من الأمثال المغربية ـ الطمع طاعون
من الأمثال السائرة في المغرب عامة ، وفي الجهة الشرقية خاصة قولهم : » الطمع طاعون » يضرب لمن تنزع نفسه إلى ما عند غيره شهوة له . والمتأمل لهذا المثل يلاحظ أولا دقة اختيار المادة اللغوية لفعلي » طمع » و » طعن » حيث تكرر حرفا الطاء والعين في الفعلين ،وفيهما شدة لها دلالة ، و تناوب حرفا الميم والنون وتناسبا ، فبدا التقارب الكامل بين مخارج وصفات حروف الفعلين ، مما جعل المثل ينساب انسيابا على الألسنة. ومن شدة استهجان المغاربة عامة ، وأهل وجدة خاصة للطمع فقد اعتبروه وباء قاتلا وسموه طاعونا .
ومن المعلوم أن أفتك الأوبئة بالإنسان الطاعون . وقياسا على فتك الطاعون بالإنسان جعلوا الطمع فاتكا بالطامع لأن نفسه تنزع إلى ما عند غيره اشتهاء ورغبة ، ويحرص على ما ليس له فيه حق ، فيصاب إصابة الموبوء من عدة وجوه ، أولها أنه يحرم مما اشتهاه ، ولا ينال مراده ، وفي ذلك ألم و برحاء ، ثم إنه يزداد معاناة وحسرة بسبب الحسد الذي هو الرغبة في زوال ما عند غيره مما طمع فيه . فكثرة الألم المترتب عن الطمع هو الذي جعل المغاربة وأهل وجدة يعتبرون ألم الطمع في مرتبة ألم الطاعون .
والمعروف عن الطاعون أنه وباء معد ينتشر بين الناس بسرعة فائقة ، وتنقله بينهم الجرذان المتكاثرة المتهالكة ، وكذلك الطمع ينتشر بين الناس بسرعة فائقة أيضا ، ونتقله بينهم إغراءات الشيء المطموع فيه ، وهي إغراءات بلا قيمة كما هو شأن الجرذان. فإذا تكاثرت الإغراءات ساد وباء الطمع وأهلك الطامعين كما يهلك الطاعون المطعونين . وقد يقع الطامع الواحد فريسة طمعه فينقل وباء طمعه إلى غيره ، فينتقل هذا الطمع إلى جماعة كبيرة عن طريق العدوى ، فيكون شأن الطامع كشأن جرذان حمل الوباء إلى بني جلدته.
ومن أطاع طمعه باع ذمته وأهدر ما وجهه ، ومن خضع لطمعه أضاع كرامته ، والطامع أو الطمع بكسر الميم وضمها مطعون بما في الكلمة من دلالة على الإصابة بالرغبة والحرص ، والحسد ، ومطعون فيه بما في الكلمة من دلالة على الاتهام ، وفقدان المصداقية .ومن المضحك أن يخدم الطامع مصلحة من يطمع فيه من حيث لا يشعر، وقديما قالت العرب : » أطمع من أشعب » وهو رجل من أهل يثرب عرف بشدة طمعه فمر بصانع أطباق فتمنى أن يزيد في طبق طوقا فقيل لم ترغب في ذلك ؟، فقال : لأنه ربما أهدي إلي فيه شيء ، وهكذا تمنى أشعب أن يزيد طوقا في طبق غيره طمعا في أن يهدى إليه فيه ، فكان طمعه فائدة بالنسبة لغيره و حسرة عليه لأنه لم يهد إليه فيه. أجار الله ساكنة وجدة المحروسة ، و أهل المغرب المصون من جائحة الطمع ، ومن شر الطامعين آمين .
Aucun commentaire