حتلت القصة المغربية مكانة مرموقة بين الأجناس الأدبية الأخرى حيث عرفت رواجا بين محبي هذا اللون الأدبي الذي أتاح للكاتب إمكانية التخييل واستعمال اللغة وتحقيق التواصل.

      إن إبداع المتعلم لا يخلو من خصائص القصة عند الكبار ومظاهرها الفنية حيث تناول مواضيع مختلفة من صميم الحياة، وحكي بلغة سهلة منقحة عن تجارب الغير في زمن السلم والحرب والشدة والرخاء ومزج بين الواقع والخيال.

      هذه المجموعة القصصية لا تحتاج إلى تحليل عميق أو تأمل لاستنباط المضامين والأهداف بل هي نصوص في متناول القارئ أو المتعلمين الذين يطالعون نصوصا استماعية بمقرراتهم مجتزأة من كتب أو نصوص سردية فضلا عن مطالعاتهم الشخصية أو مشاهداتهم لأفلام كانت في السابق بين دفتي كتاب …

إنه عمل يستفز الذاكرة الصغيرة، وينقل الأحداث والتجارب ويستشرف عالم المتخيل.

أما ماذا يقول المتعلم من خلال الحكي؟         وكيف يقول؟ وما الرسالة الفنية التي يوصلها إلى الآخر ؟

تلك أسئلة نتركها للقارئ ليجيب عنها بعد الإبحار في عوالم المجموعة حيث المتعة والفائدة ولأصحابها أن يلتمسوا منا الصفح عن الهفوات التي ربما نجدها أثناء تصفح المجموعة لأنها البداية وفي البداية مزلة كما قال أبو هلال العسكري.   

عكاشة البخيت                  

في أحضـــان الخيمـــــة

     يعتقد البعض أن الصراع العربي الفلسطيني بدأ منذ احتلال فلسطين لكنه في الواقع صراع قديم جديد إذ بدأت بوادره منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو أول من واجه الكفر والضلال وأزال حقد الجاهلية من قلوب أصحابه وما الحروب الصليبية إلا وجه من أوجه الاستعمار ، احتلت بريطانيا العالم العربي وبالأخص مصر والمشرق وزرعت هذا الكيان بين أحضان الأمة الإسلامية وزودته بالمال والسلاح ومنحته الضوء الأخضر لقتل الفلسطينيين وتهجيرهم وسرقة أموالهم وأراضيهم.

     قرأ هذا المقطع وترك الكتاب جانبا وتذكر حكاية جده عما لاقته الأسرة أثناء استيلاء اليهود على الأراضي…. لكن المقاومة برزت إلى الوجود وانطلقت الرصاصة الأولى معلنة الخطوة الأولى على درب الجهاد.

قاوم الشعب الفلسطيني الاحتلال وصمد في وجه العدوان وزرع الخوف والرعب في قلوب المحتلين. قال الرجل في نفسه ما أشبه الليلة بالبارحة، خرج إلى عمله كعادته حيث قطع مسافات طوال للوصول إلى المعمل قرب الحدود المغلقة مع العدو. وحدث مالم يكن في الحسبان، حيث انطلقت طائرات العدو باتجاه غزة لتركيع المقاومة، قصف الحي قصفا عنيفا، ولما هدأت الأجواء تفقد الساكنون منازلهم وكم كان الألم شديدا حينما علمت صفية أن ابنيها الذين تركتهما في المنزل لم يبقيا على قيد الحياة، فلم ينفعها الصراخ، لم يبق من البيت طوبة واحدة، لكن الجيران بنوا لها خيمة صغيرة بالقرب من منزلها المهدم، وعاد أحمد إلى مسكنه بعد سماعه خبر القصف وكم كانت دهشته حينما رآى أحياء بالكامل لم يبق منها إلا الاسم.

هرع بين الأهالي المفجوعين ورآى ما لم يره من قبل دماء وأشلاء وظن أن الأسرة أبيدت بكاملها لكنه لم يصدق عينيه حين رآى صفية متجهة إليه بسرعة البرق تبكي وتصرخ وعلم في الأخير أن عائلته الصغيرة التي كان يعمل من أجلها فارقت الحياة ، سقط مغشيا عليه. ونقل إلى الخيمة لتحكي له زوجته قصة استشهاد ابنيه وسكان الحي.

     انضم إلى المقاومة ووهب نفسه في سبيل الله دفاعا عن غزة والقدس أما صفية المرأة الحزينة انضمت إلى صفوف الممرضات اللواتي يعملن في مستشفى للأطفال للتخفيف من معاناتهم كانت تتحسر على فقدان ابنيها وتتذكرهما في كل حين إلا أنها كانت صبورة مؤمنة بالقدر تتذكر قوله تعالى ( ولاتحسبن الذين قتلوا في  سبيل أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون).

     كانت غزة صامدة بأهلها وشبابها تأبى الاستسلام والخضوع…وكانت صفية تعود إلى خيمتها تحت القصف غير خائفة من طائرات العدو، كانت ترى في طريقها مشاهد دامية بشعة وجثثا ملقاة على الأرض ومباني أصبحت ركاما حتى المساجد قصفها الصهاينة وفي أحد الأيام مرت قرب طفل يئن فوق الركام  والدموع لاتفارق خديه، سألته فأخبرها بأنه الناجي الوحيد أخذته إلى خيمتها ، كانت طيبة القلب ، فخففت عنه الألم الذي يعانيه من فراق أهله.

     كان زوجها يستمع خلال نومها إلى هذيانها كانت تحدث ولديها كأنهما على قيد الحياة ، كان يوقظها بين حين وآخر فتصلي ركعتين ثم تدعو الله أن ينصر المقاومين على الأعداء ويخفف عنهم الاحزان ، ثم تعود إلى النوم من جديد.

أما أحمد كان يخفي عنها حزنه ، لم يستطع النوم ولا الاستماع إلى هذيانها ثم غادر خيمته يمشي بين ركام منزله والحزن يعصر قلبه وعلى ضوء خافت رآى ملابس ابنيه فضمها إلى صدره وأخذ يبكي وسط الركام ثم حفر قبرا على مقربة من منزله ودفن فيه ملابس الأبناء وأشياء أخرى إلا صورة كانت تضم الأسرة مجتمعة ، هي ما تبقى من أبنائه تذكر ابنه الحسين عندما كان يتنزه معه بين أشجار الزيتون القريبة من المنزل… وبجانبه حسن حيث تذكر ابتسامته وإصراره على  الحصول على ملابس العيد وتمنى لو كان بجانبه لكن ما باليد حيلة ، أحست الزوجة بغياب زوجها ليلا وخرجت فوجدته في حال يرثى لها وعادا إلى الخيمة التي كانت الرياح تلعب فيها وغط في نوم عميق ليجد نفسه يلعب مع أولاده من جديد إنها الذكريات المؤلمة التي تصاحبه منذ تلك اللحظات الدموية إلى الآن.                    

عبد الصمد الحباشي

الملك والفرســـــان

     كانت هناك قلعة لملك ذي نفوذ واسع وذي جنود كثر ، كان يدعى « صقرا » عادلا متواضعا لديه أشجع الفرسان يقاتلون في المعارك دفاعا عن الملك والمملكة كان العدو يسمع عنهم ويخافهم ، أما المملكة فكانت هادئة آمنة.

     تزوج الملك شابة قروية ،ذات جمال يذهل الناظر لرؤيتها أهداها بمناسبة الزواج قلادة ذهبية مزينة بالماس وأطلق عليها ( سر المملكة) أما مستشاره كان حقودا شريرا استغل فرصة غياب الملك واتفق مع خمسة فرسان وأرسلهم خفية وراء الملك لاغتياله، ولما وجدوه يتجول وحيدا في قريته وداخل مزرعته، هاجموه  بسيوفهم، لكن الملك  قاومهم وكادوا أن يقضوا عليه لولا تدخل الفرسان الثلاثة واستمر القتال إلى أن سقط أحدهم وأدرك الملك أنه سيقع لامحالة في قبضتهم وإذ بقروي سبق أن علمه جده فنون القتال كان واقفا يتابع أطوار المعركة  قال في نفسه : هذا ليس عدلا خمسة مقاتلين ضد اثنين استل سيفه واتجه صوبهم وفي هذه اللحظة هوى الفارس بسيفه على الجريح لكن القروي ويليامس منعه من قتله فصاح في وجهه:ـــ من أنت؟

    * أنا من سيضع حدا لحياتك
    * إذن جرب حظك معي

حارب وليامس إلى جانب فرسان الملك وجرد المقاتل من سيفه، واستمرت المعركة إلى أن انهزم أعداء الملك ، وعاد الملك سالما إلى قصره واستدعى ويليامس وكرمه بقلائد عربونا لوفائه وضمه إلى خيرة فرسانه حيث أصبحوا أربعة:

ويليامس * فنيرو * سانتا * روميو.

        فأصبحت هذه الأسماء منقوشة في ذهن الغزاة الذين حاولوا السيطرة على القلعة.       في منطقة أخرى نفي أحد الملوك إلى بلاد بعيدة جدا وكان هذا الملك هو أخ القروية التي أصبحت ملكة فجاء لتوديعها فأهدته قلادة زوجها سر المملكة فغادر البلاد إلى المنفى وذات يوم أقام صقر وليمة بمناسبة عيد تأسيس المملكة فعلم المستشاربأمر تسليم الملكة لأخيها قلادة سر المملكة  ليتذكرها وطلب المستشار من الملك أن يأمر زوجته بوضع القلادة في الحفل.

التمس الملك من زوجته ارتداء أحسن الأزياء والتحلي بالقلادة التي أهداها إياها لتزيدها حسنا وجمالا.

       ابتسمت ووعدته بأن تكون ملاكا أثناء الحفل ، سمعت جمانة الخادمة مادار بين الملك ومستشاره وأسرعت إلى وليامس تطلب منه اللحاق بأخيها الملك وكم كانت المفاجأة حين وجد الفرسان ينتظرونه خارج القصر وكلهم حماس ورغبة في الذهاب جميعا والعودة بالكنز الثمين لأنهم تعاهدوا على الصدق والمحبة في الله.

       غادر الفرسان وعلم المستشار بأمرهم فأرسل من يوقف رحلتهم لكن  الفارس روميو تصدى لهم وذهب الآخرون يبحثون عن الملك وبعد مغامرات عديدة وصل أحدهم إلى الملك وأخبره بأن أخته في ورطة وأن عليه ارجاع القلادة لها وفعلا سلمها للفارس الشجاع الذي انطلق بسرعة البرق وعاد الآخرون  وعلم الملك بأمر المستشاروجازاه شر الجزاء ودبر مكيدة للملك  إلا أن السحر انقلب على الساحر وأعدمه الملك مع هؤلاء المرتزقة الذين جلبهم للسيطرة على القلعة . وعاشت تلك المملكة في رغد وسعادة.

أيوب مزوكي

أفنـــــــــان

     من السهل أن تصبح غنيا ولكن من الصعب أن يصبح لك أولاد هذا ما قاله أحمد لصديقه لأنه ظل زمنا طويلا يعيش جنب زوجته دون أولاد يملأون البيت صراخا وضجيجا.

     كان يدعو الله أن يرزقه طفلا أو طفلة  وذات يوم رآى في منامه مجموعة من الطيور الجميلة محلقة وعائدة إلى أوكارها إلا أن حمامة كانت أكثر بياضا وجمالا ذهبت بعيدا ولم تعد  . شغل هذا الحلم بال أحمد ورواه لمجموعة من الشيوخ علهم يفكون لغز  هذا الحلم لكنهم لم يستطيعوا.

     ومرت السنون ولم ينقطع أمل الزوجين في الإنجاب، وحدث ما لم يكن منتظرا حيث رزقا بطفلة جميلة أسموها ( أفنان) أدخلت الفرح في القلوب ، كبرت الفتاة وأصبحت تميز بين الحق والباطل ،وارتدت الحجاب لأنها تربت في ظل أسرة محافظة مصونة للأخلاق كانت تسبق عصرها منحها الله عقلا راجحا، كانت قدوة لبنات عصرها.

      جلبت أمها خادمة أجنبية تدعى كاترين وجدت المعاملة الحسنة خاصة من أفنان التي كانت تتابع دراستها وتحصل على أعلى المعدلات ،كانت الأجنبية تناقش أفنان في لباسها ومعاملاتها المستمدة من الدين، وذات يوم أقنعتها باعتناق الإسلام، ودعاها عمها إلى حفل زواجه فذهبت وهناك علم النساء مدى جمالها وطيبوبتها… وبعد عودتها أحست بألم في رجلها وظنت أنه وجع سوف يمرلكنه أقعدها فهرعت العائلة إلى المستشفى وهناك علموا بأن ابنتهم مريضة بالسرطان ، قبلت المريضة مصابها لأنها كانت تؤمن بالله لم يتردد الوالدان والأقربون في نقل أفنان إلى أمريكا بعد توديعها لأحبتها.

     وصلت منهكة ومتعبة وتساقط شعرها مع مرور الأيام ، وقبل إدخالها غرفة العمليات طلبت من والديها التحدث إلى صديقتها عبر الهاتف أقنعتها صديقتها بأن الأعمار بيد الله .

ظلت الأم إلى جنبها فأخبرتها أفنان بما رأت في حلمها وتذكر الأب الحمامة البيضاء المهاجرة فأدرك أن الحمامة هي أفنان التي ستطير من بين يديه وكان مستعدا لأسوء خبر نقله الأطباء إليه بعد نصف ساعة من إجراء العملية ،كانت الصدمة شديدة الوقع عليهما وهما في ديار الغربة ينتظران عودة الحمامة التي لن تعود.

                                                               طاهرة حمزاوي.
 
 
 
 
 
 

الحمام البريء

      هناك في بيت صغير في فلسطين وبالضبط في حي الزيتون بغزة المحاصرة كان يقطن ثلاثة يتامى: غسان وتامر وهديل وأمهم إسراء فجأة قصف البيت بغارة إسرائيلية وقعت الام إسراء ضحيتة.

صدم الأطفال بعد هذا الحادث المأساوي وأخذوا يدورون حول جثة أمهم في رعب لا يدرون ما يفعلون؟ ليس بيدهم حيلة، صرخت هديل قائلة لاخوانها:

– والله لأخرجن وأقاتلن الصهاينة الكفرة فان أخذ صاحب الأمانة أمانته أخذها كما وهبها أول مرة صافية نقية من الذنوب والخطايا. فهذا الكون أصبح مسرحا للجرائم وصارت تسود فيه قوانين الغاب « القوي يغلب الضعيف » فما معنى الحياة في هذه الحال ؟

رد عليها غسان: نعم يا أختي معك حق فوالله  لأتبعنك وأقاوم مثلك حتى الاستشهاد، فلم يعد للحياة معنى تحت ظل الإرهاب والقتال فأنا دائما أتذكر قول أبي أو أرى أحد أولادي يلبس زيا عسكريا ويقول لي ادع لي يا أبي فالشهادة مناي فولله لأحققن حلمك يا أبي إذا كان ذلك في استطاعتي، يرد عليه تامر وما عساني فاعل دونكما ؟

هديل وغسان بلا شك ستفعل مثلنا إننا نوصيك بالجهاد  يا تامر ، الجهاد هو السبيل الوحيد لدخول الجنة وهم على ذلك الحال قصف البيت مرة ثانية كان من ضحاياه هذه المرة الأخوان المحبان للشهادة غسان وهديل ها قد تحقق حلمهما وإن لم يخرجا للساحة بقي تامر وحيدا في هذا العالم الخبيث، تذكر حماماته الثلاث وخرج لتفقدهن وجد واحدة على قيد الحياة وشاهد الدمار الذي حل بالبيوت المجاورة في حي الزيتون الذي كان يعيش في راحة وهناء امتلأت روح غسان بحب الاستشهاد كما الحمامتين الصغيرتين سيتحقق حلم أبيه حيث كبر الولد وأحب الاستشهاد وصار عسكريا يحمل سلاحه واتجه نحو ساحة القتال وابتدأت المعركة وقاتل بشجاعة وشاهد الدمار الذي أحدثه القصف الصهيوني على المساجد والعمارات لكن عزيمة المقاومين كانت أكبر من الصهاينة .كان يحلم بتحرير فلسطين تذكر الانهزام العربي وعدم قدرة الجيوش على تحقيق النصر كان يرى استقلال وطنه صعب المنال إلا أنه لم ييأس فخرج مع المقاومين لصد العدو فأصابته رصاصة طائشة أردته قتيلا وهكذا تحقق الحلم في سبيل وطنه ولم يتوقف صوت بندقيته التي تركها إلى الآن. 

ضيف نور الهدى