الشرب في جماعة مستكمر يصير سرابا بقيعة
إذا ما اقترن ذكر العالم القروي في كل الخطابات الملكية السامية الخاصة بالتنمية البشرية بالنهوض بربوع الوطن فإن دلالة ذلك هو العناية المولوية بهذا العالم القروي الذي هو جزء من نسيج الوطن الاجتماعي والاقتصادي. وحين تركز بعض مؤسسات الدولة على قطاعات دون أخرى من أجل بلوغ أهداف التنمية فالأمر يستوجب طرح أكثر من سؤال حول مسؤولية هذه المؤسسات عن ترجمة هذه الأهداف إلى حقائق ملموسة على أرض الواقع المعيش في بعض المناطق البائسة من وطننا الحبيب.
ومن أمثلة حرمان العالم القروي من اللحاق بقاطرة التنمية مثال جماعة مستكمر ، وقصة هذا الحرمان بدأت عندما تقرر في عام 2005 ضم دواوير الجماعة إلى شبكة توزيع الماء الصالح للشرب على أساس إنهاء المشروع في بحرعام واحد. واعتقد السكان يومئذ أن قصتهم مع الظمأ قد ولت إلى الأبد ، واستبشروا خيرا ، ولكنهم انتظروا ما يربو عن أربع سنوات دون أن يجد حلمهم طريقه إلى الواقع ، وظلوا يرون الشرب ـ بكسر الشين وتسكين الراء ـ وهو الماء المشروب سرابا بقيعة حتى إذا جاءوه لم يجدوه شيئا ووجود عنده وعودا عرقوبية للمكتب الوطني للماء الصالح للشرب ، ذلك أنه بعد تحديد الكلفة الإجمالية لرسوم الربط بالشبكة في 2500 درهم كحد أقصى بناء على دراسات ـ يا حسرتاه ـ وضعت في حسبانها قدرة الساكنة ذات الدخل المحدود ، والتي يعيش معظمها تحت خط الفقر، تراجع مكتب الماء الصالح للشرب والمستعصي على النفقة عن وعوده من خلال تأخر أشغاله أربع سنوات جافة بدون ماء .
وكان من المفروض أن يكفر هذا المكتب عن جريرته هذه بالتزام الكلفة التي حددها بداية ولكنه ازداد إثما في حق ساكنة جماعة مستكمر العطشى ففرض زيادة على الكلفة الأولى تقدر ب9500 درهم لتصل بعد ذلك إلى مبلغ إجمالي قدره12000 درهم مما حول حلم سكان الجماعة إلى سراب حقيقي وسط أرض شحت بالماء بعد نضوب مياه القطر وغور وديانها وآبارها. وقد ذهب أهل الجماعة كل مذهب في ردود أفعالهم على التكلفة الخيالية بالنسبة لساكنة ما تحت خط الفقر فقال أحدهم يجد ربي والحالة هذه أن ابتاع دابة قوية لأجلب الماء على بعد عشرات الأميال عوض الاستمرار في حلم لا يتحقق. كما قالت إحداهن لقد انتظرت أكثر من 40 سنة لتحقيق حلم إدارة صنبور ماء بين أناملي كما تفعل نساء الحواضر ولكن مسؤولي المكتب الوطني للماء الصالح للشرب بددوا حلمي القديم بجرة من قلمهم الأنيق وهم قابعون في مكاتبهم المكيفة يحتسون المياه المعدنية المثلجة ويدخنون نخبها سجائرهم الأمريكية لتستمر ابنتي الصغيرة في عملية جلب الماء يوميا لمسافات ساعات من النهار عوض أن تستفيد من مقعد في مؤسسة تعليمية كسائر بنات مغربنا الحبيب.
إن مضاعفة رسوم الاشتراك ثلاث مرات دفعة واحدة ، والتي تدل على براعة المسؤول عن الدراسة بالنسبة لساكنة تعاني الفاقة وضيق ذات اليد هو تجاهل واضح لمنطقة تعاني من شح فرص العمل وقلة الدخل القار ، كما أنه تكريس للفقر المدقع في هذه الجماعة البائسة التي تعاني السنوات العجاف كسنين يوسف الصديق ، وقد طالها التهميش ، وفاتتها قاطرة التنمية دون أن تسحب عربتها المعطلة.
والسؤال المطروح : ألا يحق للمواطن المغربي في جماعة مستكمر الذي شارك دوابه احتساء الماء الآسن لعقود طويلة أن يهنأ بشربة ماء عذب كباقي المواطنين ؟ أولا يشفع تاريخ هذه المنطقة النضالي ضد المستعمر الغاصب لساكنتها من أجل أن تجر عربة تنميتها المعطلة إلى أجل غير مسمى ؟ إن قرار المكتب الوطني للماء الصالح للشرب يتنافى والسياسة الملكية الرشيدة الهادفة إلى النهوض بالقطاع القروي البائس ، والاهتمام بطبقات الشعب المسحوقة . وإنه قرار يفتقر إلى الحكمة ، ويحتاج إلى مراجعة فورية وتدخل عاجل من طرف المسؤولين في الجهة من أجل تحويل سراب القيعة بجماعة مستكمر إلى شرب يدفع ظمأها ، ويريح ساكنتها ودوابها من الحركة اليومية الدائبة من أجل جرعة ماء آسن لا تروي غلة ، بل تفتك بصحة قرويين اجتمعت عليهم الفاقة والحكرة والحرمان والتهميش.
و في الأخير لا يسع الجماعة المحرومة من جرعة ماء عذبة إلا أن تخاطب أريحية أهل الجود والإحسان في شهر الصيام من أجل تحقيق حلم في حكم الضروري من أجل مواصلة الحياة والله لا يضيع أجر المحسنين والصبر إن لم ينفع الشكو أجمل.
Aucun commentaire