وجدة هذه يا صِحاب..مدينتنا الغراء لا تعاب. شوارعها فسيحة أنيقة..ما بقيت بها أزقة عتيقة. حيث الشر والشيرا والشجار..ولا شبر من الظل ولا أشجار. سيقول لك العارفون..هنا حديقة كانت ستكون..لكن كلفة الشهر جاوزت المليون.. بريِّها ونظافتها وأجرة حارس وَهُون .

ومدينتنا قليلة المطر..ومناخها حرٌّ شديد وقرّ. ولذلك فالطوب والآجور..يقلل حتما من الأجور. ثم إن الناس في تزايد..وهم مصرون على التوالد. فهل سنُسْكِنهم في حدائق..ونقرأ عليهم شعرا ورقائق!
أبْشري وجدة بمقاعد وساحة..واحضني تائهين وطالبي راحة. وأم الساحات آتية..وفيها الناس لاهية. مَجْمَع الظرف والطبل والمَلاحة..وقِبلة السُيَّاح ونعمَتِ السياحة.

مدينتنا عريقة.. ساحاتها أنيقة. فلا أوساخ فيها ولا تراب..ولا طيور تأتيها ولا حتى الغراب. ما كان في جانبها الشرقي من خضرة قضينا عليه..ولقد كانت مأوى لطائر الحسُّون يروح إليه. فأراحنا الله من تغريده الباكر..وإزعاجه حين يرتاح الناس في الهواجر. هو وإخوانه البلابل..كلهم يثيرون القلاقل. أما زعيمهم الغراب..فذاك رأس الإرهاب. علامة الشؤم يقتات على الجِيَف..فسُحقا سحقا يا طائر القَرَف!

قيل لرجل من أقصى بوشطاط..أليس اليوم أجملُ وقد غزاه البلاط. فقال أرضي من لحم كانت ودم..أما أرضكم فلا حمٌّ ولا رمّ. مقاولون بجرَّافات وفؤوس..ما ضرَّهُم لو قطعوا حتى الرؤوس. واجتثوا من الأرض ما دبَّ وكل النفوس..لتَزكُوَ لهم الأموال وتكثرَ المُكوس.
قد كان في يوم من الأيام..واحة غناء تُنصَبُ فيها الخيام. ماؤها عذب سيَّال لا ينقطع..نخلها شامخ باسق مرتفع. أرْتَجَ الخصبُ فيها وشعاعُ الشمس باج..محميَّة من بارئها محروسة بلا سياج. فراحت الواحة وغارت العيون..وناحت النواحة وتقرحت الجفون.

كل ذا يهون يا إخوان..حين يكون السائبُ إنسان. حمقى و متسولون في كل شارع..ولصوص وقطاع طريق بلا رادع. متسكعون وناس حيارى..وشباب غُفْل وسكارى. فماذا ينفع لو أن المدينة صارت..دُبَيَّ الغرب مثلها أو فاقت. والناس على أحوالهم باقون..جهل وفي الأخلاق زاهدون.
فمتى يستشعر كل الأحرار..أن الكرامة فوق كل اعتبار! ومتى يتفطن ذوو الشراهة والطمع.. أن الطبيعة أغلى من كل السلع!