صــرخــة في جـــرادة
احتفالا باليوم العالمي للمسرح نظم المركز الثقافي بتنسيق مع الجمعيات المسرحية لمدينة جرادة عروضا مسرحية للكبار والصغار ابتداء من يوم الجمعة27 مارس2009 … وقد أتاحت لنا الفرصة لحضور بعض هذه العروض وأخص بالذكر عرض فرقة مسرح مناجم جرادة ، بعنوان ( الصرخة )
والصرخة عنوان لعدة مسرحيات عربية وأجنية ، إلا أن مسرح مناجم
جرادة اختار صرخة الزنزلخت لمؤلفها عصام محفوظ الذي فارق الحياة والمدفون في بلدته مرجعيون بلبنان ، حيث اعتمدها ادريس الشليحي كمصدر،لإخراج مسرحيته الصرخة إلى الوجود و التي عرضت بالمركز الثقافي يوم الجمعة 13 فبراير 2009 في إطار طلب الترويج أمام لجنة مختصة تابعة لوزارة الثقافة. وبعد حصول الفرقة على الدعم من طرف الوزارة الوصية.
أعيد تقديمها إلى الجمهور وذلك بتاريخ 27/03/2009.
قام بتمثيل أدوارها الممثلون ا لمقتدرون:
1/ حفيظ موساوي
2/ إدريس الشليحي
3/ لخضر مجدوبي
4/ محمد بوشنافة
وفي المحافظة : ذ يحي هورير
السينوغراف: لخضر مجدوبي
التقنيات امحمد داني
الملابس: عيادة موساوي
ولفهم الصرخة لابد من العودة إلى لبنان للتنقيب عن الزنزلخت والحديث عن صاحبها وظروف إخراجها بل ربما الحديث عن المسرح في لبنان إبان فترة الستينات حيث إن « الزنزلخت » عرضت سنة 1969. في ظروف النكسة وهيمنة القوى الأجنبية على الأمة العربية والإسلامية وصراع القوى الداخلية وما خلفته من آثار على فكرالأمة ووجدانها.
بعد محاولة الإنقلاب على الشهابية ، تمت الحملة على القوميين السوريين
واصطف عصام محفوظ إلى جانبهم بفنه فأعاد محاكمة أنطون سعادة الذي هرب من لبنان واستقبله حسني الزعيم بدمشق لاجئا سياسيا، وسلمه بعد شهر إلى السلطات اللبنانية وفق صفقة يوم 7/ 08/ 1949 حيث أصدرت في حقه حكما بالإعدام ، وتم تنفيذه فجر يوم 8/8/1949.
كان عصام محفوظ الحجر الأساس في تحول المسرح اللبناني من مسرح التسلية الى مسرح سياسي هادف, قائم على أسس درامية سليمة . خاصة بعد نكبة 1967 التي دفعت بالفنانين إلى الحسم في اختياراتهم والتوجه نحو الواقع.
عرض عصام محفوظ مسرحيته على أكثر من مخرج لكنهم لم يستجيبوا لطلبه ، وبعد تأكد أحدهم من عبثيتها ، أخرجها مضيفا الى موضوعها مسحة من الفن المسرحي . فجمعت بين التهكم والسخر الفني والنقد السياسي.
العبث ظاهرة فنية تتجاوز القواعد النقدية القديمة لفن المسرح فلا مكان ولازمان ولاحدث ولاعقدة لكن للحوار دورمهم في بناء مسرحية اللامعقول فلا ترابط أو تجانس فيه حيث تتشابك خيوطه وتتشعب ويتيه السامع بين متاهاته إنه مسرح اللاتوصيل من رواد هذا الفن صامؤيل بيكيت الحائز على جائزة نوبل للآداب .
يعتمد هذا الفن على قلة الأشخاص ، وضيق المكان وبرودته أو رطوبته وسيادة الظلام ، للتعبير عن الخوف والقلق وانعدام الأمن والأمان وامتزاج
الوهم بالحقيقة. وهذا ما شاهده رواد قاعة العرض بالمركز الثقافي الذين
استمتعوا بعرض مسرحي يحمل بين طياته السمات العبثية ، حيث جرت أطوار المسرحية داخل الزنزانة التي يتواجد بها أشخاص مجانين قاموا بمحاكمة أحدهم ووجهوا إليه تهمة القتل وظل يدافع عن نفسه مستفزا ذاكرته على تتبع خيوط الوقائع والأحداث المسرودة إلى أن تم الحكم عليه.
وبين هذه المشاهد وتلك يعبر المجنون عن الظلم والقهر وأنعدام الأمن والعدل وانسداد الأفق فتتفجر الصرخة مدوية ضد كل أشكال القمع والظلم والقهر والاستعباد.
برع المخرج في تأثيث الفضاء وظل الباب ( الديكور) مسدودا في وجه الطارق في جميع المشاهد دلالة على مايعانيه الإنسان في تحقيق أحلامه ومتمنياته ،إنه الباب المسدود في جميع الأحوال لايفتح إلا لزيادة القلق وتعذيب النفس والجسد.
كيف يمكن لعاقل أن يحاكم المجانين على أقوالهم وحركاتهم ؟!، وتتبع حواراتهم الغريبة الدالة على واقعهم الأليم ؟،
لاحظ المشاهد الإنسجام التام بين الممثلين الذين أبانوا عن احترافية كبيرة وقاموا بأدوار حققت المنفعة والمتعة معا. وتقمصوا أدوار مجانين عقلاء يحاورون ويتحاورون يحاكَـَمون ويحاكِمون.
مشهد واحد وديكور ثابت وزنزانة ترمز إلى الذل والمهانة وسلب الحرية فضلا عن سلب عقول أصحابها الذين لعبت بهم السياسة والديمقراطية وألقت بهم في غياهبها ونالوا من التعذيب ما يفوق الوصف.
فإذا كان في مسرحية صمويل بيكت ( في انتظار جودو) شخصيات تنتظر جودو الذي لن يأتي أبدا ، فإن مسرحية الصرخة بدورها تشير إلى ( السيدة) الغائبة التي ظل المتهم ينتظررجوعها لكن بدون جدوى، إنه الأمل الغائب وسيظل غائبا وإلى الأبد مادامت الأمور كما قال الشاعر:
ـ
ــ وأحوال الزمان عليك شتى *** وحالك واحد في كل حال ــ
تستحق المسرحية المشاهدة ، ويستحق ممثلوها الثناء والتقدير فهي حبلى بمشاهد الألم واليأس والإحباط في ظل ظروف صعبة لم يستطع الإنسان مقاومتها أو تجاوزها تتخللها الفرجة والمأساة في آن واحد.
1 Comment
في متاهات الزمان اللولبي و اهات الاحزان و عبث الاقدار يخرج طائر الفينيق من المركز الثقافي لمدينة جرادة معلنا انطلاق صرخته في مسرحية الصرخة و التي ادى ادوارها الممثلون بكل اقتدار اعادت بي الذكرى الى المسرح العمالي ايام المرحوم محمد مسكين … اكيد ان ارث المسرح في المنطقة الشرقية سينتقل الى مسرح مناجم جرادة, و و لم لا على المستوى الوطني ,, ان هده الفرقة المميزة تحتاج الى الدعم المادي لتواصل رقيها و اعتقد ان القلم لا يستطيع ان يصف او ينقل الى القارئ المسرحية بل ادعوه لمشاهدتها حتى يعرف قيمة المسرحية و خاصة قيمة الممثلين و للاشارة فان الممثلين دخلوا في مرحلة اندماج كلي في الشخصية الى حد بعيد و يكفي ان اراقب شخصية المحكوم عليه بالاعدام لانظر من خلاله الى الواقع العربي وكيف تكون شخصية الجنارا التي تعيش سعادتها في التضييق على المحكوم عليه بالاعدام و هده الشخصية تعيش الحلم و تعيش الضياع و تعيش الامل انها اطلالة على بريخت يا اخي عكاشة و نتمنى ان تواصل الفرقة تميزها و تقدمها