إيران واللّعب على الأعصاب
لقد جاء الرد الإيراني على المقترحات الدولية بكثير من الذكاء السياسي فطوال المدة التي مضت حاولت إيران كسب رهان الوقت وقد نجحت في ذلك وكسبت وقتا سمح لها بالقيام بعدة تطويرات على برنامجها النووي .
المتتبع للشّأن الإيراني يرى أن الرد جاء بطريقة يمهل لها مستقبلا كسب وقت إضافي , فهي كما جاء في ردها تقبل المفاوضات الفورية والجادة .. ولا تقبل الوقف المؤكد لتخصيب اليورانيوم هذه الازدواجية تربك مجلس الأمن في اتخاذ قرار حاسم ضد إيران .
سياسيا إيران تتفوق على نصرائها الأوربيين والأمريكيين الذين بالطبع يستحضرون في أذهانهم الدور الذي تلعبه إيران في المنطقة وان كانوا على ارض الواقع يريدون تجاهله, وهذا ما يشدد في الموقف الإيراني أكثر فكما لتركيا مشروع في المنطقة وأمريكا ودول أوربية فمن حق إيران أيضا أن يكون لها مشروع ومصالح تحافظ بها على مكانتها .
بأي حال من الأحوال لا يمكن أن ننكر الدور الإيراني في المنطقة , بكل منطق فهي لها يد طويلة في الصراعات الدائرة هناك , ولا ننسى أن إيران تقود حربا غير مباشرة مع أمريكا في العراق وما تقدمه إيران من مساعدات لبعض الجماعات المسلحة هناك.. على سبيل المثال ولا الحصر فيلق بدر الذي تدعمه إيران بكل الإمكانيات .
لا يمكن تجاهل دورها أيضا من خلال التحالفات التي أقامتها, فهي حليفة قوية لسوريا وسوريا تمثل عنصر أساسي في الصراع العربي الإسرائيلي ..وحليفة لحزب الله الذي تنظر إليه ككتلة عسكرية خاصة بعد التطورات الأخيرة في لبنان وخروجه منتصرا من تلك الحرب وكان بمثابة اختبار لقدرات الحزب . تأتي روسيا والصين ليكملا حلقة التحالفات وان كانتا تتحالفان اقتصاديا فهذا رباط وثيق لتجنب أي ضربات عسكرية لان أي تدخل عسكري أو فرض عقوبات اقتصادية يستهدف بالدرجة الأولى هذه الدول التي تعتمد على الطاقة الإيرانية كعنصر محرك لاقتصادها .
وهناك من الدول التي تحسب على الصف الأمريكي إلا أنها تعارض مسالة فرض العقوبات , فاليابان مثلا تعتمد كليا على النفط الإيراني .. فعقوبة اقتصادية تعني إرباك للاقتصاد الياباني وهذا لن تسمح به اليابان .
بعد الرد الإيراني على مقترحات دول الدائمة العضوية في مجلس الأمن زائد ألمانيا, بادرت الولايات المتحدة إلى انتقاد الرد في اليوم الموالي بدعوى عدم استجابته لشروط ومقترحات مجلس الأمن والتي تدعوا إلى وقف فوري للتخصيب وبشكل مؤكد ..ولكن في نفس الوقت ترى ضرورة في دراسة الرد وبجدية . وهذه الخطوة فوهمت بان أمريكا تريد تعميق مشاوراتها مع أعضاء مجلس الأمن والمعلوم أن المدة المحددة من طرف هذا الأخير هي إلى غاية 31 من أغسطس الجاري .
أمريكا ألان في مرحلة عض الأصابع فهي أخطأت حساباتها إبان خروج القوات الإيرانية من حرب الثمانية سنوات ضد العراق سنة 1988 والتي اعتبر فيها العراق منتصرا بدليل أن إيران هي من اقترحت وقف العمليات . ما قرأته أمريكا قراءة غير سليمة واعتبرت إيران دولة مهزومة لن تقم لها شوكة بعد هذه الحرب التي أنهكتها اقتصاديا وعسكريا .أمريكا لم تضع في حساباتها أن إيران خرجت من الحرب بهدف ترتيب الوضع العسكري الداخلي والاعتماد على الذات حتى وصلت إلى ما وصلت إليه ألان مما خلق مفاجأة لأمريكا, حيث أنها ترى من غير المنطقي والمعقول أن تقوم إيران مجددا وبهذه القوة مما دفع بالغرور الأمريكي كالعادة إلى البحث عن وسيلة للانتقام وان كان هذا اليأس من إيران قد بدا حين قيام الثورة ضد الشاه ما فهمته أمريكا فقدان لحليف استراتيجي في المنطقة وجاءت حرب الثمانية سنوات لتوهم لأمريكا أنها وضعت حد لتطورات إيران بطريقة غير مباشرة وبدون خسائر عسكرية باستثناء بعض الدعم اللوجيستي للعراق .
إن المجتمع الدولي يعي جيدا معنى فرض عقوبات اقتصادية على طهران خاصة الدول الأوربية والتي ترى أنها اقرب إلى الضرر من أمريكا, وما تصريحات وزير خارجية فرنسا الأخيرة بضرورة تكثيف الحوار مع إيران إلا دليل على تخوف من فرض للعقوبات .
عمليا حتى إذا فرضت عقوبات فهذا ليس بحل للازمة النووية وإيران تستطيع أن توفر حاجياتها عن طريق المنفذ السوري ولا ننسى التجربة العراقية في هذا السياق فهو رغم الحصار لم يتأثر كما كان يتوقع نضرا للتهريب الذي تبناه حيث كانت هناك مافيا للتهريب توفر كل شيء’ ولا نستبعد حصول الشيء نفسه مع إيران ..لا جدوى إذن من عقوبات على إيران لكن ما نخشاه هو تحول هذه العقوبات إلى تدخل عسكري كما حصل مع العراق مؤخرا وهذا يعني اندلاع حرب إقليمية ربما ستتحول إلى ابعد نطاق .
Aucun commentaire