من المسلم به أنه لا يصعد المنبر إلا من خضع لإجراءات عدة لدى الجهات المختصة بالشأن الديني والشأن الإداري ؛ وأن هويته لا تحتاج إلى تعريف متكرر كل جمعة بعدما يصير خطيبا رسميا ؛ وقد يسأل عن هويته إذا ما كان خطيبا معوضا وحتى هذا الإجراء تم ضبطه إذ يخبر الخطيب الرسمي عن غيابه مسبقا كما يخبر عمن يكون له عوضا في غيابه.
وبالرغم من كل هذه الإجراءات فوجئت بشاب يقتحم علي مقصورة مسجد عمر بن الخطاب بحي البام بسيدي يحيى بطريقة تنقصها اللباقة وهو يحمل قصاصة ورق التقطه من الزبالة وقلما ويسأل عن هويتي بالطريقة التي يطلبها رجال الأمن عند الحواجز عندما يتعلق الأمر بالمشتبه فيهم ؛ فلما سألته بدوري عن هويته قدم بطاقة تعريفه الوطنية وعليها عبارة مياوم وقد استغربت ذلك لأن الجهة التي وجهته إلي لاستفساري إذا ما صح ما ادعاه لم تحترز ولم تغير مهنته على بطاقة التعريف ليكون عون سلطة وليس مياوم يسد مسد العون .
ومهما تكن الدوافع وراء هذا الاستفسار عن هوية خطيب رسمي فان الذي يتبادر إلى الذهن هو رغبة العون إما من تلقاء نفسه أو بإيعاز ممن أرسله النيل من منبر الجمعة لا من شخص الخطيب . ففي الوقت الذي كنا نأمل فيه أن يتوجه مسئولو السطلة إلى المساجد لحضور صلاة الجمعة ومن دلالاتها تجديد البيعة لأمير المؤمنين والإقتداء به وإعطاء القدوة للمواطنين فإنهم يرسلون أعوان سلطة بين الحين والآخر يستفسرون عن موضوع الخطبة ؛ ومن خلال |أسئلتهم يتبين أنهم لا يحضرونها لأنهم أصلا لا يصلون؛ وقد يكلف العون الرسمي غيره من المستخدمين الشباب للقيام بمهمة الاستفسار بدعوى أنه يكلف بمتابعة أكثر من مسجد ويتعذر عليه ذلك فيكلف بدوره أعوانا قد لا تكون لهم علاقة بمهام عون السلطة.
ولقد سبق أن طرق باب بيتي في يوم جمعة من الجمعات أحد هؤلاء الشباب وهو يدخن سيجارته ورائحة الخمر تنبعث منه ليسألني عن موضوع الخطبة لأنه لم يتمكن من الحضور. وها أنا اليوم أجد نفسي مرة أخرى أمام شاب عاطل أو في حكم العاطل يتنمر أمامي وكأنه أعلى مسئول بصلف وسوء أدب عاينه الإمام الراتب والمؤذن وجمهور من المصلين واستغربوا هذا التصرف الطائش من عون العون إن صح تعبيري.
إن اعتماد المسئولين عن أمثال هؤلاء يعكس مدى قلة احترامهم للشأن الديني من خلا ل البحث عن النيل من الخطباء ؛ فالسائل عن معرفة من المعارف لا يخلو من حالتي جهل أو تجاهل وكلاهما لا يعذر فيه مسئول فان تجاهل انقلب جهله عليه وان جهل كان جهله حجة عليه.
والسؤال عن موضوع الخطبة مع حضورها يدل على قلة الفهم والاستيعاب وهو ما لا يعذر فيه ناقل خبر يشترط فيه الفطنة والصدق والدقة والموضوعية أو هو محاولة إشعار الخطيب بالمراقبة وهذا استفزاز مجاني لا مبرر له.
إن سؤالي عن اسمي ليرسم فوق قصاصة ورق التقطت من الزبالة يعكس مدى الزبالة المعششة في دماغ من أراد النيل من منبر الجمعة سواء كان الفعل من شاب طائش تصرف بمحض إرادته أم كان من مسئول ينظر إلى الدنيا من ثقب الإبرة فيراها ضيقة كضيق أفقه . وان من يحاول إثارة البلبلة في بيوت الله من خلال استفزاز الخطباء يسيء إلى الأمة ؛ ويدعي أنه أكثر وطنية من غيره وكأنه خضع لفحص طبي فثبت بالتحليل المخبري أن منسوب وطنيته أكبر من منسوب غيره وهو الذي قد يطعن في مصداقيته لسلوك يخدش الوطنية الحقة من قبيل الارتشاء أو الفسوق العلني أو استغلال السلطة والشطط في استعمالها جهارا نهارا دون خجل أو حياء.
إن المغاربة سواسية كأسنان المشط أمام العقيدة الإسلامية وفق المذهب المالكي والعقيدة الاشعرية وأمام الوطنية التي تعكسها البيعة لأمير المؤمنين حامي الملة والدين وراعي حوزة الوطن ولا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى في الدين والانضباط في المواطنة من خلال سلوكات لا من خلال الادعاء.
إن حماية أمير المؤمنين للدين تشمل حمايته لخطباء الجمعة فليس من حق أحد أن يحاول الإساءة إليهم والى امارة المؤمنين من خلال أفعال استفزازية أمام أعين المصلين الذين يكنون الاحترام لمنبر الجمعة خصوصا وقد انتدبت مندوبية للشأن الديني كما انتدب مجلس علمي لتزكية الخطباء ؛ ومن شاء أن يتعرف على خطيب ما فليوجه طلبا رسميا للجهات المسئولة قصد موافاته بما يريد بأسلوب قانوني وحضاري لا بأسلوب السوقة والرعاع و الذي يعكس قلة الأدب والحياء الذين يصدق في صاحبه ( إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ).