ظاهرة التطاول على الاختصاصات في الحقل التربوي
أثار انتباهي مقال الأخ الفاضل الأستاذ السيد محمد حومين الذي نعتز بأخوته ونثمن غيرته على قطاع التربية والتعليم من خلال مواقفه الشجاعة وثباته على مبادئه . والمثير في مقاله هو وضعه الأصبع على ظاهرة التطاول على الاختصاصات بين أطراف الحقل التربوي الذي يعزى إلى جهل بالنصوص التنظيمية والتشريعية أو تجاهل لها.
فكثيرا ما يندلع الصراع بين أطراف أسرة التعليم ومن لهم علاقة بها عندما تتعارض المصالح، وتغيب التشريعات، وتحضر الأهواء والعواطف، ويصير التعصب للرأي هو الفيصل عوض الخضوع للقوانين. وفي هذا السياق تحضرني قولة للسياسي الجزائري السيد عبد الله جاب الله الذي قال يوما : » عندما نمرض نعترف بجهلنا أمام الطبيب ، وعندما نريد أخذ جرعات الدواء نعترف بجهلنا أمام الصيدلاني وكذلك الأمر في كل المجالات ، ولكن عندما يتعلق الأمر بالدين نصير كلنا علماء وأصحاب فتاوى » .
هذه المقولة تصدق على الحقل التربوي أيضا كما تصدق على الحقل الديني، ذلك أن فعاليات الحقل التربوي ومن له علاقة به لا تلتزم بالنصوص التنظيمية والتشريعية التي تضبط اختصاصها بل تدوس على هذه النصوص عندما تشعر أن مصالحها أصبحت مهددة. وعندما تدعو الضرورة لاجتماع مختلف الفعاليات التربوية نجد كل طرف يحيط نفسه بهالة من المشروعية في الوقت الذي يصادر مشروعية غيره عن سبق إصرار وسوء نية وطوية.
فكم من مرة تتطاول فئة على فئة أو أفراد على أفراد، فيحاول من لا علاقة له بتخصص معلوم أن يعطي دروسا لأهل التخصص مع أن القاعدة المشهورة شرعا وعرفا تحيل على المقولة المشهورة: » فاقد الشيء لا يعطيه ». وقد يصير الواحد بقدرة قادر مدرسا ومديرا ومفتشا ونائبا ومدير أكاديمية ومديرا مركزيا ووزيرا أيضا وولي أمر…..، وعندما تسأل عن اختصاصه تجده طرفا من هذه الأطراف، وربما اكتشفت جهله باختصاصه ذلك أن الذي يتطاول على اختصاص غيره جاهل بالضرورة باختصاصه إذ لو عرف قدره لجلس دونه كما يقال.
فكثيرا ما فوجئت بمن لا علاقة له باختصاصي يجادل فيه مماحكا ، ويشرع ويشرعن ويدين ويحاكم ، ولو كانت مفاتيح المعتقلات بيده لأودعني غياهبها ، وعندما تسأله عن مصادر معلوماته تجده ينطلق من فراغ الجهل المطبق ، والمضحك أن ينطلق من فرضيات وهمية يتخذ منها مسلمات لا يرقى إليها شك في نظره فيضرب الأسداس في الأخماس ويطلع علينا بنظريات وتوجيهات وقرارات تجعله عرضة للتندر والسخرية .
وعندما تصطدم أحلامه بصخور النصوص التنظيمية والتشريعية تجده يلهج بعبارة ممجوجة مجتها الأذواق والعقول وهي: » وهل النصوص التنظيمية والتشريعية وحي يوحى » فالنصوص التنظيمية والتشريعية في نظره ليست وحيا يوحى ولكن آراؤه وأهواؤه وحي يوحى. والوحي نفسه لا يحظى عنده بأهمية ،وهو ممن قال فيهم الحق سبحانه : ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ) أو قال فيهم : ( ولو نزلنا عليك الكتاب في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين ) .ولعل الحل الأسلم مع هذا النوع من البشر هو قوله تعالي : ( وإن تدعوهم إلى الهدى لا يسمعوا وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون خذ العفو وآمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ) وما العرف سوى تلك النصوص التنظيمية والتشريعية التي لا يقر بها من لا يحترم اختصاصه واختصاص غيره . ومعلوم أن الذي لا يستحي ينتظر منه كل شيء
Aucun commentaire