الحوار مع إيران ..ضروري وليس اختيار .
إن الأزمة النووية الإيرانية ودورها النافذ في العراق يشكلان اليوم تحديا حقيقيا أمام دول التحالف هذا إن لم نقل التحديان الوحيدان اللذان تلعب عليهما موازين الاستقرار في بلاد الرافدين .لكن هذه التحديات وجدت لعدة أسباب ومن أجل غايات معينة تخدم كل طرف حسب رؤيته الاستراتيجية للمنطقة ككل .
أمام تجاهل دول الخليج العربي وخاصة دول مجلس التعاون للدور الإيراني في المنطقة برمتها وليس في العراق فحسب يزيد الأمر من تشدد الموقف الإيراني أمام كل أشكال التعاون الإيراني سواء في برنامجها النووي أو تدخلاتها في العراق ودعم الميليشيات الشيعية هناك. إن هذا التشدد في الموقف الإيراني ليس نتاج هذا التجاهل فقط بل أيضا للورطة الأمريكية في العراق حيث تكونت لدى الإيرانيين قناعة تامة بان الخيار العسكري غير مطروح على الأقل في السنوات القليلة المقبلة على الأجندة الأمريكية مادامت المهمة العسكرية الأمريكية في العراق تشهد بشكل يومي تطورات خطيرة ضد سياسة قوى التحالف . في هذا السياق أيضا يراهن الكثيرون على القوة العسكرية الإسرائيلية في اتخاذ موقف جدي لقصف منشئات إيران النووية لكن لمن لا يعلم نذكر بان تقريرا صدر عن الكلية العسكرية الأمريكية خلال الأشهر الماضية أشارت إليه مجموعة من وسائل الإعلام مفاده أن إسرائيل لا تملك القدرة الكافية لاستهداف برامج إيران النووية لسببين رئيسين :
الأول : يتجلى في البعد الجغرافي بين الدولتين فإيران تبعد عن إسرائيل بمسافة تقدر ب 1000 كلم بينما الأسلحة المتوفرة حاليا لاستهداف منشئات إيران لا يتجاوز عمقها 600 كلم .
الثاني: علاقة إسرائيل بدول جوار إيران فهي وان كانت ترتبط بعلاقات جيدة مع بعض هذه الدول لكن التقرير استبعد كليا أن تسمح هذه البلدان بفتح أجوائها لشن هجوم ضد إيران ولعل العبرة تكمن في فتح مجموعة من دول المنطقة قواعد لأمريكا ، وهذه الدول اليوم دخلت في معانات كبيرة لأنها ساهمت في الحرب بشكل غير مباشر .
بالإضافة إلى العوامل التي سبق ذكرها فالمنشئات الإيرانية الحساسة تتركز في معظمها في عمق الدولة ما يعني الابتعاد أكثر على الخطر الإسرائيلي .
من هنا جاءت النتائج المخيبة لأمال الولايات المتحدة التي راهنت بشكل رئيسي على 27 سنة من العزلة الإيرانية، وتبين في الأخير أن إيران كلما عزلت أكثر كلما زاد إصرارها على امتلاك سلاح نووي يكون الحصن المنيع لأي تهديد غربي كما حصل مع كوريا الشمالية، وحتى الدول التي كانت في السابق تتحفظ على سياستها تجاه طهران أصبحت تمانع بشكل علني أي عزلة أو أي عقوبة حتى .. لان ذلك يسبب أضرارا كبيرة لاقتصادها خصوصا أن بعض هذه الدول تعول على النفط والغاز الطبيعي اللذان يحركان عجلة اقتصاد هذه البلدان .
ومؤخرا صدر تقرير بيكر – هملتون ليعلن صراحة أن الخيبة الأمريكية في العراق ستزداد رقعتها في التوسع إن هي تمادت في سياسة إقصاء إيران من المثلث الاستغلالي للعراق .. إن الضرورة اليوم اقتضت التفاوض والحوار مع إيران إن أراد الساسة العراقيين والأمريكيين وقف موجة تصعيد العنف وإيران لن تسمح لأي كان أن يحرمها من حقها في امتلاك حصتها من عراق الأمس واليوم .
لكن فتح الحوار مع إيران قد يوهم لبعض الإيرانيين أنفسهم خاصة رجال الدين الممثلين لمبادئ الثورة أن الغرب( الولايات المتحدة بالخصوص ) قد وقع في موقع ضعف حينها سيزداد التشدد الإيراني ولكن في أي حال فالحوار مع إيران سينهي بلا شك الخراب في العراق لعل ما لم يكتسب بالقوة والحصار يكتسب بالدبلوماسية والحوار .
Aucun commentaire