مسرحية الكمون
أقترح ألاّ يقام هذا العرض الذي تُعِدُّونه إلاّ ببناء مسرحي يتبنى مفهوم العلب الإيطالية، لأنّ أي مكان عرض دون ذلك قد يؤدّي إلى إفشاء أسرار اللعب المسرحي و »تسفيه » مجهودات الممثلين الذين يبذلون أقصى جهودهم لتشخيص أدوارهم المركّبة، والتي قد تمتدّ إلى ثلاث شخصيات أو أكثر، في احترام تَامّ للحبكة الدرامية وتصاعد سيرورة الأحداث، وقد أعذر من أنذر، و « أنَا بَرِيء إلاَ تْفْضْحْ لِّي يْتْفْضْحْ إذاَ تْلْعْبْ العَرْضْ أُونْ بْلاَنْ إيرْ ».
أقترح كذلك أن يتمّ تعميق البحث في الرؤى الإخراجية المعتمدة بشكل مركّب، فاللعب في هذه البنية المسرحية القائمة على الارتجال.. يتطَلّب الإحاطة بـعالم « اللاَّمَعقُول » ومحيطاته أكثر من يونسكو وبيكيت وجينيه وأداموف، والاستعانة بمجهود مارتين أسلين في هذا السياق، دون إغفال ما يستلزم اللعب من نظريات « القسوة » أكثر ممّا اجتهد عليه أنطوان آرطو، فمعوّل عليكم إثارة المتفرّج وتهييجه وصدمه بالجلل الذي لم يأت به جبل، وإذاقته ممَا لا عين رأت ولا أذن سمعت، « وْلِّي مَا عْجْبُو حَالْ، البَابْ وْسْعْ مْنْ كْتَافُو.. ».
أحذِّر من إبراز التأثّر الذي عهدته اتجاه نصّ « الحقيبة » للزبير بن بوشتة، فالوطن لم يرحل بعد ولن يرحل أبدا، الوطن وطن، فلا داعي للبحث عنه، إنّه لصيق بنا، يعرفنا ونعرفه، وحقَّ التقدير يقدّرنا، يُفْهِمُنَا الدَّرْسَ وَيَفْهَمُنَا، والعَالمْ منه يعرِفُنَا، يعودنا في كلّ لحظة وآن وحين، يلاصقنا ملاصقة الأنفاس، وأقرب إلينا من حبل ستار المسارح، عليه ندبّ، ولو بحثنا عن وطن هجرنا (كما أراد الزبير) فذلك على أرض وطن لاصقنا خوفا.. علينا طبعاً. « بْعَّدْ مْنْ بُوشْتَة، وْلاَّ غَادِي تْبَاتْ فْالشْتَى ».
أودّ أن تُخْفض إنارة المسرحية إلى أدنَى حَدّ، فالنور المبهر يغشي الأبصار، ويعطي الحرّية للأنظار، وقد يجعل الحبكة تولّي الأدبار، إجعل الإظلام يطغى في مشاهد الاعتقال والاستنطاق والسجن وحفظ الأسرار، وارفع أصوات الممثلين إبََان لحظات التأوّه والتهليل والتطبيل والنيل من شرف الأحرار، فالأذن السامعة قد تصدّق القول ما لم تستبصر العين شيئا في غياب الأنوار، « إيوَا كُنْ قَادّْ، ودِيرْ مَا قُلْتْ، وْخْلِيكْ مْنْ التْقْمَار ».
حدّد تحرّكات ممثليك بلواصق على الأرض حتّى حُدُودَهُم لا يتجاوزون، واضبط بالعدّاد أنفاسهم وخطاهم ومَا يفوهون، فكلّ نفَس من حناجرهم عليك محسوب وكذا ما يُضمِرون، « عْنْدَاكْ يْتْزَاكْلُوا » فتُحَاسب وكُتَّابَكَ عَلى مَا تَسْطُرون، فالمتفرجون عَلَى عَالمِ الهوى وَالتفاسير العجيبة مقبلون، وعلى مَا دُونها مُدْبِرون، ليس لشيء آخر سوى لإيمانهم بأنّ الحكّ لاستخراج الرّائحة هو فعل منبُوذ للبشر وحِلٌّ « لْلْكَمُون »، واطلب من متقمّص دور الجَلاد بآدَاء دور متقُون، وأن يصيح حين يسُود الرعب.. « طَايْبْ وْهَارِي.. وْسْخُونْ »، وأشعِر الوافدين بمنع العرض على مرضى البُطُون..
Aucun commentaire