Home»Régional»موت الصديق العزيز أو القريب الحبيب تنبيه للغافلين من رب العالمين

موت الصديق العزيز أو القريب الحبيب تنبيه للغافلين من رب العالمين

1
Shares
PinterestGoogle+

أكبر واعظ في هذه الدنيا الموت الذي يقطف أرواح البشر بالمئات يوميا. فلا تكاد تفتح جهاز تلفاز أو مذياع ، أو تتصفح جريدة ورقية أو رقمية إلا وتجد هذا الواعظ يخبرك بحصاد يومه الذي يكون في بعض الأيام ثقيلا وفادحا. ووعظ هذا الواعظ يؤثر في الناس بقدر قربهم أو بعدهم من الأموات المغادرين لهذه الحياة. فعندما تكون الصلة فاترة بين متلقي النعي والذين نعوا له يكون حظه من وعظ الواعظ ضئيلا ، أما عندما تكون هذه الصلة أقرب وأمتن تكون الموعظة بليغة ومؤثرة. ومما جاء في الأثر أن القلوب الآدمية يصيبها الصدأ كما هو حال المعدن المعرض للرطوبة ، وإذا كان جلاء المعدن بالطلاء ، فإن جلاء القلوب الآدمية يكون بتلاوة القرآن الكريم ، وذكر الموت . وبموجب هذا الأثر الشريف يكون الموت ثاني الواعظين بعد القرآن الكريم . ويلتقي هذان الواعظان في أسلوب الوعظ عندما يتعلق الأمر بحقيقة الإنسان الوجودية .

فقدر الإنسان في هذه الحياة هو الرحيل الحتمي عنها في لحظة من اللحظات لأنها لم تخلق للبقاء لهذا تأثر وجود الإنسان فيها بخاصية زوالها ، فكان معرضا للزوال بدوره على غرارها ، وهي فضلا عن ذلك أعدت لتكون مرحلة اختبار وامتحان ، وعادة كل امتحان واختبار محدودية مدته الزمنية . والمألوف المعروف في بني آدم أنهم يحاولون التهرب من هذه الحقيقة عن طريق التغافل عنها مع أنها تقض مضاجعهم ، وتنغص عيشهم كلما خطرت ببالهم. فكم من لحظات لذة أفسدها تذكر هذه الحقيقة الوجودية المؤلمة. وحال الإنسان وهو مشدود إلى هذه الحياة الدنيا بنهم شديد كحال راغب في بيت مهدد بالسقوط وقد تداعت جدرانه ، ينصحه الناصحون بتركه قبل سقوطه وهو يتشبث به ، فيكون ذلك علامة على غفلته . والموت الواعظ هو الذي ينبه الغافلين من غفلتهم. وتكون الموعظة بالغة التأثير في النفوس عندما يكون الراحل علما من الأعلام في حياة الناس.
لقد تابعت بالأمس خطبة الجمعة التي ألقاها فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي من مسجد عمر بن الخطاب بدولة قطر عبر الفضائية فنعى للمصلين ولعموم المسلمين رحيل العالم الإسلامي عبد العظيم ديب . وقد بلغ التأثر بالعلامة القرضاوي حد الاجهاش بالبكاء لأن الراحل صديق عزيز. وحال العلامة القرضاوي وهو يذكر صديقه عبارة عن موعظة له إذ الراحل يشاركه هم الدعوة إلى الله عز وجل. ودلالة الموعظة أن الرحيل حتمية لا مفر منها حتى بالنسبة لمن يحملون هم الدعوة وليس بالنسبة لغيرهم من عموم الناس فقط. موعظته قد تكون ذات أبعاد متعددة حيث يقلق الداعية مثلا على الدعوة أكثر من خوفه من الرحيل ، فيكون ذلك سببا في حثه الخطى في مجال العمل الدعوي ليسابق الأجل المحتوم وليقدم أكبر قدر من الخدمة للدعوة . ومما أثار انتباهي في تأبين العلامة القرضاوي لصديقه العلامة أيضا أن الراحل بالرغم من باعه الطويل في العلم لم يكن من الراغبين في الظهور إعلاميا حتى أن العديد من الدعاة طلبوا وساطة العلامة القرضاوي لدى قناة الجزيرة القطرية لينوبوا عنه في تقديم حصص من برنامج الشريعة والحياة الذي تبثه هذه القناة في حال غيابه إلا العلامة عبد العظيم الذي لم يقبل يوما هذا العرض من صديقه القرضاوي ، ولا من قناة الجزيرة .
وكحال العلامة القرضاوي في نعي صديقه يكون حال عامة الناس ـ مع وجود الفارق بطبيعة الحال حسب الأقدارـ عندما ينعى لهم الصديق العزيز والقريب الحبيب يتألمون ويبكون ويتحسرون ، ولكنهم يستخلصون الموعظة حسب أقدارهم ـ وكل كأس يرشح بما فيه ـ لأن رحيل من يعرفون عن قرب يذكرهم برحيلهم المحتوم.
وما كدت أفرغ من مشاهدة العلامة القرضاوي حتى قرع جرس بيتي من نعى لي صديقي العزيز الأستاذ البكاي عكار رحمه الله مفتش مادة الرياضيات ، وكانت تربطني به علاقة عمل تحولت بحكم الاحتكاك إلى أخوة وصداقة . عرفته عن قرب وخبرت سريرته والله أعلم بها مني ، وما شهدت إلا بما علمت وما كنت للغيب حافظا. عرفته رحمه الله تعالى إنسانا متواضعا ، محبا للخير ، كارها للشر ، لا يحب الظهور ولا إشارة الأصابع إليه ولو بخير. وقد عرفته جادا في عمله لا يهدأ له بال عندما يلاحظ خللا في سير المنظومة التربوية كثير الأسف الشديد على تدني مستويات التعليم ، يكره تأخير عمل اليوم إلى الغد ، ويعالج المشاكل التي تعترضه بكل ما أوتي من حكمة . وكان يكره أن يحشر نفسه فيما لا يعنيه ، كما كان حريصا على مواعيده والتزاماته مع الغير، سريع الاعتذار وكثيره إذا ما أحس إساءة في حق الغير دون قصد. وعرفته عاشقا لبنتيه وولده يحبهم حبا جنونيا ويخشى عليهم حتى من نفحات الصبا وقطرات الندى إذا قدر لها أن تؤذي.
وخلاصة ما أريد الوصول إليه أن رحيله كان بالنسبة لي موعظة واعظ لا يعرف المجاملة على قدر استيعابي . لقد حصلت موعظتي من خلال تقمصي دور رحيله للحظات ذلك أنني راقبت جنازته بدقة وأنا أتخيل نفسي أرقد مكانه ، فرأيت عملي أمامي على حقيقته لا كما يصفه المجاملون ، أو يبخسه الباخسون ، ورأيت الأصدقاء وقد بدا الحزن على وجوههم وتبادلوا عبارات العزاء ، وأثنوا الثناء الجميل على الراحل إما بدافع الحب أو بدافع الإشفاق وأعرضوا عن كل عيب ومنقصة كانوا يحتفظون بها في ذاكراتهم لأن الموقف لا يسمح بشماتة أو نكاية ، وانزعجوا جميعا من وضعيته التي لا يحسد عليها وهي وضعية الرحيل وانقضاء مدة الامتحان ، ولم يتمن أحد أن يكون مكانه ، بينما كانوا يتمنون وهو حي لو كانوا مكانه في مواقف كثيرة قد لا تكون مغرية. أحسست بهم يدفعون عن أدمغتهم حقيقة الموت ، ويمنون الأنفس بالمزيد من الحياة من أجل إكمال مشاريعهم ما صح منها وما لم يصح. لا أحد أراد التفكير جديا في الرحيل ، وكلهم آلمهم التفكير في المصير بعد الرحيل . رأيت أثر الأثر الشريف على الوجوه حيث حصل شيء من جلاء القلوب الصدئة بفعل واعظ الموت ، وودت لو أن عملية الجلاء كانت أقوى وأكبر لتصقل هذه القلوب فتؤثر في باقي الجوارح ليكون سعيها و منتوجها أفضل وأحسن . ولم أجد خيرا من الرفيق الأعلى إذ انصرف الجميع وبقي الراحل مع الرفيق الوحيد يستعطفه ويسترحمه ، فيقول له الرفيق الأعلى أو تظنني يا عبدي الضعيف أستهين بشهادتك أنني الله لا إله إلا أنا ؟ لقد حرمت النار والعذاب على الموحدين فأنت في رحمة ربك الكريم الذي وسعت رحمته كل شيء. ويقول الراحل فرحا يا رب أفلا أخبر على الأقل قرابتي ليسعدوا بسعادتي فيقول له الرفيق الأعلى لو قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون لوجدوا ما تجد من سعادة ألا بذكري تطمئن القلوب .

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

1 Comment

  1. brahim-oudi
    11/01/2010 at 00:37

    إنا لله وإنا إليه راجعون

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *