Home»Régional»رؤية من رحم المعاناة كانت وطنا

رؤية من رحم المعاناة كانت وطنا

0
Shares
PinterestGoogle+

رؤية من رحم المعاناة كانت وطنا
تناثرت مساحة الجسد الغض على ضفاف الوطن وريقات، تأكلها اليرقات الساكنة في أعشاش المؤسسات، المبنية على أنقاض أحلام سادة الليل ورواد الملاهي، من شيدوا للجسد تمثالا وجسورا من الحاضر إلى المستقبل الممتد عبر موج البحر، الجاثم على تخوم هذه الجغرافية، الرابض على أعتاب المقام الشريف المطل عليه من سطح الضريح المبلل بدموع الشموع وآهات الثكلى من صبايا الزمن المهجور والوطن المقهور، من أجل التبرك بكراماته الساكنة بين جدرانه، والقابعة عند خمائل قبر المبجل بمديح الأبيات الشعرية الغارقة في مفارقة الذات للذات لأجل ذات اللذة، المنتصبة في اللحن الشجي والصوت العذب، المطرب للحواس والأجساد وكل الأعضاء سوى الدماغ، المهاجر إلى ما وراء الفناء، يتمعن عقله سبب الوجود في ذات الجغرافية، وفي ذات الحدود والجواز وورقة التعريف؟! كلها مجرد أوراق تحمل نفس الاسم في تعدد الأرقام؟! ويظل الجسد الطري تحت ظلالها يتأهب للسفر فوق سطح مددها إلى الشاطئ، الذي ينتظر حرق كل الأقلام؛ حتى لا يدان بذات الاسم وتعدد الأرقام! ففيها يكتب الليل بسواده بداية الرحيل، وتنسج خيوطه أيقونة العبور، ويتستر بعباءته القاتمة عن ملامح الوجوه وجهه.
كل ذلك الحلم الكبير أيقظته يرقات الشقوق في منابع الذات، لتنبت منه الآمال المتربعة أفق الغروب ألواحا تداعب الجفون؛ غدا أمشي فوق هذه الجغرافية، ولا تمشي فوقي. غدا يكون يوما غير اليوم الذي نام في حضني! حتى تحل ذاتي في ذات اللذة فأرتقي إلى سادة الليل ورواد الملاهي؛ وأزاحمهم بغجرية على ذات الخواء شعورا وابتهاجا. وأنصرف من نفس الباب المتهتك بضجيج الرقص والتمايل والطرب بالماء الفاتح للدوران. فكأس المريد في يد القطب خادمة، لكن في ذات يد القطب مخدومة، وشتان بين النخوتين والمقام!؟ بينهما يغرق الوطن مسجى بكفن التاريخ، يقف الفقيه على بياضه بحسرة الألم، يواري أطرافه ومتن الوجود في تابوت من اشترى قطع الغيار. من جاء بمال وقلم وقال في أول السطر: " يا قوم ! ما سر وجودكم إن جئت بقلم ومال، وجئتم أنتم بخدم؟ فهل تفقهون ما بكم من تشوهات وعدم؟ " قالها؛ وانصرف الفقيه في ترتيل آيات المديح لمن رحل عنا بعدما رهن كل الجغرافية عند الحلم الكبير، الذي يبتدئ من أول سكر في محراب المؤسسات المشيدة بالقش والطين والتراب، المكبلة بمهرجانات الحضور يوم الزينة والحفل؟! وباحتفالات الغياب يوم النفير إلى الجهاد الباني معالم الوجه وتقاسيم الجسم وأوتار الجغرافية المتجذرة في أعماق الذات؟! من رحل ومازال حاضرا في الحفر والفقر والجهل، ساكنا بين الاسمين حاء وميما محت كل الأسماء. هذه آية رويت عني في عيد كان عيدين، يوم جاء المال والقلم وازدحم البشر، ويوم جيء بالحلم منابته في الجفون ومساكنه ثنايا البطون! آية خرجت عن سبب النزول لما لها من حكمة في الحضور. فاحفظوا متنها في العقول؛ يوم تغرقوا في صراخ القادمين من عبث الوجود، كل الوجود عندهم عبث يتكرر منذ عاد الفاتحون إلى هذه الجغرافية، يركبون معلقات التحرير باسم المقدس وغير المقدس الذي يرتقي في الدرجات إلى السدة العالية بتعاليق العناقيد المتدلية على الأسوار من عيون السيل النابع من شرف السلالة النقية الطاهرة بالرسم والحرف. فاحفظوا متنها حتى يرجع صداها من الأزل يتردد في أرجاء الجسد المبتور من السطور! تعاونوا ولا تهنوا؛ فمن كان فيكم واعيا قد مضى حيث البلى من حدث وصلصال ورماد. فلا تناموا حتى تستظهرون متنها في الصغار؛ ليشبوا على قناديل النور الأولى عند فاتحة الكلام، الذي بنى جسدا وحجرا وقمرا في العلا، وتمنطق بخنجر ثم هوى يسعى حتى جاءته السكرة الأولى؛ فنادى عشيرته الكبرى أن هذا النور مني جرى، فأسكنوه حيث سكنت المرة الأولى!؟
كل ما في الجغرافية حقول وأشجار وضيعات في تخومها قصور، ومراعي للندى، من هوى فاستهواه الرعي بين عشب المروج والسواقي النابت بين الحافتين، رطب الندى؛ يجذب عطر من زار الساقية والبئر، وجلس ينتظر خفافيش الليل رعاة اللحم والغنم وكل ذي حافر وإنسان، من جنس يرقات المؤسسات الظاهرة في المناسبات، السارقة للسمع والرؤيا من حقول قارئة الورق، بأن الغد أفضل من ذات الندى، والمحصول فقر وفتوى تبيح بيع ضرب الجغرافية في تفاحها وعنبها وعسلها وعطر أزهارها. فتوى الغنى ولا غنى سوى عند مداخل الجسد الموزع على كل الأجساد؛ طراوته عند كل مسكر لذيذة حتى الثمالة! حينها يخرج الكل من الجغرافية ليبقى في مدرجات الزيتون المنتشرة في الطرقات طيفا من قبس فقر عشش في خلايا النحل المتنقل بين رياحين اليابسات من ورد ونهد. على مسافة راح الود من حسناء النحل يحتسي لعاب الزيوت المخضبة بتعب المطحنات في زمن الزرع والضرع، ضرع الحليب المجفف في العلب، المختوم بخاتم الجودة المصدرة إلى الثاني، الوارث الشرعي لكل النحل والمطحنات غير باحات الصدر والقدم، وأما ما بينهما وما خارجهما؛ فحدود عقارية محفظة للذي بات يرسم خطوط الجغرافية في كتب الحاضر وفق رؤية الأمس ليحرق الغد بمساحيق الزينة وأصباغ الرسم ومزامل النحت. هنا يرقد ضريح الجسد الطاهر من غنت له الدنيا، وجاءته تراقص عينيه حتى يرى من جمالها ما يروق للمس ويصلح للغمز بطرف العين، فتسود صحف الوطن الهائم في الجسد، الحالم بطلعة الشمس في شوق الأديم الدائر بدوائر الكون.
كل الجغرافية مساحة طين تتقلص في المدى حتى تصير نقطة سوداء على ورقة تحمل الحد شمالا والسد جنوبا والنهر شرقا، ويبقى الغرب مفتوحا لأجل التصدير من تراثها تحفا وخزفا و من ناسها بطونا وفقرا، ومن خيراتها نهرا لري سنابل القمح وقنابل الصبح المنبعثة من أعماق الخطوط المحفورة على متن الوطن انتظارات للآتي من زمن الفرسان يحمل مالا وقلما، وسطلا وحبلا وبئرا! فيرتوي عطش العشيرة من بئرها بالسطل والحبل زيتا ثم نفطا ثم حليبا، فتفيض الجغرافية نباتا وعشبا ثم عنبا وقنبا؛ فتحيا نسمات الصبح من يرقات الأعشاش، وتتورد الخدود والنهود والسيوف، ويغرق الوطن في التأوهات. هكذا جاء في عدد من سفر الوجود الأول من تنزيل الحضور. وأما ما كان من أعداد الغياب فمنسوخة المتن والحكم بعدد الحفلات والمهرجانات الموقعة برقصات التراث الشعبي في سفر الهرج والمرج الموحى به للسادة مشايخ الحضرة الكبرى في ذات اليوم نهاره وليله سبات من قبيل المس بالجن والإنس. فممنوع عليه في رقصته هذه التعقل والتفكر في غير ذات التحير والوجد وجودا؛ فمناط الحضور هنا موكول أمره للبخور والدق بالدف والطبل والسمع للهمهمات والدوران ثم السكر بجمال القول الواصف للقطب الأكبر جسدا وروحا، خصالا وأفعالا؛ فكل الأفعال من فعله صدرت، ولولا اسمه ورسمه ما افتتح كتاب! ولا قرأت صحف وخطب ونكات! عجبا كيف يصدر النور من نوره والمكان ظلام! ثم يهوى بهواه الهوى على الهوا فيهوى. فيسكن الوطن لهواه حتى ينسلخ عن القطب الأكبر ومشايخ الحضرة الصغرى مس السكرة العظمى، تاركا قبسا من كراماتها ووحيها يتلى في مقام الحاضرين والمريدين؛ بأن الليلة تنزل على القطب الأكبر والمشايخ الصغرى صدى من القرون الأولى، يتردد في جنبات النفس صدى: طاب الوطن بوجود منابت الجغرافية، السهول والهضاب والجبال والغابات والبشر والبحر والنهر والآبار والملح والتراب، تنبعث من الجسد الطري إشارات يد تلوح للقادم من سراب الشطحات للراقصين والراقصات على أوتار الكهوف والخوالي من صحاري وفيافي وقفار، المترنم بقصائد المديح في البرية. قد جاء النهر والبحر يجمع الحطب من ذات اللوح ليهجرها ثانية إلى موطنها الأصلي، من لاح أهله في سراديب المدينة القديمة، يصدرون لثالث مرة ما بقي من ذات اللوح وهم يوقنون أن المنون فوقها أشهى من النوم تحتها، لأنها جاءتهم مع النبوءة الأولى بأن هذا الوطن يتلظى بنار وهجر وهجير في الصبح والمساء وعند الفجر رغم وجود من دنا فتدلى فكان من مقام القطب الأكبر والمشايخ الصغرى قاب قوسي أو أدنى، عندها تلظى بذات شهب حتى هوى على الهوى فتلوى، ثم قام يمشي حيث السكرة الكبرى عند باب البحر والشمال وكل ممر إلى كهف الهجرة من الدنيا.
وطن روى بأن الأهل والصحب رحلوا عنه في مواكب حشود جمعت المتاع وما تبقى من كتب وصحف، ثم رأت في الأفق شمسا تغيب وأخرى تشرق من الشمال والغرب رغم سقوط الرؤيا وانغلاق عصر النبوءة الأولى. لأن الزمان رحل عنها وتركها تتلمس الخطوات الأولى، حبوا لا مشيا ولا هرولة لأنها مازالت تتهاوى في وقفتها الأولى. وطن روى أن الجغرافية انكمشت حتى صارت بحرا ولوحا وهجرة للأخرى، بقاء أو فناء كلاهما لأجل الوطن عشق على الطريقة المثلى؛ فلا لمقام يقتل الجسد واقفا دون أن يتغذى من معين الوجود بما هو وجود: عقل وتعقل، فعل وانفعال، حاء ودال الأبجدية السرمدية في جنان الخلد للذات والذوات بما هي وطن باق وهي عوارض فانية في عرضه المحصن من كل الجهات بكل الجهات.
وطن روى بأن العودة لن تكون إلا لحمل من بعير على متنها حدود وشهود، وهو فيها حامل ومحمول، لا مُهَجَّر ولا مخبول، فيه الجغرافية تحتضن البحر والألواح والتراب، الجسد والأطراف والبطون، وكل مس من الجن والإنس محرم في سفر التكوين والوجود. باقية أطراف الأرض في رحمها، حتى يخرج منها نار ونور، فتقوم على جنباتها حراسة وفراسة؛ حينئذ يكون الإنسان من صلصال وطين….
عبد العزيز قريش

MédiocreMoyenBienTrès bienExcellent
Loading...

Aucun commentaire

Commenter l'article

Votre adresse e-mail ne sera pas publiée. Les champs obligatoires sont indiqués avec *