي مشاهدة الظواهر قصد عزلها, وفك ارتباطها, بغيرها من الظواهر الأخرى. حتى يمكن تحويلها إلى ظواهر علمية, قابلة للدراسة.ويمكن أن نميز بين ملاحظتين : عامة وهي ملاحظة عادية, تلقائية, لا تهتم بعزل الظواهر. و علمية, وهي بمثابة تجربة مصطنعة يتحكم فيها الباحث. ويمكن له أن يعدل من شروطها, بما يراه مناسبا لدراسته, حتى يتسنى له الرصد الدقيق للوقائع الجزئية المكونة للظاهرة المدروسة, ودراستها عن طريق الحواس المجردة,أو المسلحة .على شرط, أن يكون حذرا من أخطاء حواسه, وأن لا يتأثر باهتماماته الخاصة, واتجاهاته الفكرية , وأن يتحرر كليا من رواسب العادات, والتقاليد, والأهواء الشخصية, ولا يسقط حالاته النفسية الشعورية على الملاحظة, فيقع في شر الأخطاء, والأوهام ,وتضيع منه جوانب أخرى من الظاهرة, موضوع الدراسة, فتنفلت منه الموضوعية. و بواسطة الملاحظة, يتم التحقق من الفرضية. والملاحظة بصفة عامة, لا يمكن أن يستغني عنها منهج من المناهج , سواء كان المنهج ألوصفي التحليلي, أو الكشفي, أو التجريبي وتستخدم في علم الاجتماع, والأنتربلوجيا, وعلم النفس , وعلم الاقتصاد, وعلم الإدارة, والعلوم الحقة…
لابد من الإشارة إلى أن هناك أنواع من الملاحظة :(1) الملاحظة العرضية الغير مقصودة, المرتبطة بالمعرفة الحسية,و التي لا تهدف إلى كشف حقيقة علمية معينة, وهي بمثابة مشاهدة يومية عادية, أو إدراك منفعي لا يتجاوز الحس. إلا إذا تحولت عن طريق الصدفة, إلى ملاحظة مقصودة. يستغلها الباحث للوصل إلى تأكيد حقيقة علمية .مثال ذلك ملاحظة بافلوف العرضية التي قادتة إلى فعل الانعكاس الشرطي, وملاحظة نيوطن التي قادته إلى قانون الجاذبية ,وقانون العطالة.
(2)الملاحظة المنظمة, أو البسيطة:وهي التي يستخدمها الباحث في مجال بحث محدد, أو مشروع معين, دون اللجوء إلى أدوات القياس الدقيقة, ودون المشاركة الفعلية للباحث, وهي تفتقد إلى الضبط العلمي الصارم, لأن الباحث قد يقحم مشاعره, وأفكاره الخاصة على المبحوثين. الشيء الذي قد يؤدي إلى إضعاف درجة الموضوعية في البحث.فتكون النتيجة كما يريدها الباحث ,لا كما يجب أن تكون.على خلاف الملاحظة بالمشاركة, أي مشاركة الباحث الفعلية للمبحوثين .على شرط أن يكون مقبولا داخل مجتمع الدراسة ,اجتماعيا, ونفسيا. فإنها تمكن الباحث من الحصول على معلومات كافية, ودقيقة,وسليمة لموضوع دراسته.وتمكنه من خدمة أهداف بحثه ,وتكسير الحاجز الذي يوجد بينه, وبين المبحوثين, وبذلك يكسب ثقتهم, ويضمن تعاونهم معه.
(3) الملاحظة المسلحة: وهي ملاحظة مجهزة, علمية, تعتمد على أدوات القياس, والتجريب العلمي,( كالميكرو سكوب ,وتيلي سكوب والمجهر الإلكتروني وآلات التصوير عن بعد ,وآلات التسجيل والمراقبة من وراء الزجاج الشفاف…)ويستخدمها الباحث عند دراسته لظاهرة علمية يحددها مسبقا, ويعزلها, عن غيرها من الظواهر المرتبطة بها, حتى يكون في وضع يسمح له بمراقبتها .وهذه الملاحظة قد يصعب تطبيقها في مجال العلوم الإنسانية, ولاجتماعية, على خلاف تطبقها في علم الفيزياء, وعلم الفلك, وعلم التشريح وعلم البيولوجيا, وعلم الجيولوجيا, فغالبا ما يؤتي أكله.فمثلا استطاع جاليليوأن يتوصل إلى كروية الأرض ,ودورانها حول الشمس ,وحول نفسها ,عن طريق الملاحظة ,والمراقة المسلحة بالمنظار, الذي صنعه لهذا الغرض. كما استطاع أن يتوصل إلى قانون تساقط الأجسام .قد تعترض الملاحظة العلمية عوائق ,وصعوبات,ترجع كما أتصور, في الغالب إلى الباحث نفسه ,أو إلى الأدوات التي يعتمد عليها, فمثلا قد يعتقد الباحث, أن الظل ساكنا, بينما هو في الواقع غير ذلك , وقد يعتقد أن السراب ماء, وأن العصا المغموسة في الماء منكسرة … ومن ثم لا بد للباحث أن يكون مسلحا بمنهج الشك, حتى لا يعرض نفسه للأخطاء التي تفسد دراسته.(يتبع)
Aucun commentaire